История перевода и культурное движение в эпоху Мухаммеда Али
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Жанры
Boyer » رئيس هذه البعثة إلى صديقه المسيو «جومار
Jomard » عضو المجمع العلمي الفرنسي، والمشرف على بعثات محمد علي إلى فرنسا فيما بعد - يقول: «وجدت أن إدارة الشئون كلها في مصر في أيدي الإيطاليين، واللغة الفرنسية في المحل الثاني، ولا يعلمون في المدارس الحربية سوى اللغة الإيطالية، ولا يترجمون سوى الكتب البسيطة التي وضعها مؤلفون من ذلك الشعب، ومدرسو الرياضيات واللغات، والعلوم، والفنون، وغيرها، كلهم إيطاليون، وفي كل عام يرحل إلى أوروبا ثلاثون أو أربعون شابا ليتعلموا علومها وفنونها، وإلى «بيزة» يتجهون حتى في دراسة الفنون الحربية، ويظهر الوالي دهشته من هذا التفوق الإيطالي، وإنهم ليبثون في ذهنه المخاوف من ناحية الفرنسيين (الخادعين)، أما من ناحية الإيطاليين فلا يجب أن يخشى شيئا ...»
19
ومن الفقرة الأخيرة من هذا الاقتباس نعلم مبلغ المرارة التي كان يحسها الفرنسيون من تفوق الإيطاليين ولغتهم في حكومة وإدارة ومدارس وجيش محمد علي؛ ولهذا نلاحظ أن الفرنسيين سيبذلون كل الجهود للقضاء على هذا النفوذ لكي تكون لهم وللغتهم الصدارة بين الأجانب واللغات الأجنبية في مصر، وقد ساعدهم على ذلك أن الطوائف الأولى من الإيطاليين لم تكن من العنصر الممتاز، بل كان معظمهم يشبهون ذلك اللفيف من الأطباء الذين وصفهم «إدوار جوان» بأنهم كانوا: «من أفاقي اليونان والطليان»، وذلك في الوقت الذي ترك فيه الفرنسيون القلائل الذين التحقوا بخدمة محمد علي، وخاصة «الكولونيل سيف» و«كلوت بك» أطيب الأثر وأجمله.
وهناك عامل شخصي قد يكون له بعض الفضل في التمهيد لغلبة الفرنسيين على الإيطاليين، وذلك أن محمد علي كان قد اتصل في شبابه بتاجر فرنسي اسمه «المسيو ليون»،
20
وقد أخلص له هذا الرجل الود والإخاء، وأفاده كثيرا بخبرته في شئون التجارة، كذلك قد يرجع بعض الفضل إلى أن فرنسا كانت تسعى - برجالها وعلمائها وضباطها - إلى مصر وإلى محمد علي سعيا؛ فقد كانت تعتبره منفذا ومتمما لما بدأه علماء الحملة من أبحاث، ولما بدأته الحملة نفسها من إصلاحات.
وأخيرا لقد كان لمركز فرنسا الدولي الممتاز حينذاك - كدولة من دول البحر الأبيض المتوسط - أثر كبير في إشاحة محمد علي وجهه عن إيطاليا والإيطاليين، واتجاهه في سياسته الإصلاحية نحو فرنسا والفرنسيين.
نجحت فرنسا في حلبة هذه المنافسة، وألغيت اللغة الإيطالية شيئا فشيئا من المدارس المصرية، واستغني عن الضباط والمدرسين الإيطاليين واستعيض عنهم بضباط ومدرسين فرنسيين، وعدل عن ترجمة الكتب الإيطالية، وألغيت البعوث الإيطالية فغدت ترسل - في معظمها - إلى فرنسا، وفي كلمة واحدة لقد تحولت مصر عن النقل عن الثقافة الإيطالية إلى النقل عن الثقافة الفرنسية، وسيكون لهذا أثره الملحوظ كما ذكرنا، فستظل مصر طول القرن التاسع عشر مصطبغة بالصبغة الفرنسية في شتى نواحيها التفكيرية، غير أنه لزام علينا أن نشير في ختام هذا الموضوع إلى أن محمد علي لم يكن أسيرا لحبه لفرنسا وللثقافة الفرنسية وحدها، بل كان يحب دائما أن يستعين برجال كل دولة امتازت في ناحية من نواحي العلم والعرفان، فكانت من بعثاته بعثات أرسلت للنمسا وإنجلترا، كما كان يدير بعض مدارسه ويعلم فيها أفراد من الإسبانيين والإنجليز وغيرهم.
الباب الأول
Неизвестная страница