История перевода и культурное движение в эпоху Мухаммеда Али
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Жанры
وقد كان الرعيل الأول من السوريين قليل العدد، محدود المعرفة والكفاية، وكان الرعيل الثاني من خريجي المدارس وأعضاء البعثات يقوم بالترجمة كعمل إضافي إلى جانب العمل الأساسي كالتدريس، أو الحكم، أو العلاج الطبي، أو الإشراف على المنشآت؛ ولهذا كان لا بد من إيجاد طائفة ثالثة متخصصة في الترجمة، فأنشئت مدرسة الألسن، وكون خريجوها الرعيل الثالث من المترجمين.
وقد كانت هذه الرعال الثلاث تقوم بالترجمة عن اللغات الأوروبية وخاصة الفرنسية والإيطالية إلى اللغة العربية أو التركية، غير أن محمد علي كان يريد أحيانا أن يطلع على بعض الكتب الخاصة، وكثيرا ما كانت الكتب تترجم بإشاراته وإجابة لرغبته، ولغة محمد علي الأصلية هي التركية، ومعظم رجال جيشه وحكومته الأولى كانوا يجيدون التركية دون العربية؛ لهذا ظهر في تاريخ الترجمة في عصر محمد علي رعيل رابع من موظفيه عهد إليهم بترجمة كثير من الكتب عن العربية، والقليل منهم ممن كانوا على علم بإحدى اللغات الأوروبية كانوا يترجمون عنها إلى التركية.
أمام اضطهاد مراد وإبراهيم نزح من مصر كثير من السوريين المسيحيين، كذلك خرج مع الحملة الفرنسية عدد كبير منهم خوفا من اضطهاد كانوا يتوقعونه من الحكومة العثمانية بعد استعادة مصر، من الصنف الأول أنطون فرعون قسيس معلم الديوان وإخوته، ومن الصنف الثاني طائفة المترجمين في عهد الحملة.
ولكن يبدو أن هذه الفترة التي انتهت بتغلب محمد علي على صعوباته، وبدئه عهد الإصلاح كانت فترة مناسبة جدا لعودة وهجرة كثيرين من السوريين المسيحيين؛ ففي هذه الفترة كانت أوروبا - وخاصة فرنسا - ميدانا لاضطرابات وقلاقل عنيفة سببتها حروب نابليون التي انتهت بعزله ونفيه في سنة 1815، وعودة الحكم في فرنسا إلى الملكية القديمة، وإن كان مؤتمر «فينا» لم يقض تماما على عوامل الاضطرابات والثورات في ممالك أوروبا، فستقوم ثورات أخرى في معظم هذه الممالك في سنتي 1830 و1848، وفي هذه الفترة أيضا انتهى النزاع بين محمد علي وبين جميع الهيئات التي كانت تعترض سبيله، وبدأ في مصر عهد أمن وهدوء وطمأنينة.
عاد إذن من أوروبا إلى مصر بعض من غادرها من السوريين الذين ارتحلوا مع الحملة، وهاجر إليها من سوريا نفر آخرون، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه محمد علي يعد العدة لإنشاء مطبعته ومدارسه، وفي سنة 1827 أنشئت مدرسة الطب المصرية، وكان كل أساتذتها من الفرنسيين والإيطاليين، وعانى كلوت بك كما ذكرنا صعابا كثيرة في التغلب على صعوبة جهل كل فريق من الأساتذة والطلاب بلغة الفريق الآخر، وهنا لجأ محمد علي، ولجأ كلوت بك إلى الاستعانة بمن في مصر من السوريين الذين يعرفون العربية واللغات الأوروبية. (1-1) الأب أنطون رفاييل زاخور
كان أول هؤلاء المترجمين السوريين شخصية فذة عرفناها من قبل معرفة جيدة أثناء كلامنا على الترجمة العلمية في عهد الحملة الفرنسية،
4
فقد ذكرنا هناك جهود هذا العالم في الترجمتين الرسمية والعلمية، وعرفنا أنه كان العضو الشرقي الوحيد في مجمع «نابليون»، وأنه كان المترجم الأول بديوان «مينو»، ولم يرحل الأب رفاييل مع رجال الحملة كما رحل غيره من السوريين، بل بقي في مصر نحو سنتين أخريين اشتغل في أثنائهما سكرتيرا لرئيس طائفته الدينية الأب باسيليوس عطا الله.
5
غير أن رفاييل كان ذا نفس طموحة وآمال عريضة، وقد ارتقى في عهد الحملة الفرنسية مكانا عليا في مصر؛ فكان من رجال العلم والحكم والدولة، فتعرف إلى شخصيات فذة؛ ك «نابليون»، و«ديزيه»، و«كليبر»، و«مينو» ... إلخ ممن اشتركوا في صنع تاريخ مصر في مفتتح القرن التاسع عشر، وقد كان في تلك الفترة دائم العمل دائب النشاط والإنتاج، فهل يقبع في مركزه الديني الجديد المحدود الآفاق؟ كلا لم ترض نفس رفاييل بهذا الركود بعد الحركة، ولم يكن في ظروف الحكومة الجديدة بعد أن عادت مصر لحكم العثمانيين مجال لإظهار نشاطه السياسي أو العلمي، فولى رفاييل وجهه شطر فرنسا من جديد، وأرسل في مدى هاتين السنتين خطابين
Неизвестная страница