لكن أخفت امرأته (تناكويلا) التي كانت مشهورة بالسياسة والدهاء خبر موته، وأذاعت أن الملك جريح فقط وحالته ليست خطرة، وأنه كلف صهره (سرفيوس تليوس) بإدارة مهام الحكومة ريثما يتم شفاؤه، وبعد مضي بضعة أيام على هذه الحادثة استمالت في خلالها أعضاء السناتو إلى قبول صهرها بصفة ملك، أعلنت وفاة زوجها ولم تفد تلك المكيدة أولاد الملك (أنكوس) شيئا، وكان ذلك سنة 578ق.م تقريبا.
ومما ينسب عمله إلى تركان من الإصلاحات أنه قرر بقبول مائة شخص من عامة الأهالي في مجلس السناتو، وزيادة زمرة الشفالية ثلاث فرق، ولما لامته الأشراف على ذلك استعان على إقناعهم بقوة المنجمين الذين قالوا إن الآلهة راضية عن هذا الإصلاح فامتثل الأشراف، وصارت أقوال المنجمين أكبر عضد للحكومة لتنفيذ مشروعاتها كلما أنست معارضة من بعض طبقات الأمة هذه.
أما (سرفيوس تليوس) فلم يعلم أصله بالتحقيق فقال بعضهم إنه لقيط تربى في السراي الملوكية في مهد العز والدلال، ولما ترعرع وكلت تربيته إلى فحول ذاك العصر، ولما بلغ سن الرجولية زوجه الملك ابنته إجابة لرغبة زوجته (تناكويلا)، وقال آخرون - وخصوصا مؤرخي (التسكان) - إنه أتروسكي الأصل واسمه (مسترنا)، وإنه كان مرافقا لأحد قواد جيوش الأتروسك عند محاربة الرومانيين، ولما غلبت جيوشهم أتى إلى رومية مع من هاجر من الأتروسك وترك اسمه الأصلي، وتسمى باسم سرفيوس وهو من أسماء الرومانيين حتى يظن أنه روماني ولا يعلم أصله الأجنبي، وقيل غير ذلك.
ومن أعماله تجديد أسوار المدينة وإدخال كثير من ضواحيها داخل أسوارها، وتقسيمها إلى أربعة أقسام لكل منها حاكم مخصوص يناط به تحضير القوائم بأسماء الأهالي القاطنين في دائرته لتوزيع الضرائب، وطلب من يلزم من الشبان للخدمة العسكرية، ثم قسم جميع الأراضي التابعة لمدينة رومة إلى 26 قسما، وجميع السكان إلى ست طبقات و(173) فرقة أو قبيلة، كل قبيلة منها مؤلفة من مائة نفس، الأمر الذي يستنتج منه أن عدد الأهالي التابعين لرومة بلغ في أيامه (19300) نسمة، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في الباب التالي.
ومن أعماله الخارجية تحالفه مع ثلاثين مدينة من مدائن اللاتين، وإقامة معبد للمعبودة (ديانة) إحدى آلهة الأقدمين بداخل رومة، وتقاسمت المدينة ومحالفيها من مدائن اللاتين ما صرف عليه ليكون رابطة اتحاد بينها، ومنها تغلبه على بعض قبائل الأتروسك، وأخذه أراضيهم وتوزيعها على الفقراء من الرومان، ولما كانت جميع أعماله في صالح الطبقات السفلى من الأهالي غضب منه الأشراف ذوو الثروة والجاه، وضاعف غضبهم وحنقهم عليه توزيعه الأراضي على الفقراء، وصاروا يمقتون بقاءه ملكا عليهم وتآمروا على قتله بمساعدة بنته (توليه).
وتفصيل ذلك أنه كان لسرفيوس ابنتان إحداهما (توليه) التي حفظ التاريخ اسمها وكانت ميالة إلى الفتن والدسائس وحب العلو والارتقاء مهما كانت الواسطة، وتزوجت (آرنس) ابن الملك تركان القديم، وكان متصفا بالسكون وسهولة الأخلاق، وتزوجت الأخرى ب (لوسيوس) أخي آرنس الذي كان على عكس أخيه ونقيضه، ولما كان شبيه الشيء منجذبا إليه بالطبع اتفقت (توليه) مع لوسيوس زوج أختها على قتل زوجها وأختها والاقتران معا، والسعي بعد ذلك في تنصيب لوسيوس ملكا على رومة مكان أبيها، ولو أدى الأمر إلى قتله، وفعلا اقترنت بلوسيوس بعد أن تخلصت من زوجها وأختها بتقديمها لهما السم في الدسم، ثم اتحدت مع بعض الأشراف المعادين لأبيها الملك بسبب منحه بعض الحرية للأهالي، وتوزيعه أراضي القبائل المغلوبة عليهم بدل توزيعها على الأشراف، واتفقوا على عزله وتولية لوسيوس مكانه، وبعد تمام الاتفاق وتوثيقه بالأيمان المغلظة انتهز المتآمرون فرصة وجود الأهالي في أشغالهم الزراعية خارج المدينة، وحضر لوسيوس إلى السناتو حال انعقاده متشحا بالملابس الملوكية، وألقى سرفيوس من أعلى الدرج فقتله أعوانه، ونودي بلوسيوس ملكا باسم تركان الثاني، ويقال إن زوجته (توليه) حين أتت لتهنئته مرت بعربتها على جثة أبيها وكان ذلك في سنة 534ق.م.
ولقد دعا الرومانيون الطريق الذي مرت منه هذه الغادرة عند ارتكابها هذا الأمر الفظيع بطريق الخيانة؛ إظهارا لعدم استحسانهم له وعدم مشاركتهم لها فيه.
الملك تركان الثاني
وكان تركان الثاني ميالا للكبرياء والجبروت محبا للظلم والاضطهاد، فأبطل جميع الإصلاحات التي أدخلها سرفيوس وسلب طبقة العوام ما منحته من الحقوق، فرجعت إلى ما كانت عليه من الضعة والانحطاط؛ ولذلك لقبه الأهالي بالشامخ وأظهروا له الجفاء والإعراض، فاتخذ لنفسه حرسا من الأجانب استخدمهم لقمع الأهالي، وإطفاء كل حركة تبدو منهم طلبا للحرية، والتخلص من حكمه الجائر.
وكان يقتل كل من آنس منه عدم الإخلاص له والرضا عن أعماله من الأعيان وأعضاء مجلس الشيوخ، واتبع هواه في جميع أعماله، ولم يراع لقانون حرمة ولم يخفر لأحد ذمة، وسخر الأهالي في أشغاله الخصوصية والمنافع العمومية، فتمم مجاري المدينة والكابيتول وباقي ما شرع فيه والده من الأعمال، وتحالف مع حاكم مدينة (تسكولم)، وزوجه ابنته ليكون له عونا وعضدا ضد رعاياه، ويقال إن العملة عثروا عند فتح أساسات (الكابيتول) على رأس إنسان، فقال المنجمون إن ذلك يدل على أن مدينة رومة ستكون ذات شأن عظيم في العالم، وتكون مقر حكومة يمتد سلطانها على جميع أنحاء العالم المتمدن.
Неизвестная страница