История пиратства в мире
تاريخ القرصنة في العالم
Жанры
تحت راية الفاشية
كان من المتصور أن القضاء على المراكز الرئيسية للقرصنة نتيجة للعمليات المشتركة، التي قادتها الدول البحرية الكبرى على مدى المائة عام المنصرمة سوف يؤدي إلى الاختفاء التام للنهب البحري. هذا ما افترضته بالفعل حكومات بعض الدول، فقد أكدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في معرض إجابتها على استجواب لجنة خبراء الأمم المتحدة، المكلفة بوضع تشريع القانون الدولي في عام 1962م: «إن القرصنة بهذا الشكل الذي يعنى به القانون الدولي لم يعد لها وجود تقريبا؛ ولهذا فإن دراسة هذه المشكلة من وجهة نظر ضرورة معالجتها من خلال اتفاقية دولية، ليس لها في الوقت الحالي مغزى كبير.»
على ضوء الحقائق الفعلية، فإن مثل هذه النظرة المتفائلة لم تكن تستند على أساس قوي إطلاقا؛ لأن القرصنة لم يكن قد تم القضاء عليها نهائيا، فما زال النهب البحري مستمرا حتى أيامنا هذه، وإن اتخذ له أشكالا أخرى تمثل - تماما كما كان يحدث في الماضي - تهديدا لأمن الملاحة البحرية، فأعمال القرصنة لم تعد الآن تمارس بواسطة سفن خاصة، وإنما باتت تمارس بإيعاز من الدوائر الحكومية لأشد الدول الاستعمارية عدوانية. إن أعمال القراصنة المعاصرين تتم بمؤازرة فعلية من جانب بعض الدول، وتتمثل في المصادرة غير القانونية للسفن التجارية للدول الأخرى، والاستيلاء عليها، وعلى ما تحمله أو إغراقها في عرض البحر. ونتيجة لتطور مفهوم القرصنة، فقد توصل عدد من فقهاء القانون أخيرا غلى استنتاج مؤداه أن القرصنة تشمل كل الأعمال الإجرامية التي تهدد أمن الملاحة البحرية، وكذلك استخدام العنف المسلح في عرض البحر.
إن الاتجاه نحو اعتبار القرصنة مجرد أعمال عنف تقوم بها سفن وطائرات خاصة لأغراض شخصية، وكذلك التصنيف الخاطئ لمثل هذه الأعمال التي تقوم بها سفن حربية أمران يؤديان إلى حرية لا تقوم على أساس بالنسبة لأخطر شكل من أشكال النهب البحري المعاصر، ونعني به تحديدا قرصنة الدولة، بلغت أعمال القرصنة في البحار مستويات ضخمة، وخاصة إبان الحرب العالمية الأولى، فقد أدخل الطرفان المتحاربان أنواعا جديدة من الأسلحة، تتناقض بشكل صارخ والمفاهيم السائدة عن وسائل الصراع التي يبيحها القانون الدولي. لقد تسببت حرب الألغام والغواصات والحصار الكامل في هزيمة جيوش الأعداء، فضلا عن أنها تسببت في خسائر جسيمة بين المدنيين، سواء في الدول المحاربة أو في الدول المحايدة.
إن إغراق الغواصات الألمانية للسفن التجارية لمختلف الدول يمكن اعتباره عملا من أعمال قرصنة الدول. في السابع والعشرين من يوليو عام 1918م، قامت إحدى الغواصات الألمانية بقصف السفينة (المستشفى الإنجليزية) «ليندوفيري كاسل» بقذائف الطوربيد قرب شواطئ أيرلندا، على الرغم من وجود علامات إرشادية واضحة عليها يمكن رؤيتها من مسافة كبيرة. ولكي تتمكن الغواصة من محو آثار فعلتها الشائنة، أصدر الضباط الألمان أوامرهم بضرب قوارب النجاة التي لجأ إليها الضحايا؛ لتنقلهم إلى الشاطئ، وكانت النتيجة أن لقي (324) شخصا حتفهم. أصبحت هذه الواقعة موضوع التحقيق الجنائي الذي أجرته محكمة الرايخ في لايبزج عام 1921م، وقد أصدرت المحكمة العسكرية حكما على الضباط القراصنة يقضي بعقوبتهم عقوبة كانت مثارا للسخرية؛ إذ حكمت عليهم بالسجن لمدة أربع سنوات، ثم ما لبثت السلطات الألمانية أن أتاحت لهم فيما بعد فرصة الهرب من السجن.
في عام 1915م قصفت إحدى الغواصات النمساوية العاملة في البحر المتوسط سفينة تجارية أمريكية، وكانت الولايات المتحدة آنذاك ما تزال على الحياد، وعندئذ طالبت الحكومة الأمريكية النمسا بتقديم اعتذار رسمي «للإهانة المتعمدة لعلم الولايات المتحدة الأمريكية»، وبمعاقبة قائد الغواصة، ودفع التعويضات المستحقة عن الخسائر التي لحقت بالسفينة .
أدى اتساع نطاق هذه الجرائم في البحر - وخاصة الأعمال الإجرامية التي قامت بها الغواصات الألمانية، التي وقع ضحيتها العديد من السفن التجارية لدول محايدة (تشير بعض التقديرات إلى أن عددها جاوز سبعة عشرة ألف سفينة)، إلى جانب إصابة السفن - المستشفيات العسكرية - إلى طرح قضية قرصنة الدول للدراسة العميقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وقد أدت الحرب الأهلية في إسبانيا إلى عقد اتفاق يقضي بوضع تعريف قانوني لقرصنة الدولة؛ ففي الفترة ما بين عامي 1936 و1937م كانت بعض الطائرات والغواصات التي لا تحمل أية علامات تقوم بمهاجمة السفن التجارية في البحر المتوسط، والتي كانت تتجه إلى شواطئ الجمهورية الإسبانية، فضلا عن أنها كانت تهاجم كل السفن المسالمة التي تمر عبر مضيق جبل طارق. لم تشأ أية دولة من الدول أن تعترف بمسئوليتها عن هذه الأعمال المخالفة للقوانين، على الرغم من أن كل الدلائل كانت تشير إلى أن تلك الغواصات كانت تتبع الدولتين الفاشيتين؛ إيطاليا، وألمانيا. في تلك الفترة أيضا وقعت سفن كل من بريطانيا وفرنسا والدنمارك والنرويج ودول أخرى ضحية لهجمات القرصنة. في الواحد والثلاثين من أغسطس والأول من سبتمبر عام 1937م، هاجمت غواصات «مجهولة» السفينتين السوفيتيتين «تميريازيف» و«بلاجوييف»، وكانتا تبحران عبر البحر المتوسط. وقد أعربت حكومة الاتحاد السوفييتي آنذاك عن احتجاجها الشديد لدى الحكومة الإيطالية؛ إذ أمكن التعرف في حينه على المتهمين في هذه الأعمال. وقد نفى وزير خارجية إيطاليا السيد تشيانو مسئولية إيطاليا عن ضرب السفن السوفييتية، على أن الوثائق التي استخرجت فيما بعد من أرشيف وزارة الخارجية الألمانية الهتلرية، والتي نشرت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، تدل بما لا يدع مجالا للإنكار على أن حكومتي موسوليني وهتلر، قد تورطتا في أعمال القرصنة المذكورة عن عمد وإصرار.
على الرغم من أن الفاشيين قد ألحقوا ضررا جسيما بخطوط الملاحة التجارية لكل من بريطانيا وفرنسا، فإن حكومتي هاتين الدولتين قد التزمتا سياسة عدم التدخل، بل كانتا متعاطفتين في الوقت نفسه مع الجنرال الفاشي فرانكو، وظلتا لفترة طويلة تعانيان من جراء هذا الاستبداد الجاري في البحار المتاخمة لشبه جزيرة أيبيريا. وفي صيف عام 1937م فقط - وهو العام الذي بلغت فيه هجمات القرصنة ضد السفن الفرنسية والإنجليزية ذروتهم - صممت حكومتا الدولتين على تقديم مذكرة احتجاج، الأمر الذي لقي تعاطفا وتأييدا من جانب الدول الصغيرة؛ فقد أعلنت حكومة هولندا على سبيل المثال في عام 1937م، أنها ستنظر في استيلاء السفن الإسبانية الفاشية على السفن الهولندية باعتباره «عملا من أعمال القرصنة».
أما الاتحاد السوفييتي الذي كان يقف بحزم دائما ضد جميع مظاهر النهب البحري، فقد أيد بحرارة الاقتراح بعقد مؤتمر دولي يكرس لمكافحة القرصنة، وقد تم عقد هذا المؤتمر في مدينة نيون بسويسرا، وانتهت أعماله في الرابع عشر من سبتمبر 1937م باتفاق وقع عليه ممثلو تسع دول، هي: الاتحاد السوفييتي، وبريطانيا، وفرنسا، وبلغاريا، واليونان، ومصر، ورومانيا، وتركيا، ويوغوسلافيا. ويقضي هذا الاتفاق باتخاذ إجراءات جماعية لمكافحة أعمال القراصنة الفاشيين. وفي السابع من سبتمبر عام 1937م، وقعت هذه الدول نفسها على اتفاق تكميلي، يتم بمقتضاه مكافحة القرصنة بجميع أشكالها بما في ذلك السفن والطائرات، بعد أن كانت مقصورة قبل ذلك على الغواصات فقط. وهكذا أمكن القضاء في فترة وجيزة على أعمال القرصنة التي كان يقوم بها الفاشيون في البحر المتوسط. وما إن دارت رحى الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت الطرق البحرية من جديد ساحة لعدد كبير من أعمال القرصنة، التي كان لألمانيا الهتلرية النصيب الأكبر منها، تليها اليابان. كانت هاتان الدولتان تقومان بالاستيلاء على السفن التجارية وتدميرها، سواء كانت تابعة للدول المتحاربة أو المحايدة، مخالفتين بهذا المبادئ الأساسية للقانون الدولين، بل إن ألمانيا الهتلرية قامت ببث الألغام في مياه الدول المحايدة، وكانت تستولي على البضائع التي تحملها السفن بدعوى أنها مواد عسكرية مهربة، وراحت تغرق السفن، المستشفيات العسكرية دون مراعاة للعلامات المميزة التي تحملها!
Неизвестная страница