208

История перевода и культурное движение в эпоху Мухаммеда Али

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

Жанры

هاتان هما الطريقتان اللتان اتبعتا في العصر العباسي، وهما طريقتان اجتهاديتان كان الباعث عليهما أن الترجمة في ذلك العصر كانت ترجمة فردية، حقيقة إن الترجمة في العصر العباسي - كانت مثلها في عصر محمد علي - ترجمة رسمية، يوعز بها، ويرعاها ويشجعها الحكومة والحكام، غير أن الخليفة في العصر الأول كان يوعز إلى المترجمين بالترجمة، فيبذل كل منهم جهده وحده، ويتصرف في النقل حسب اجتهاده.

أما الترجمة في عصر محمد علي فكانت تقوم بها هيئات متعددة؛ ولهذا نراها أحيطت بالضمانات الكافية والممكنة لتخرج سليمة، دقيقة متقنة بقدر الإمكان.

بدأ الترجمة في عصر محمد علي جماعة السوريين، وكان أولهم الأب رفائيل، وقد ترك وشأنه في الترجمة؛ فقد كانت الحركة في أول خطواتها؛ ولهذا خرجت ترجماته رديئة ضعيفة الأسلوب، غير واضحة ولا مفهومة، فلما ألحق نفر آخرون من السوريين بمدرسة الطب، أحست الحكومة فيهم هذا الضعف في اللغة العربية؛ فبدأت بوضع تقليد جديد، وهو إشراك جماعة من شيوخ الأزهر معهم في النقل لتخير الألفاظ والمصطلحات العلمية العربية، أو لاشتقاق ونحت ألفاظ ومصطلحات جديدة، ثم لتصحيح الأسلوب وصياغته صياغة عربية صحيحة.

ولهذا لم يكن المترجم ينفرد بالترجمة وحده، ثم يقدم الترجمة للشيخ المصحح ليقوم بتصحيحها وحده، بل كان الرجلان يجلسان معا، فيمسك المترجم بكتابه، والشيخ بدفتره، ويبدأ الأول في الترجمة جملة جملة، ثم يمليها على رفيقه، وهما في أثناء ذلك يتشاوران، ويراجعان الأصل، أو الكتب العربية القديمة، أو ما بين أيديهما من قواميس ومعاجم، إلى أن يتفقا على الصورة النهائية، يشير إلى هذا التعاون والاشتراك في العمل الشيوخ المصححون في مقدمات الكتب المترجمة؛ فهذا الشيخ مصطفى كساب يقول في مقدمة كتاب «نزهة الأنام في التشريح العام»، و«ترجمه من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية المترجم الحاذق الخواجة يوسف فرعون، مع مصحح مسائله، ومنقح دلائله مصطفى حسن كساب»، ويقول أيضا في مقدمة كتاب «منتهى البراح في علم الجراح»: «ترجمه يوسف فرعون مع مرتب مبانيه، ومهذب معانيه مصطفى كساب»، وقال الشيخ محمد الهراوي في مقدمة كتاب «منتهى الأغراض في علم الأمراض» الذي ترجمه يوحنا عنحوري: «وكان ممن استملى منه نحو نصف هذا الكتاب أخي ووحيدي أحمد صويبع الرشيدي، ولكون الكتاب المذكور نقل للطليانية، وكان يفسر بها حين قراءة المعلم للدرس، وخفت من أن يكون قد وقع في شيء منه اللبس، تصفحته ثانية مع علي أفندي هيبة على أصله المطبوع بالفرنساوية.» ثم يقول في خاتمة الكتاب: «لذا تعبت في تحريره عند الجمع والطبع غاية التعب، واستهونت ما حل بي حينذاك من دوام السهر والوصب، حتى صغته صياغة التآليف العربية في انسجام المعاني، وتناسب الكلمات، بعد أن بذلت الجهد في تهذيب المباني وتناسق العبارات، حتى صار لا يرى عليه غبار الترجمة، ولا ما تعرف به من غبار اللعثمة.»

وقال نفس الشيخ في مقدمته لكتاب «المنحة في سياسة حفظ الصحة»: «فجمع الخواجا برنار هذا الكتاب من مجلدات كبار، وترجمه من الفرنساوي للعربي بالكتابة والمقال المترجم الحلبي جورجي فيدال، وكنت مقيدا لتصليح ما ترجم ترجمة لفظية، وتوقيعه مواقع عبارات عربية، مع إبقاء أسلوبه لمساق الكلام على ما هو عليه، واصطلاحهم في كثرة التقسيمات وتطويل العبارات على ما مالوا إليه، غير أني بذلت في أن تستفاد المعاني من المباني غاية الجهد، وحفظت ألا أكتب شيئا إلا بعد معرفتي إياه.» ثم قال في خاتمته إنه روجع «على يد مصحح كلمه عند الترجمة، محرر جمله لدى القراءة والمقابلة، مؤاخيه حال القراءة والجمع، موافيه عند التمثيل والطبع، محمد الهراوي.»

وضع هذا التقليد خصيصا للمترجمين من السوريين، فلما خرجت المدارس والبعثات خريجيها من المصريين، وبدءوا يشاركون في حركة الترجمة، لم يلغ هذا التقليد، بل أبقي عليه؛ فقد كانت حكومة محمد علي - وهذه الكتب المترجمة جهد من جهودها - حريصة على أن تظهر للقارئين أقرب ما تكون إلى الصحة موضوعا وأسلوبا، وكان معظم خريجي المدارس والبعثات من خريجي مدرستي بولاق وقصر العيني، أو من تلاميذ المكاتب الإقليمية؛ ولهذا كانت ثقافتهم في اللغة العربية ضعيفة محدودة، فكان من الضروري أن يعينهم شيوخ الأزهر على أداء مهمتهم، وقد فعلوا؛ جاء في مقدمة كتاب «إسعاف المرضى من علم منافع الأعضاء» أن مترجمه علي أفندي هيبة «كان يمليه على الشيخ محمد محرم أحد المصححين بمدرسة أبي زعبل»، وذكر في مقدمة «نبذ كلوت بك» أنه قام بترجمتها إبراهيم النبراوي حكيم أول ابن عرب بإملائه للشيخ محمد محرم أحد المصححين قبل الطبع، وقال الشيخ مصطفى كساب في مقدمة كتاب «الطب العملي»: «وترجمه ... محمد أفندي عبد الفتاح ... وقد استمليت منه هذا الكتاب، وصححته بأعذب خطاب.» وقد اتبع الشيخ محمد عمر التونسي نفس الطريقة مع الدكتور «برون» أثناء ترجمته لكتابه الجواهر السنية؛ فقد قال في مقدمته: «على أن جل هذا الكتاب كان أملي علي من قبل ذلك، وصححت أكثره بلا مشارك (يقصد من المصححين)، وساعدني في ذلك معرفة مؤلفه باللغة العربية؛ لأني قابلت كل مشكلة معه على أصوله الفرنساوية ...»

غير أنا نلاحظ أن هذا التقليد لم يكن عاما، بل لقد أعفي منه خريجو المدارس والبعثات من الأزهريين؛ أعفي منه الشيخ رفاعة، وأعفي منه الشيخان (ثم الدكتوران) أحمد حسن الرشيدي، وحسين غانم الرشيدي؛ فقد كانا ممتازين في معرفتهما للغة العربية، بل لقد كانا مصححين في مدرسة الطب قبل إيفادهما إلى فرنسا ضمن بعثة 1832 الطبية.

ولم يكتف القائمون على حركة الترجمة في ذلك العصر بهذا التقليد، بل كانوا يعهدون ببعض الكتب بعد ترجمتها وتصحيحها إلى لجنة أخرى من مترجم ومصحح آخرين لمراجعتها على الأصل، وكانت بعض الكتب تراجعها لجنتان أو ثلاث الواحدة بعد الأخرى، حدث هذا في الغالب للكتب التي ترجمها يوحنا عنحوري؛

7

لأن هذا المترجم كان يتقن اللغة الإيطالية دون الفرنسية، فكانت الكتب تترجم له عن الفرنسية إلى الإيطالية، ثم يقوم هو بترجمتها إلى العربية، فإذا راجعها معه المصحح، أعطيت الترجمة للجنة أخرى لمراجعتها على النص الأصلي الفرنسي.

Неизвестная страница