История перевода и культурное движение в эпоху Мухаммеда Али
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Жанры
وأعلن هذا الشعب إرادته قوية جريئة صريحة: أنه صاحب الحق الأول في اختيار حاكمه، وكان موفقا حين أعلن على لسان زعمائه اختيار محمد علي واليا عليه.
وأدرك محمد علي منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها عرش مصر أنه لا بد من رسم سياسة إصلاحية جديدة لانتشال الكنانة من وهدة الخراب والفساد التي تردت فيها طوال العصر العثماني، ورأى أن السبيل القويم للإصلاح هو الاتجاه نحو الغرب، والاقتباس من نظمه والنقل عن علومه، وخطا نحو تنفيذ هذه السياسة الإصلاحية خطوات مختلفة؛ فبدأ باستخدام الأجانب والاستعانة بهم، ثم ثنى بإرسال المصريين في بعثات إلى أوروبا، ثم ثلث بإنشاء المدارس الجديدة في مصر على النظام الأوروبي، ولتدريس هذه العلوم والنظم الجديدة، وكانت وسيلته الكبرى في كل هذه المحاولات هي النقل عن الغرب، هي الترجمة.
وما كتابنا هذا إلا دراسة تفصيلية لهذه الوسيلة الكبرى، وما يتصل بها من أدوات، وما سبقها من مقدمات وتمهيدات، وما تلاها أو تسبب عنها من نتائج.
تتبعنا حركة الترجمة في هذا العصر منذ خطواتها الأولى في إعداد المترجمين من خريجي المدارس والبعثات، إلى اختيار الكتب وطريقة ترجمتها، إلى مراجعتها وتحريرها وتصحيحها، إلى أن وصلنا بها إلى المرحلة الأخيرة، مرحلة الطباعة والنشر.
وأفردنا خلال هذا كله فصولا قائمة بذاتها للمؤسسة العلمية الكبرى التي أنشئت لخدمة هذه الحركة - وهي مدرسة الألسن وقلم الترجمة الملحق بها - ثم لطلائع رجال النهضة الثقافية الذين أسهموا في هذه الحركة من مترجمين ومصححين، ثم لحركة القواميس والمعاجم باعتبار أنها أداة من أهم أدوات النقل والترجمة، ثم لحركة الطباعة والمطابع التي أنشئت أول ما أنشئت لخدمة حركة الترجمة، ولطبع الكتب المترجمة.
وأخيرا ختمنا الكتاب بفصل كبير قدمنا فيه دراسة تحليلية مقارنة للحركة وأهدافها ووسائلها وأسلوب الترجمة وآثارها في اللغة العربية وفي المجتمع المصري.
ثم ألحقنا بالبحث مجموعة من الجداول ضمناها إحصاء للكتب التي ترجمت في عصر محمد علي مع البيانات الوافية عن كل كتاب ومؤلفه ومترجمه ومصححه وأجزائه وصفحاته وسنة طبعه ... إلخ.
هذه صورة سريعة للكتاب وموضوعه ومحتوياته لا أريد أن أزيد في تفصيل الحديث عنها، وإنما أترك الحكم عليها للقارئ الكريم بعد الاطلاع عليها، وإذ كان هذا الكتاب قد تناول بالبحث والدراسة - إلى جانب موضوع الترجمة - نواحي النهضة الثقافية المختلفة، بحكم اتصالها وخدمتها لحركة الترجمة، فقد آثرت أن يكون عنوانه الجديد: «تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي»، فهو بهذا أدل على موضوعات الكتاب ومحتوياته. •••
بقيت كلمة أخيرة أحب أن أختم بها هذا الحديث، وأن ألفت إليها الأنظار، ذلك أن محمد علي لم يندفع في حركته الإصلاحية نحو الغرب اندفاعا كليا، بل حاول دائما أن يوائم بين حاجات مصر وتراثها الشرقي وبين ما يريد أن يستورده له من إصلاحات ونظم وعلوم غربية، فهو بوسائله جميعا - التي عرضنا لذكرها في متن هذا الكتاب - حاول أن ينقل الغرب إلى مصر؛ ليحقق مثله العليا في الإصلاح، ولكنه لم يحاول البتة أن ينقل مصر إلى الغرب، بل احتفظ لها بروحها وتقاليدها، بل لقد حاول في كثير من الأحيان أن يمزج بين الخير في العالمين - الشرقي والغربي - فأقام النهضة المصرية الحديثة على أسس متينة صحيحة، ووجهها - منذ عصره حتى الآن - الوجهة الطيبة التي أفادت منها، والتي لا نزال نعمل للإفادة منها.
وأخيرا أرى أن من واجبي أن أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذي الجليلين حضرتي صاحبي العزة عبد الحميد العبادي بك، ومحمد شفيق غبريال بك؛ فقد أفدت الكثير من توجيهاتهما، وتعضيدهما أثناء إعداد هذا البحث.
Неизвестная страница