История пиратства в мире
تاريخ القرصنة في العالم
Жанры
وافق الجميع على اقتراح «الفيلسوف»، أما بقية اليوم فقد قضاه ميسون مع أستاذه في إعداد مشروع دستور الجمهورية الوليدة. في نفس الوقت كانت السفينة - التي سرقت من الملك - تتأرجح في سكينة فوق أمواج البحر، ثلاثة وسبعون رجلا من طاقم السفينة لم يكن يعنيهم كثيرا هذه الخطط البعيدة لإقامة الجنة على الأرض. كان أهم شيء بالنسبة لها هو أغراضهم الدنيوية. كانوا يلحون في طلب المشروبات الروحية من رؤسائهم. فأقنع كاراتشيولي ميسون أن يجيبهم إلى طلبهم؛ لأنه كان يخشى أن يرفض البحارة تنفيذ خططه، فأجابه ميسون: لا مانع لدي ... إن تظهر أية سفينة في مرمى مدافعنا، فسوف نسد حاجاتهم إلى الكحول.
في اليوم التالي مباشرة، تلتقي «فيكتوار» بسفينة تجارية إنجليزية، فيقفز بحارتها إليها بعد أن أطلقوا نصف دستة من طلقات الإنذار، ويستولون على السفينة الإنجليزية دون مقاومة تذكر. تعامل المهاجمون مع السفينة بكل وداعة، وبحذر بالغ. اتجه ميسون بعد ذلك إلى الربان، واعتذر إليه لاضطراره أن يأخذ من السفينة ثلاثة براميل من الروم، وعلى الرغم من اكتشافهم لوجود ستة براميل بالمخزن ، فإن ميسون تمسك بعهده للربان، فلم يسمح لرجاله أن يأخذوا أكثر من البراميل الثلاثة التي طلبها، والتي تمثل نصف احتياطي السفينة.
في الوقت نفسه، أعلن البروفنسالي الشاب أنه وطاقمه ليسوا بقراصنة، إنما هم رسل لعقيدة جديدة، وما لبث أن أخذ في عرض المبادئ الأساسية لهذه العقيدة على الإنجليز الذين عقدت الدهشة ألسنتهم، واختتم ميسون حديثه معلنا أن كل بحار إنجليزي له الحق في الانضمام إلى الطاقم الفرنسي إذا شعر بميل إلى ذلك، انتهز ميسون الفرصة، فقرأ على الإنجليز محاضرة طويلة شرح فيها العقيدة التي يدين بها أعضاء جمهورية القرصنة العائمة، لم يكن القبطان «بطلر» ليصدق عينيه، لولا أن الشحنة بأكملها، وكذلك خزينة السفينة، وجميع المتعلقات الشخصية لطاقمها، ظلت سليمة لم تمس، الأمر الذي لم يسمع أحد إطلاقا أنه يمكن أن يحدث من جانب القراصنة، وسط هذه الملابسات الغريبة، قرر بطلر أن يقابل الإحسان بالإحسان، فجمع طاقمه كله على ظهر السفينة، وصفهم في صفين، وأمرهم أن يؤدوا التحية إلى القراصنة، وأعلن القبطان أنه يعتبر ميسون وكاراتشيولي سادة محترمين بكل معنى الكلمة.
ظل ميسون ورجاله بعد ذلك يسلكون هذا النهج تماما كلما احتجزوا سفينة، فكانوا يحتجزون المواد ذات الأهمية القصوى التي يحتاجون إليها بشدة في اللحظة الراهنة وعلى رأسها: المواد الغذائية، المشروبات الكحولية، البارود، والذخائر دون أن تمتد أيديهم إلى الأشياء الأخرى، غير عابئين على الإطلاق بالأموال، والحلي، والبضائع، ولم يحدث على الإطلاق أن حرموا أطقم السفن التي هاجموها من المواد الغذائية، بل كانوا «يستعيدون» مالا لا يزيد عن نصفها. كان هؤلاء القراصنة في غاية الكرم على نحو خاص، فإذا ما دفعتهم الضرورة إلى الرسو على الشاطئ لإصلاح عطب ما ألم بالسفينة، أو لأي سبب اضطراري آخر، لم يكونوا يلجئون إلى العنف، أو حتى لمجرد التهديد، وفي كل مكان كان ميسون وكاراتشيولي، يلقون بعظاتهم، داعين الفقراء للتمرد على الظلم وطغيان المال.
أثارت الخطب الحماسية التي اتسمت بتماسك شديد، لا يمكن أن يصدر عن قراصنة، جدلا كبيرا في صفوف ضحاياهم، نجح ميسون في كبح جماح طاقمه، فقضى على عادة السكر والسباب، وغرس فيهم الشعور بالاحترام المتبادل، والتعامل مع النساء، والشيوخ، والضعفاء، بنبل وفروسية. بالطبع فإن هؤلاء البحارة لم يتحولوا بين عشية وضحاها إلى ملائكة، لكنهم بدءوا في التصرف كما يتصرف ذوو الأخلاق الحميدة، مما جعل كاراتشيولي يعقد آمالا جادة على إنقاذ أرواحهم. أخيرا داعب القراصنة الحنين إلى منطقة الأنتيل، فشدوا رحالهم إلى سواحل غرب أفريقيا، وهناك تم لهم الاستيلاء على السفينة الهولندية «نيفستان» التي كانت في طريقها إلى أمستردام. ولما تبين لميسون أن السفينة تحمل بضاعة حية تتمثل في عبيد سود، جمع رجاله وخطب فيهم، وقد استبد به الغضب قائلا: هاكم مثالا على القوانين والأعراف المخزية التي نحاربها! هل من الممكن أن نجد أمرا منافيا للعدالة الإلهية مثلما نجده في المتاجرة بأناس أحياء ؟ هل من الممكن أن يباع هؤلاء التعساء كما لو كانوا قطيعا من الماشية، لمجرد أن لون بشرتهم يختلف عن لون بشرتنا؟ إن هؤلاء اللصوص الذين يتكسبون من وراء تجارة الرقيق لا روح لهم ولا قلب. إنهم يستحقون العذاب الأبدي في نار جهنم، إننا ننادي بالمساواة بين البشر جميعا بلا استثناء. وعلى هذا، وبناء على ما نؤمن به من أفكار، أعلن أن هؤلاء الأفارقة أحرار، وأدعوكم جميعا يا إخوتي أن تعلموهم لغتنا، وديننا، وعاداتنا، وفنون الملاحة البحرية، حتى يتمكنوا من كسب قوتهم من عمل شريف، ويتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم الإنسانية.
ما إن انتهى ميسون من خطبته، حتى دوت الأصوات في وئام: عاش القبطان ميسون.
لم يفهم البحارة الهولنديون لفظا واحدا من الخطاب الذي ألقاه ميسون، ومن ثم ظلوا يحملقون،
11
وقد أخذتهم الدهشة في هذه المظاهرة. على أنهم وقد أدركوا الحالة النفسية التي عليها رجال ميسون، طلبوا في دهاء أن يسمح لهم بالانضمام إليهم، فأجيب طلبهم بشرط الخضوع التام لقواعد الجمهورية العائمة.
انتزعت القيود والأصفاد عن الرقيق الأسود، وأعطيت لهم الملابس التي أحضرها التجار لبيعها، فارتدوها، ثم جثا الأفارقة على ركبهم أمام محرريهم اعترافا بفضلهم عليهم. وما هي إلا أيام معدودة حتى كان على ميسون أن يعض إصبع الندم؛ لأنه وافق على قبول غرباء وسط جماعته، فإذا كان الأفارقة يتميزون بالوداعة والطاعة محاولين كسب رضا محرريهم، فإن الأمر كان مختلفا بالنسبة للهولنديين، الذين سرعان ما أخذوا يخلقون المتاعب. لقد بدءوا في إفساد طاقم «فيكتوار» بالسكر والسباب وأنواع السلوك المنحط الأخرى.
Неизвестная страница