96

ولما بنى المقري الشهابي ابن صبح الجامع الجديد، فوض إليه التدريس والخطابة والنظر بالجامع المذكور، ثم مات (رحمه الله) بعد أن حج حجات كثيرة، عقيب وصوله من الحج سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وله ثمان وثلاثون سنة، وكان حسن الأخلاق عظيم التواضع مطرح جدا، عصبي يقوم في قضاء الحاجات، ويحلل المشكلات، ولا يهاب ملكا ولا غيره، عظيم السخاء، لو ملك ألف درهم أنفقها في ساعته، ولما مات لم يخلف شيئا من الدنيا قط، وله تلاميذ ومصنفات، فمن مصنفاته كتاب النافع في الفقه، وهو كتاب نفيس لطيف كثير الفوائد، وأما تلاميذه فجماعة منهم:

الصاحب الشفوق، والمحب الصدوق، العالم الفاضل الذكي، ذي الأصل الأصيل البارع، النبيل غزير المروءة، حافظ الأخوة صاحب العصبية المهمات والحمية وقت الملمات والمكارم الحاتمية والجود والأريحية، من حاله سماوي، الشيخ زين الدين البعناوي، لزمه وتخرج به، وكان عزيزا عليه، وما ضاع إحسانه فيه وفاء له بالصحبة، ولنا من بعده في الجود والمحبة.

ومنهم الوفي بالحقوق ومن يربو على الأهل ويفوق، ذو العلم والدين، والفضل المبين، والإيمان المتين، الشيخ بهاء الدين عبد الكريم الشافعي، وكان مملوكا للأمير أحمد، وكان من الصغر في الخير يجهد، فنسب إلى الديانة، وعرف بالصيانة، رأيته في بعض الأسفار، فتفرست فيه أنه من الأخيار، فلم تمض إلا مدة يسيرة حتى رغب فينا، وهجر أميره فلاطفه وهدده، فلم يرجع عما قصده، فلما عرف منه الصدق وحققه سلم حاله إليه، وأطلقه، وبنى المدرسة وفوض أمرها إليه، وأكرمه وأقبل عليه، فجد في العلم وتحصيله في سائر الأوقات، وصحب أخي علاء الدين حتى مات، ثم لزمني فرأيته على أحسن الحالات، ثم قرأ علي كتبا، وعرضها مطربا، فبرع وبحث ودرس وغمرنا بأنواع

Страница 208