فخفت أجمع بين النار والخشب
وفي الجفار الآن نخل كثير ورطب جيد، وهو ملك لقوم متفرقين في قرى مصر، يأتون أيام لقاحه فيلقحونه، وأيام إدراكه فيجنونه، وينزلون بينه بأهاليهم في بيوت من سعف النخل والحلفاء، وفي الجادة السابلة إلى مصر عدة مواضع عامرة، يسكنها قوم من السوقة للمعيشة على القوافل، وهي رفح، والقلس، والزعقا، والعريش، والورادة، وقطية، وفي كل موضع من هذه المواضع عدة دكاكين.» قال المهلبي: «وأعيان مدن الجفار العريش ورفح والورادة. والنخل في جميع الجفار كثير، وكذلك الكروم وشجر الرمان، وأهلها بادية متحضرون، ولجميعهم في ظواهر مدنهم أجنة وأملاك، وأخصاص فيها كثير منهم، ويزرعون في الرمل زرعا ضعيفا، يؤدون منه العشر ، وكذلك يؤخذ من ثمارهم، ويقطع في وقت من السنة إلى بلدهم من بحر الروم طير من السلوى يسمونه المرغ، يصيدون منه ما شاء الله، يأكلونه طريا، ويقتنونه مملوحا. ويقطع أيضا إليهم من بلد الروم على البحر في وقت من السنة جارح كثير، فيصيدون منه الشواهين، والصقور، والبواشق، وقل ما يقدرون على البازي، وليس لصقورهم وشواهينهم من الفراهة ما لبواشقهم، وليس يحتاجون لكثرة أجنتهم إلى الحراس؛ لأنه لا يقدر أحد منهم يعدو على أحد؛ لأن الرجل منهم إذا أنكر شيئا من حال جنانه نظر إلى الوطء في الرمل، ثم قفا ذلك إلى مسيرة يوم ويومين حتى يلحق من سرقه. وذكر بعضهم أنهم يعرفون أثر وطء الشاب من الشيخ، والأبيض من الأسود، والمرأة من الرجل، والعاتق من الثيب، فإن كان هذا حقا فهو من أعجب العجائب.» ا.ه. (3-2) بحيرة بردويل
ومن أشهر بلاد العريش «بحيرة بردويل»، وهي بحيرة عظيمة تمتد من خرائب الفلوسيات على نحو عشرة أميال غربي العريش، إلى خرائب المحمدية على نحو ثمانية أميال شرقي الفرما، طولها نحو 58 ميلا، وعرضها يختلف من نصف ميل إلى عشرة أميال، ولهم فم ضيق تدخل منه مياه البحر المتوسط شرقي القلس، والقلس كثيب عظيم من الرمال، يمتد نحو ميلين على شاطئ البحر عند منتصف البحيرة، وعليه خرائب بلدة قديمة طمرتها الرمال، وهناك بئر عذبة الماء في وسط كثبان عظيمة من الرمال. وفي الصيف ينحسر الماء عن مكان مرتفع في البحيرة في جهتها الشرقية، يدعى «بركة الجمل»، فينفصل منها بحيرة صغيرة تدعى «بحيرة الزرانيق»، طولها أربعة أميال، وعرضها نحو ميلين، ولها فم ضيق شرقيها قرب الفلوسيات تدخل منه مياه البحر، وهذه البحيرة تعود في الشتاء فتتصل ببحيرة بردويل، فتصبح معها بحيرة واحدة. وهي التي كانت معروفة قديما باسم بحيرة سربونيوس، وبين هذه البحيرة والبحر الأبيض ذراع مرتفع من البر الثابت في طريق المسافر إلى العريش من الفرما، يعبر الماء فيها بقارب مرتين: مرة عند فم البردويل شرقي القلس، ومرة عند فم الزرانيق عند الفلوسيات، ولا يزيد عمق الماء في البحيرتين عن مترين أو ثلاثة أمتار، وقد يكون عمقه في بعض الجهات شبرا أو أقل من شبر، ويكثر فيهما السمك الذي يصنع فسيخا، فيستخرج منهما مقادير كبيرة من السمك كل سنة.
أما بحيرة الزرانيق، فقد كانت الحكومة تؤجرها بالمزاد العلني بنحو مائة وخمسين جنيها في السنة إلى سنة 1903، فأباحت الصيد فيها للأهلين، وأما بحيرة البردويل فالحكومة تؤجرها الآن بألف جنيه في السنة، وملتزموها هم باسيلي بك عريان، وعويس أفندي السيد وشركاهما، وفي رجوعي من العريش بطريق الفرما سنة 1910 وجدت وكيلا للشركة عند فم البحيرة، فسألته عن كيفية الصيد في البحيرة فقال:
نقفل فم البحيرة في أول مايو، ونشرع في صيد السمك بالفلائك والعدد إلى أوائل أغسطس، فنفتح فم البحيرة قليلا لتجديد الماء والسمك، ونصيد السمك بالشباك إلى أوائل نوفمبر، فنفتحه مليا ونترك الصيد إلى أوائل مايو فنعود إليه، وهكذا.
وقد جعلوا في البحيرة كراكة تدار على الدوام لتطهيرها من الرمال، وهم في أيام المواسم يستخرجون من 150 إلى 200 برميل من السمك في اليوم، وكله يصنع فسيخا ويؤتى به إلى مصر فيدخل في المتجر.
وبلاد العريش كبلاد التيه، تتحدر تحدرا تدريجيا لطيفا من الجنوب إلى الشمال حتى تصل البحر المتوسط، وقد سميت بلاد العريش نسبة إلى مدينة العريش التي هي أشهر مدنها، ويسمي أهل سيناء بلاد التيه الجامدة التربة بأرض الجلد، وبلاد العريش الرملية بأرض الدمث، على أن القسم الغربي من بلاد التيه رملي كبلاد العريش.
ويؤكد الخبيرون بعلم الجيولوجيا أن بلاد سيناء كلها كانت في الأعصر الجيولوجية مغمورة بالبحر المتوسط، ثم انحسر عنها تدريجا إلى حده الحالي قبل التاريخ بأزمان.
الفصل الثالث
في جبالها
Неизвестная страница