История Наполеона Бонапарта

Альфонс де Ламартин d. 1366 AH
170

История Наполеона Бонапарта

تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١‎‎

Жанры

كانت هذه اللهجة تبشر فرنسا الجديدة بعودة ممثلها العظيم إليها، وتعلن لها أن الديموقراطية قد وجدت بطلها وحاميها، أما الشعب والجيش فأسرعا بحماس شديد لملاقاة المنفي العظيم!

في الخامس من شهر آذار وصل نابوليون إلى مدينة كاب، فاستقبلته هناك مظاهرات الفرح التي انطلقت في جميع الجهات التي مر فيها، وعندما مر بسن بونه خف الأهلون لاستقباله، وطلبوا إليه أن يتطوعوا في خدمته ويصحبوه إلى باريس، أما هو فأجابهم: «لا، إن شعوركم الشريف ليؤكد لي أني لم أنخدع، فهو خير ضمان لتعلق جنودي بي، فابقوا في بيوتكم براحة وأمان!» ولكن نابوليون عندما قرب من غرونوبل، توقع حدوث مظاهرات عدائية من قبيل رجال السلطة والقائد العسكري. كان الجنرال مرشان قد جرد كتيبته على طريق لامور ليقطع المرور على نابوليون، فالتقى حرس الإمبراطور بهذه الكتيبة بالقرب من لافريت، وعبثا حاول أن يقنعها بأن تفتح له الطريق وتنضم تحت علم الجيش القديم. فلما علم نابوليون بهذا الحادث، خف بنفسه إلى الحرس، ووقف أمام الكتيبة قائلا: «ماذا يا أصدقائي، ألم تعرفوني، فأنا إمبراطوركم، فهل فيكم من يريد أن يقتل قائده وإمبراطوره؟ إنه لقادر فها أنذا!» عندما تلفظ بهذه الكلمات كشف عن صدره، أما ضابط الأوامر فأراد أن يستفيد من هذا ليشير بإطلاق النار، إلا أن صوته لم يلبث أن خنقه هتاف: «ليحي الإمبراطور!» الذي ردده الفلاحون المتألبون على حافات الطريق ألف مرة مع الجنود! وما هي إلا لمحة عين حتى كانت الكتيبة قد انضمت إلى بسلاء جزيرة ألبا، وحتى كان ضابط الأوامر قد توارى عن الأعين بفضل سرعة جواده، ثم والى الإمبراطور سيره في جهة غرونوبل بين الجموع الغفيرة، التي كانت تزداد حينا بعد حين، ولما وصل إلى فيزيل رأى حماس الشعب الدوفينوازي ينمو شيئا فشيئا، وسمع الجميع يصرخون من مختلف الجهات: «هنا ولدت الثورة، هنا طالب آباؤنا في الأول بامتيازات الرجال الأحرار، وهنا أيضا تنبعث الحرية الفرنسية وتخفي فرنسا شرفها واستقلالها!» أما نابوليون فلما مر أمام قصر لستيكيير الجميل، الذي عقدت فيه الجمعية الوطنية للمرة الأولى في سنة 1788، لم يتمالك أن صرخ بدوره: «أجل، من هنا خرجت الثورة الفرنسية!» وكأنه قال في نفسه: «وهنا أيضا ستنال الثورة الفرنسية نصرا جديدا على الحكومة القديمة!»

أجل، بينما كان الإمبراطور مستسلما لمشاعره وتأملاته في وسط تلك السكرة العمومية التي أحدثها وجوده في كل مكان، اخترق الجمع ضابط من الكتيبة السابعة، وأعلن لنابوليون أن كتيبته، وعلى رأسها الكولونيل، تتقدم بخطى سريعة لتحيي بطل فرنسا. كان من عادة الإمبراطور أن يبقى هادئا، في الظاهر، في مثل هذه المواقف المجيدة في حياته، ولكنه لم يتمالك أن أظهر التأثير العميق الذي استولى عليه، وقد خيل إليه أن هذا الحادث سيحمله إلى التويلري، وبرز وجهه متألقا بالفرح والآمال، ذلك الوجه الذي اشتركت أتعاب الجسد وآلام الروح في إعطائه لونا أشهب كالحا! وبعد أن أظهر للضابط حبه واحترامه للكتيبة وقائدها الكولونيل، وخز جواده فانطلق به إلى الأمام، كأنما هو يرى أمامه قوس نصر كاروسيل، وما هي إلا مدة قصيرة حتى سمع هتاف الكتيبة السابعة ممزوجا بهتاف الجموع الغفيرة التي تواكبه، كان الكولونيل سائرا في الطليعة، وهو رجل طويل القامة جميل الطلعة، خرج من غرونوبل في الساعة الثالثة بعد ظهر السابع من شهر آذار، ولما كان على بعض خطوات من المدينة أخذ نسرا، فنشره على مرأى من الجنود، وصرخ قائلا: «هو ذا العلم المجيد الذي كان يقودكم إلى المواقع الخالدة! والذي قادكم مرارا عديدة إلى النصر يتقدم نحونا الآن لينتقم من البلايا العديدة التي حلت بنا! فلقد حان الوقت لنطير تحت علمه الذي ما برح علمكم أنتم! إن من يحبني يتبعني! ليحي الإمبراطور!» فردد الجنود بحماس عظيم: «ليحي الإمبراطور!» واندفعوا كالسيل الجارف للسلام على أعظم الفاتحين، أما الكولونيل الباسل النبيل لابيدوايير، فقد ترامى بين ذراعي الإمبراطور، الذي ضمه إلى صدره قائلا له بعطف شديد: «كولونيل، إنك تعيدني إلى العرش!»

قال لاس كاز: «لم يكابد الإمبراطور في جميع المواقع التي شهرها أخطارا كالتي كابدها وهو داخل إلى غرونوبل؛ فلقد هجم عليه الجنود بكل ما في الغضب من الهول حتى ظن بادئ ذي بدء أنه سيمزق إربا إربا، ولكن ذلك لم يكن إلا هذيان الحب والفرح.»

بقي نابوليون يومين في هذه المدينة، وفي التاسع من شهر آذار غادر غرونوبل فوصل إلى ليون في اليوم التالي، في الوقت نفسه الذي تركها به الكونت دارتوا، بعد أن قام بجهود خائبة ليقنع الجنود بالدفاع عن قضية البوربونيين، ولكن بينما كان نابوليون يجتاز فرنسا في وسط الهتاف المتواصل، كان البوربونيون يحاولون أن يضعوا ثمنا لرأسه، ونادت معاهدة فيينا أوروبا بأسرها للانضمام تحت السلاح، إلا أن جميع ذلك لم يمنع نابوليون عن الدنو من باريس يوما فيوما، ففي اليوم الثالث عشر من آذار بات ليلة في ماكون، في حين كان المرشال ناي يستعد للانضمام إليه، وفي الرابع عشر منه وصل إلى شالون، وفي الخامس عشر إلى أوتون، وفي السابع عشر إلى أوكسير، حيث وجد الكتيبة الرابعة عشرة وقد قدمت من أورليان لتلاقيه، وحيث اجتمع بالمرشال ناي باسل البسلاء، الذي جاء يكلل عمل لابيدوايير، والذي ملأ وجوده آمال الإمبراطور.

كانت الحكومة الملكية في إبان ضيقة شديدة، فطلبت إلى المجالس أن تنقذها بوضع قوانين مؤقتة، وأجبرت كبرياء الكبار أن تتدلى إلى ملاطفة الجنود في دورهم. ولكن ذهب جميع ذلك أدراج الرياح ... إذ إن المجالس أصبحت عديمة النفوذ في الأمة، وإذ إن الأمراء أصبحوا ولا نفوذ لهم على الجنود، الذين لم يكونوا ليجيبوهم غالبا بسوى الرفض الممزوج بعبارات قاسية مرة. إذن فما من شيء كان يستطيع أن يوقف نابوليون.

في التاسع عشر من شهر آذار ترك نابوليون أوكسير، ووصل إلى فونتنبلو في الساعة الرابعة من صباح اليوم العشرين. كان لويس الثامن عشر قد غادر العاصمة في الليلة نفسها ليبلغ الحدود البلجيكية بسرعة. إذا قلنا إن زحف الإمبراطور من خليج جوان إلى باريس لم يكن سوى فوز مستمر، فإن تقهقر الملك من باريس إلى غاند لم يكن سوى هرب سريع . كان البوربونيون قد انخدعوا بأسباب سقوط نابوليون وطابعه؛ إذ خيل إليهم وصرحوا أن الذي يتصرف بالعروش والإمبراطوريات، قد وسم انقلاب السيادة الإمبراطورية بالطابع الإلهي؛ ليبطل في فرنسا سلطة ما يسمونه التمرد والكفر؛ ولقد قالوا أكثر من مرة إن الحكمة العلياء قد ضربت في نابوليون روح العصر والثورة والفلسفة الجديدة. أما الحكمة العلياء التي أشاحت بنظرها عن الماضي وشخصت به إلى المستقبل، والتي قادت جميع الثورات لتدعم الشعوب لا لتجدد الملوك؛ الحكمة العلياء التي لم تنزع حمايتها من الرجل العظيم، الذي كثيرا ما ماشته، إلا لتقاصصه على اقترابه كثيرا من أفكار المجتمع القديم ورجاله، فقد كان من واجبها أن تعلن عن مقاصدها بوضوح وجلاء وتكشف، ببعض حوادث خطيرة، غرور الأمراء الذين استطاعوا أن ينخدعوا بمقاصدها الثابتة. وإذن فقد سمحت للإمبراطور الذي تركته يسقط بأن ينهض فجأة من سقوطه، ويسترجع الصولجان، لا ليجدد سلالته ويدعمها، بل ليؤدي إلى العالم شهادة بسلطة الثورة السامية، وبضعف الحكومة القديمة. أما الآن، وقد أديت هذه الشهادة، فإن الحق الإلهي الذي جاء من الخارج يعود إليه مع البوربون، وستدخل سلطة الشعب إلى التويلري مع نابوليون بفوز مبين!

في العشرين من شهر نيسان سنة 1814 أبصرت فونتنبلو الإمبراطور المخلوع، وقد تركه رفاقه القدماء، ينفصل عن حرسه ليذهب أسيرا إلى جزيرة ألبا، وفي العشرين من شهر آذار سنة 1815 رأت فونتنبلو نابوليون في وسط حرسه، تحيط به الكتيبة المقدسة،

12

ويتبعه هتاف الشعب والجيش، وهو على وشك أن يذهب إلى عاصمته لكي يسترجع السلطة السامية التي فوضتها إليه الأماني الوطنية مرة أخرى.

Неизвестная страница