История пиратства в мире
تاريخ القرصنة في العالم
Жанры
على أن القراصنة ومن وراءهم من ذوي النفوذ الذين يتولون رعاية هذه الإذاعات، لم يكن بنيتهم التراجع عن هذه المهنة المريحة، فقرروا - نتيجة إحساسهم بعدم الأمان وهم على متن سفنهم، التي ينطبق عليها الحظر على نحو لا خلاف فيه - استخدام منجزات الصناعة الحديثة.
قام قراصنة الإذاعة بإقامة رصيف عائم هائل على ركائز مثبتة في قاع البحر، تشبه تلك المستخدمة في قواعد استخراج النفط من البحر، وذلك في عرض البحر من القرب من حدود المياه الإقليمية لهولندا. وعلى بعد ستة أميال تقريبا شمال شرقي مصيف نوردفيك، هناك أقيمت محطة إذاعة وتليفزيون باسم «تي في نوردزي» بدأت في أول سبتمبر عام 1964م في إرسال الإعلانات الإذاعية والتليفزيونية إلى هولندا. لما بلغ السيل الزبى بالقراصنة، لم يكن أمام الحكومة الهولندية إلا أن قامت في السابع عشر من ديسمبر عام 1964م بشن هجوم بوليس عسكري ضد محطة القرصنة، ووضعت حدا لنشاطها. كان لهذا الإجراء الذي اتخذته السلطات الهولندية ردود فعل قوية في الصحافتين المحلية والعالمية، وقد انقسمت الآراء بشأنه، فبينما اعتبر البعض أن الحكومة الهولندية قد اتخذت خطوة قانونية بقضائها على محطة الإذاعة التي كبدتها خسائر طائلة، أكد آخرون أنها خرقت مبدأ حرية البحار بأن قامت بعملية بوليسية ضد محطة إذاعة يمتلكها مواطنو دولة أخرى، وتعمل خارج المياه الإقليمية لهولندا. بل إن الإشاعات راحت تتحدث عن عرض القضية برمتها على محكمة العدل الدولية في لاهاي.
قرر النائب العام لهولندا إحالة القراصنة المقبوض عليهم إلى المحكمة، بيد أنه رفض أن يفصح عن أسماء الأشخاص الذين تورطوا في هذا الأمر. في نفس الوقت اكتسبت قضية العملية البوليسية التي اتخذت ضد «تي في نوردزي» منحى مفاجئا، بعد أن فجرت مناقشات واسعة في أنحاء هولندا، حول مسألة احتكار الدولة للإعلانات في الإذاعة والتليفزيون. وقد استخدمت المعارضة هذه المناقشات التي أثارت ضجة كبرى في البلاد بذكاء شديد لتحقق من ورائها أهدافا سياسية، وقد حدثت بالفعل أزمة وزارية في السادس والعشرين من فبراير عام 1965م، واستمرت حوالي ستة أشهر، ولم تنته إلا في الثلاثين من شهر مارس عام 1965م، عندما توصلت الأحزاب السياسية في هولندا إلى اتفاق بشأن فرض قيود على احتكار الدولة - وهو الاحتكار الذي ظل قائما حتى هذا التاريخ - لأنشطة الإعلان في الإذاعة والتليفزيون. لقد سبق سقوط الحكومة الهولندية توقيع اتفاقية قانونية مهمة، تتعلق بمقاومة القرصنة عبر الأثير، ففي الثاني والعشرين من يناير عام 1965م، وقع في «ستراسبورج» مندوبون عن حكومات بلجيكا، وبريطانيا، والدنمارك، وفرنسا، واليونان، ولكسمبرج، والسويد، وقعوا اتفاقا يهدف إلى القضاء على الإذاعة خارج الحدود الإقليمية لهذه الدول.
نصت المادة الأولى في هذا الاتفاق على حظر نشاط محطات الإذاعة الموجودة على متن السفن والطائرات، وكذلك حظر استخدام أية وسائل أخرى، سواء أكانت تتحرك بحرا أم جوا، وتعمل على أراضي الدول التي وقعت على الاتفاق المذكور، ومنع بث برامج مخصصة للاستقبال أو يمكن التقاطها في جميع أراضي الدول المذكورة أو في أجزاء منها، أو يكون لهذا البث أثر في إعاقة الاتصالات السلكية واللاسلكية بين هذه الدول.
على الرغم من كل ما ورد في هذا الاتفاق فقد بدا - على ضوء حادثة «تي في نوردزي» - عاجزا، فقد ظل العديد من الاقتراحات والتوصيات الداعية إلى توسيع مجالات الحظر، قاصرة على محطات الإذاعة العاملة على متن السفن والطائرات. أما فيما يتعلق بالمحطات المبنية على منصات مثبتة في قاع البحر، فقد كانت علاقة هذا الاتفاق بها مجرد علاقة ثانوية.
لقد أثار هذا الوضع الكثير من الانتقادات الحادة، ها هي ذي الجمعية الاستشارية للمجلس الأوروبي تعرب في التاسع والعشرين من يناير عام 1965م، عن أسفها لكون لجنة الوزراء لم تطرح مقدما نص الاتفاق المذكور لتقره الجمعية. فيما بعد كلفت الجمعية لجنة من الخبراء في شئون الاتصالات السلكية واللاسلكية لدراسة إمكانية إضافة بروتوكول خاص إلى هذا الاتفاق، يمكنه أن يوسع من قراراته، بحيث تشمل محطات الإذاعة المقامة على منصات بحرية.
إلى جانب حادثة الرصيف الذي أقيم بالقرب من شواطئ هولندا، أذيعت أنباء عن بعض الحوادث المتفرقة، حيث جرى استغلال بعض المنشآت الدفاعية التي أقيمت في عرض البحر لأغراض الاتصالات اللاسلكية إبان الحرب العالمية الثانية، والتي ظلت قائمة بعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها، وهي بالتحديد: (1) «راديو انفيكتا»: وكان يبث إرساله من يوليو عام 1964م من قلعة مارتيليو تاور، الموجود عند مصب نهر التايمز على موجة طولها 306 أمتار، وتوقفت في السابع عشر من ديسمبر من نفس العام عندما غرق صاحبها. (2) «راديو ساتش» بدأ عمله من مايو 1964م وتغير اسمه من يناير 1965م، ليصبح «راديو سيتي»، وكان يبث إرساله من مارتيليو تاور على موجة طولها 299 مترا، وتوقف هذا الإرسال بعد مصرع صاحبه في ظروف غامضة.
في نهاية يونيو 1967م وعلى بعد أحد عشر كيلومترا من شواطئ بريطانيا بالقرب من
Harwich ، وقعت معركة حقيقية بين ممثلي اثنتين من محطات القرصنة الإذاعية المتنافسة فيما بينها، فقد حاولت إحدى الجماعتين الاستيلاء على إحدى القلاع المهجورة خارج المياه الإقليمية لإنجلترا، وتسمى «راف تاور»، وقد قام بالمحاولة صاحب محطة «راديو كارولينا» عندما توجه ورجاله للاستيلاء على الميناء، غير أنه ووجه بمقاومة شديدة من جانب محطة «راديو إسكس» المنافسة.
في ليلة الثامن والعشرين من يونيو أبحر قارب قراصنة «راديو كارولينا» خلسة، عاقدا العزم على اقتحام «راف تاور» والاستيلاء عليها. غير أن سكان القلعة، على ما يظهر، كانوا على أهبة الاستعداد لاحتمال هجوم يقع عليهم، فأمطروا المهاجمين بقنابل اللهب، واستمر التراشق بالأسلحة بين الفريقين المتنافسين طوال الليل، تخلله توقف قصير بين الحين والحين. وأثناء الاقتحام سقطت قذيفتان أضرمتا النار في قارب محطة «راديو كارولينا» مما أفشل محاولة الاستيلاء على القلعة، واضطر قراصنته إلى طمس معالم محاولتهم بأكملها، وقد حذت السلطات البريطانية حذوهم، فلم تذكر حرفا واحدا عن الحادث.
Неизвестная страница