История Египта от османского завоевания до наших дней
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Жанры
ولم يدخل المدينة، وبقي كذلك إلى يوم الثلاثاء رابع المحرم سنة 923ه، فلما كانت ليلة الأربعاء خامس الشهر لم يشعر السلطان سليم بعد صلاة العشاء إلا وقد هجم عليه في معسكره السلطان طومان باي بمن التف حوله من المماليك؛ فاختل نظام المعسكر واختلط الحابل بالنابل، وساعد المماليك كثير من العامة والغوغاء ونوتية بولاق، فما بزغ الفجر حتى قتل من العثمانيين خلق كثير، ثم جاءت فرقة أخرى مددا للمماليك بقيادة الدوادار الأمير علان من جهة الناصرية، وحمي وطيس القتال بين الفريقين من بولاق إلى الناصرية، وملك المماليك أكثر المدينة بعد أن قتلوا الألوف في شوارعها وحاراتها من العثمانيين المتفرقين، ثم جمع العثمانيون شملهم وطردوا المماليك من حي بولاق إلى قناطر السباع - السيدة زينب - حتى تحصنوا - المماليك - بحي الصليبة وحفروا الخنادق حولهم من جميع الجهات. وخطب يوم الجمعة للسلطان طومان باي على منبر جامع شيخون وغيره، واستمر القتال كذلك أربعة أيام بلياليها من ليلة الأربعاء إلى صبيحة يوم السبت 8 المحرم، فحاصر العثمانيون حي الصليبة من كل جهاته، واشتد الأمر على المماليك؛ فتخاذلوا وتسللوا عن السلطان طومان باي، فبقي يقاتل في نفر من المقدمين الأمراء وبعض العبيد، حتى إذا لم يبق للدفاع فائدة فر إلى بركة الحبش - بين الساحل القبلي بمصر القديمة وبين معادي الخبيري - وعدى من ساحل طرة إلى ضفة النيل الغربية بالجيزة، واستولى العثمانيون على المدينة مرة أخرى، وطلع السلطان سليم إلى القلعة بعد ذلك بعشرة أيام، واستحوذ على ما فيها من الأموال والذخائر، وبقي بالقلعة نحو شهر شاع في خلاله أن طومان باي صار في عسكر عظيم ممن تراجع إليه من المماليك والتف حوله من عرب الصعيد، وأنه قادم إلى القاهرة.
وبعد أيام جاءت رسل من عند طومان باي إلى السلطان يعرضون عليه الصلح بأن تكون مصر تحت سيادة العثمانيين في الخطبة والسكة والخراج، وأن يكون طومان باي نائبا عن سلطان العثمانيين في مصر؛ فقبل ذلك السلطان سليم، وأرسل إليه وفدا من قضاة مصر وأعيانها وبعض المقدمين، فلما وصلوا إلى السلطان طومان باي بجهة البهنسا ثار المماليك بطومان باي ولم يرضوا بالصلح وقتلوا بعض رجال الوفد، فلم يسع طومان باي إلا مجاراتهم مكرها، وتقدم إلى بلاد الجيزة لينازل العثمانيين في موقعة فاصلة، فاجتاز السلطان سليم إليه النيل بجيوشه. والتقى الجيشان بقرب «وردان» يوم الخميس (10 ربيع الأول سنة 923ه/1517م)، فدارت الدائرة أولا على العثمانيين وقتل منهم مقتلة عظيمة، إلا أن نيران المدافع والبندقيات العثمانية مزقت جيش المصريين المختلط - الخالي يومئذ من أكثر المعدات الحربية - كل ممزق، فكانت هذه الموقعة الخامسة هي ختام الوقائع الحربية التي دافع بها المماليك المصريون عن بلادهم، ولم يقم لهم بعدها قائمة إلا ما كان من استبداد بعض سلائلهم بشأن مصر كما سيأتي.
أما السلطان طومان باي، فإنه لما فر من وجه السلطان سليم ذهب إلى أحد رؤساء الأعراب بالبحيرة المدعو «حسن بن مرعي» وكان له عليه أياد عظيمة، فاختفى عنده واستحلفه أن لا يخونه، ولكنه نقض الحلف وكاشف السلطان سليما بأمره، فأرسل إليه عسكرا قبضوا عليه منتكرا في زي الأعراب، وجاءوا به إلى السلطان سليم، فحين رآه قام له وعاتبه ببعض الكلام وبقي معه في معسكره سبعة عشر يوما يحضر مجلسه ويسائله السلطان سليم عن شئون مصر وإدارتها وسياسة أهلها وكيفية ريها وجباية خراجها وبقية أمورها؛ مما جعل طومان باي يطمئن إليه ويظن من إقباله عليه أنه سيكون نائبا عنه في ملك مصر.
غير أن ذلك الأمر كان استدراجا من السلطان سليم؛ إذ بعدما وقف منه على كل ما أراد أمر في يوم الاثنين (21 ربيع الأول سنة 923ه/1517م) بأن يعودوا بطومان باي إلى القاهرة، فدخلوا به وهو بزي الأعراب من جهة شارع أمير الجيوش إلى البرقوقية، حتى إذا صار تحت باب زويلة أنزلوه عن فرسه، وكان لا يدري ماذا يصنع به، فلما رأى الحبال مدلاة من حلقة الباب على أنه مشنوق، فتشهد وقرأ الفاتحة وسأل الناس أن يقرءوا له الفاتحة، وشنق بين ضجيح الناس عليه بالبكاء، وبقي مصلوبا ثلاثة أيام، ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري - جامع الغوري - وكان له من العمر نحو 44 سنة، ولم يشنق ممن حكم مصر - من الخلفاء والسلاطين - سلطان غيره.
أما السلطان «سليم»، فإنه أقام بمصر نحو ثمانية أشهر؛ فكان معسكره أول الفتح ببولاق والجزيرة الوسطى، ثم أقام بالقلعة نحو شهر، ثم بمدينة الجيزة وإمبابة قريبا من شهر، ثم أقام بجزيرة الروضة والمقياس مدة، ثم توجه بجنده إلى مدينة الإسكندرية، فكانت مدة غيابه وإيابه 15 يوما، ثم رجع وأقام بجزيرة الروضة وبني له بها بجانب المقياس في طرف الجزيرة الجنوبي جوسق من الخشب أقام به بقية المدة إلا زمنا يسيرا أقامه ببيت الأشرف قايتباي المطل على بركة الفيل.
السلطان سليم فاتح مصر (رسم علي أفندي يوسف).
وفي أثناء إقامته بمصر سن لها بعض أنظمة إدارية، ونقل إلى القسطنطينية أكثر ما في القلعة ومنازل الأمراء والسلاطين والمساجد والزوايا والأربطة من النفائس والذخائر والكتب حتى أعمدة الرخام ومركباته.
ونفى من مصر إلى القسطنطينية كل أبناء السلاطين وأكثر المقدمين والأمراء والخليفة العباسي بعدما تنازل له عن الخلافة وأكثر العلماء والقضاة وكل من له نفوذ وإمرة بمصر.
ثم أمر بجمع رؤساء الصناعات المشهورين بإجادة العمل فيها من كل الطوائف؛ فجمعوا منهم نحو ألف صانع ونقلوهم إلى الأستانة ليذيعوا الصناعات الدقيقة فيها، فرجع بعضهم إلى مصر بعد عهده وبقي آخرون. قيل إنه بطل في مصر بذلك نحو 50 صناعة؛ فكان كل ذلك سببا في تأخر مصر في الصناعات.
أما ولاية مصر فاختار لها السلطان سليم أثناء إقامته أكبر وزرائه «يونس باشا» واليا عليها، ثم رجع عن ذلك قبيل سفره من مصر وولى عليها ملك الأمراء «خير بك»، وولى على الشام «جان بردي الغزالي».
Неизвестная страница