فخرجوا من النار ولم يشط شيء من ثيابهم ولا شعورهم. فرفع بختنصّر درجاتهم. ثم رأى بختنصر رؤيا ثانية كأنّ شجرة في سواء الأرض قد علت حتى بلغت الى السماء ولها ورق أنيق وثمار كثيرة فيها مطعم لكل بشر. وجميع حيوانات البرّ وطيور الجوّ تأوي الى ظلّها.
وكأنّ ملاكا قدّيسا نزل من السماء وقال: اقلعوا هذه الشجرة وجذّوا أغصانها وانثروا أوراقها وبدّدوا ثمارها وتتفرّق عنها حيوانات البرّ وطيور الجوّ وذروا عروقها في الأرض الى ان يحول عليها سبعة احوال. فاقتصّ بختنصّر هذه الرؤيا ايضا على دانيال وقال له: أنت قادر على تعبيرها لانّ فيك روح الآلهة القديسين. فقال دانيال: ايها الملك الرؤيا لمن يشنأك وتعبيرها على أعدائك. اما الشجرة الموصوفة بتلك الصفات الجليلة فإنك أنت الذي عززت حتى ارتفع اسمك الى السماء. واما الملاك القديس الذي رأيت وأقواله تلك فتدلّ على انّ الناس يخرجونك من بينهم ليصير لك تعمّر مع الوحوش وتطعم العشب طعما كالثور ويبلّك قطر السماء حتى تحول عليك سبعة احوال. ثم يثوب عقلك إليك وتستوي على كرسي ملكك. فكفّر خطاياك بالصدقات وآثامك بالترحّم على الضعفاء لتبعد عنك هفواتك.
ومن بعد سنة لما رأى بختنصّر ان رقاب امم المسكونة قد خضعت له ودانت له ملوكها هيبة له وخوفا من شدّة بأسه طغى بقلبه وشمخ بأنفه وأخذته العزّة في نفسه. فسمع صوت هاتف يهتف به هتافا ويقول: لك يقولون يا بختنصّر لقد لفظتك مملكتك وسيهيج عليك الناس. فتّمت الكلمة عليه في تلك الساعة وطرده الناس ورعى العشب كالثور. وطال شعره وصارت أظافيره كمخاليب سباع الطيور حتى أتت عليه سبع سنين. ثم راجعه عقله وطلبه قادته واستوى على سرير مملكته ومنح مزيدا من العظمة وحمد الله وعلم ان سلطانه الى دهر الداهرين يهب الملك لمن يشاء ويجعله في سفلة الناس وسقّاطهم.
وجدت في كتاب عتيق سرياني مجهول ان اوطولوقيوس المهندس اليوناني عرف في زمان بختنصّر وكان مشهورا في وقته. والموجود من كتبه الآن كتاب الكرّة المتحرّكة إصلاح الكندي وكتاب الطلوع والغروب ثلث مقالات. واما ثاوذوسيوس فلم نقف له على زمان معيّن وهو من حكماء اليونان المشهورين وله تصانيف حسان. له كتاب الأكر الذي هو اجلّ الكتب المتوسطات بين كتاب اوقليدس والمجسطي.
1 / 45