История исламской цивилизации (Часть первая)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Жанры
فلم يكن استيلاء المسلمين ثقيلا على الناس، بل كان الأهالي كثيرا ما يفضلونهم على حكامهم الأصليين، والجزية التي كانوا يتكفلون دفعها إلى المسلمين أقل كثيرا من مجموع الضرائب التي كانوا يؤدونها إلى الروم أو الفرس. (2-14) الخلاصة
وجملة القول أن المسلمين لم يجزئهم على الفتح ويساعدهم عليه إلا الدين وشدة الاعتقاد بالنصر، مع ما كان من مهارتهم في الفروسية ورمي النبال، وقوة أبدانهم ونشاطهم من عيشة البداوة، مع المطاولة في الحرب ونبوغ أفراد منهم في الرأي والشجاعة، فضلا عن عدلهم ورفقهم واختلال أحوال الروم والفرس، فلم تمض بضع عشرة سنة حتى فتحوا الشام وفلسطين ومصر والعراق وفارس في زمن عمر بن الخطاب، وتواصل الفتح في أيام عثمان بن عفان ومن بعده. (3) عود إلى الخلفاء الراشدين (3-1) الفتنة
وفي زمن عثمان حدثت الفتنة، ثم استشرى أمرها بمقتله سنة 35ه فغيرت طور التاريخ الإسلامي، وسببها أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة سنة 23ه وأحس بدنو الأجل أهمه أمر المسلمين بعده، فعمد إلى طريقة لانتخاب من يتولاهم بعده بالأكثرية، فسمى نفرا من الصحابة فيهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب وأوصاهم أن يجتمعوا في بيت عائشة زوج النبي ويختاروا واحدا منهم يتولى الخلافة بعده، فاختاروا عثمان بن عفان وهو من بني أمية وأكبرهم سنا.
وكان بنو أمية أوفر بطون قريش عددا وقوة، لكن أكثرهم لم يدخلوا في الإسلام إلا بعد فتح مكة وبعد أن أسلم أبو سفيان زعيمهم، فلم يكن لهم جهاد في الغزوات التي قامت عليها دعائم الدولة الإسلامية، فلما تولى أبو بكر لم يولهم الأعمال، إلا قليلا منهم، وربما كان السبب في ذلك أنه لم يكن يثق بصدق إسلامهم، لحداثة عهدهم فيه، أو لأنهم أسلموا مضطرين، فطالبوه بزيادة نصيبهم في الولايات فقال لهم «أدركوا إخوانكم في الجهاد» وأنفذهم لحروب الردة، ثم بعثهم عمر لحروب الشام، وهم مع ذلك يرون أنهم أولى بطون قريش بالسلطة، لأنهم أعز من بني هاشم جانبا وأكثر عددا، وكانت القيادة في الحروب قبل الإسلام إليهم كما رأيت في كلامنا عن مناصب الجاهلية، وزاد نفوذهم بعد موت أبي طالب عم النبي، وكانت بين الهاشميين والأمويين منافسة متصلة بزمن الجاهلية.
فلما تولى عثمان بن عفان اعتزوا به، وكان رجلا صالحا لكنه كان يؤثر أقرباءه فجعل يوليهم الأعمال في الأمصار ويعهد إليهم بمصالح الدولة، فشق ذلك على الصحابة الذين كانت الأعمال إليهم من قبل، وحدثت أسباب أخرى يطول شرحها آلت إلى نقمة أهل الأمصار على عثمان، فجاءوا إلى المدينة وفيهم أهل مصر والكوفة وأهل البصرة وطلبوا إليه أن يخلع نفسه، فأبى فقتلوه وهو يقرأ القرآن فتلطخ قميصه بالدم. (3-2) علي وطلحة والزبير
فلما قتل عثمان اختلفوا في من يخلفه من كبار الصحابة، وكان غرض أهل مصر في علي بن أبي طالب، وغرض أهل البصرة في طلحة بن عبيد الله، وغرض أهل الكوفة في الزبير بن العوام - وهم أكثر الصحابة تطلعا إلى الخلافة - وكان أكثر مسلمي الشام مع بني أمية، وهم يريدونها لعثمان أو من يخلفه منهم، وأما أهل المدينة فكانوا يريدونها لعلي بن أبي طالب، جريا على عادتهم في نصرة بيت النبي منذ هاجر النبي إليهم، وانضم إلى أهل المدينة في نصرة علي ربيعة واليمن وغيرهما، فكان دعاة علي أكثر عددا من سائر الأحزاب، لكنهم كانوا لفيفا من قبائل شتى وأكثرهم من المدينة، وبين أهل مكة والمدينة منافسة قديمة تمكنت بعد الإسلام، لما رأيته من نصرة أهل المدينة للمسلمين بعد الهجرة، حتى تأيد أمرهم بهم وعادوا ففتحوا مكة، وسارت المدينة عاصمة المسلمين وتحولت إليها التجارة والنفوذ وضعف أمر مكة، فلما بايع أهل المدينة عليا بايعه أيضا طلحة والزبير مكرهين، وخرجا إلى مكة فنصرهما أهلها، نكاية في أهل المدينة، ثم شخصا إلى العراق للاعتزاز بأحزابهما هناك فتبعهما علي بجنده، فجرت بين الجيشين واقعة الجمل الشهيرة بجوار البصرة، فقتل فيها طلحة والزبير وخلصت الخلافة لعلي، فنقل عاصمة المسلمين من المدينة إلى الكوفة، وقد أخطأ في تخليه عن أحزابه بالمدينة واعتماده على أهل العراق. (3-3) علي ومعاوية
وظن علي أن الجو قد خلا له، وما درى أن في الشام رجلا عظيما يطلب البيعة لنفسه - نعني معاوية بن أبي سفيان - وقد رأيت أن أبا سفيان وأولاده لم يدخلوا في الإسلام إلا بعد أن يئسوا من الفوز، فلما قتل عثمان كان معاوية بالشام وحوله نخبة الرجال من قريش، وكلهم يستهلكون في سبيل نصرته، لما ذكرناه من كثرة بني أمية وقوتهم من أيام الجاهلية، وقد شق عليهم في أول الإسلام أن تكون النبوة في بني هاشم فنقموا عليهم، ولما خرج بنو هاشم من مكة بالهجرة خلا الجو في مكة لبني أمية، وسارت الرياسة إليهم في أثناء محاربتهم المسلمين في وقائعهم المشهورة في بدر وغيرها، ورئيسهم في كل ذلك أبو سفيان والد معاوية، ولما تولى أبو بكر وأرسلهم للجهاد تولى ولاية الشام منهم يزيد بن أبي سفيان، ثم مات فخلفه أخوه معاوية في زمن عمر، فلما تولى عثمان أقره عليها ومعظم جنده من قريش، فاتصلت رياسة بني أمية - وخصوصا بيت أبي سفيان - على قريش في الإسلام كما كانت قبله، واستقل بنو هاشم بأمر النبوة ونبذوا الدنيا. (3-4) التحكيم
فلما قتل عثمان رأى معاوية سبيلا لالتماس الخلافة، فعرض قميص عثمان الملطخ بالدم في مسجد دمشق ودعا الناس للمطالبة بثأره، لأنه من رهطه، واتهم عليا وأصحابه بقتله، ثم رأى الحرب منتشبة في العراق بين علي وطلحة والزبير، فظن هذين يكفيانه مؤونة الحرب، فلما قتلا وفاز علي عمد معاوية للمطالبة بدم عثمان، واستنجد رجالا من دهاة العرب فيهم عمرو بن العاص، وكان عثمان قد عزله عن مصر، فاستدناه معاوية ووعده بولاية مصر إذا هو فاز، فحارب معه في واقعة صفين الشهيرة سنة 37ه وكادت رجال علي تظفر بمعاوية وأصحابه فيها، فاستنبط ابن العاص حيلة أخرجت الخلافة من أهل البيت إلى بني أمية.
وذلك أنه أمر رجال معاوية برفع المصاحف على أسنة الرماح، إشارة إلى طلب الهدنة للمخابرة، فانخدع أصحاب علي بذلك فألحوا عليه أن يوقف القتال ففعل، وبعد المخابرة توافقوا على التحكيم، فاختار معاوية عمرو بن العاص، واختار أصحاب علي أبا موسى الأشعري، وشتان بين الرجلين في الدهاء والذكاء، ورضي الفريقان بما يحكم به هذان وعينوا يوما لسماع الحكم، فاحتال عمرو على أبي موسى حيلة غلب بها على عقله، أظهر أنه يريد خلع علي ومعاوية معا ليختار المسلمون واحدا سواهما، فقبل أبو موسى ذلك، لكن عمرا طلب إليه أن يتكلم قبله، لأنه أرفع منه منزلة وأكبر سنا، فانخدع أبو موسى فوقف وقال «أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع عليا ومعاوية ويولي الناس أمرهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليا فاستقبلوا أمركم وولوا من رأيتهموه أهلا».
ثم وقف عمرو وقال «إن هذا قد قال ما سمعتموه وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان والمطالب بدمه وأحق الناس بمقامه».
Неизвестная страница