История Египта от османского завоевания до наших дней
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Жанры
ولما عاد من فتح اليمن سنة (979ه/1571م) تسلم ولاية مصر ثانية وأخذ يشيد المباني؛ فأنشأ في بولاق سنة (979ه/1571م) رباطا - تكية - ومسجدا كبيرا لا يزال إلى الآن من أعظم الآثار العثمانية بمصر، وهو ثاني مسجد بني بها على الأشكال البوزنطية، وبقي سنان باشا بمصر سنتين كان أثناءهما موضع محبة الأهلين، لكثرة إصلاحاته وعظم مبراته.
ومن أفضل الولاة الذين ولوا مصر بعده «مسيح باشا» (982-988ه/1574-1580م)، وكان من أكثر الحكام عفة واستقامة، وأشدهم حرصا على نشر الأمن وإقامة العدل. إلا أنه تشدد في معاقبة المفسدين؛ فقتل منهم نحو عشرة آلاف، وشيد مدرسة وتربة له خارج القرافة بشارع نور الدين بعرب اليسار، ووقف عليهما أوقافا باسم الشيخ نور الدين القرافي.
ثم أخذ نفوذ الولاة في الاضمحلال، لعجز الكثير منهم وقوة شوكة الجنود بالبلاد وتدخلهم في كل شئونها، حتى صاروا هم الآمرين الناهين للولاة. فلما ولي «أويس باشا» على مصر (995-999ه/1587-1591م)، وأراد أن ينظم أولاد العرب من المصريين في سلك الجيش، اشتعل لهيب الفتنة بين الجنود، ولم يقبلوا أن يتشبه بهم غيرهم في لباسهم، وهجموا على أويس باشا وأهانوه (997ه/1589م)، فاضطر إلى الإذعان لمطالبهم. ومما يجدر ذكره بمنابسة ولاية أويس باشا أنه حدث في عهده زلزال عظيم سقط به عدة منارات وبيوت، وتفلق جبل المقطم قرب أطفيح إلى ثلاث فلق تفجر منها الماء.
جامع سنان باشا: (1) من الخارج، (2) من الداخل. (رسم علي أفندي يوسف).
وما زال روح الفتنة ينتشر في الجنود عاما بعد عام، ويشتد تطاولهم على الولاة، حتى ولي «قره مصطفى باشا» سنة (1032ه/1622م)، وكان قوي البأس ساهرا على توطيد السكينة، فأخذ يتجول بنفسه في الأسواق، وينظر في الشكاوى والأسعار، ويحكم في الجنايات بنفسه؛ فهابه الجند. وكان لأعماله وقع حسن في القلوب، وعظم في أعين الناس. ولما جلس السلطان مراد الرابع على عرش آل عثمان سنة (1032ه/1623م) عزل هذا الوالي من مصر ونصب مكانه «علي باشا الجشنجي»؛ فطلبت منه الأجناد الأعطية المعتاد توزيعها عند تولية الوالي الجديد، فلما لم يجب طلبتهم لم يعترفوا بعزل قره مصطفى باشا ، واضطروا علي باشا إلى العودة من حيث أتى، وعندما ركب البحر أطلقوا على سفينته بعض القذائف من قلعة منار الإسكندرية،
7
فلم ينج إلا بصعوبة. ثم أرسل الجنود مندوبا منهم إلى الأستانة، فنال لهم أمرا سلطانيا ببقاء قره مصطفى باشا في الولاية؛ فعاد الباشا إلى مصر سنة (1035ه/1625م)، وفي عهده ظهر بالبلاد وباء شديد، فصار يغتصب أموال المتوفين لنفسه كأنه الوارث للناس؛ فرفعت في حقه الظلامات لدار الخلافة، فعزله السلطان ثم قتل بعد بالقسطنطينية. ولقره مصطفى باشا من العمارات والمدارس التي شيدها بمصر شيء كثير.
ولم يكن الوباء الآنف الذكر الوحيد من نوعه في هذا العصر، بل حدث غيره طواعين كثيرة، وكانت تصحبها غالبا المجاعات - وتلك سنة معتادة في التاريخ. ومن أوبئة هذه المدة طاعون حدث سنة (1012ه/1603م) فتك بكثير من القرى والأمصار، وآخر تفشى بالبلاد سنة (1028ه/1619م) فاشتد بطشه حتى أقفلت الأسواق وتعطلت الأعمال. وفي سنة (1030ه/1621م) حدث غلاء عظيم أعقبه وباء آخر بقي يفتك بالبلاد نحو ثلاثة أشهر، ولم يكد ينسى هذا حتى حدث سنة (1035ه/1625م) وباء أنكى من السالف، وأعظم من هذا كله وباء حدث سنة (1052ه/1642م) لم يسمع بمثله من قبل، كثرت فيه الموتان حتى صارت الموتى تدفن بلا صلاة، وخربت به 230 قرية، وأعقبه قحط وغلاء.
وفي هذه الأثناء كانت الجنود العثمانية بمصر دائبة على جمع السلطة في قبضتهم، حتى جعلوا الولاة ألعوبة في أيديهم؛ فعجزوا عن ردعهم وتأمين الرعايا شر مفاسدهم، وصارت كل طائفة من الجند تأخذ في حمايتها جملة من التجار أو المزارعين أو الملاحين فيقتسمون معهم الأرباح، وفي نظير ذلك يحمونهم من أداء حقوق الحكومة. وما زالوا في شغب على الولاة، وهم معهم في مكافحات، حتى عظمت قوة البيكوات المماليك، فقضوا على نفوذ الطائفتين. (6-1) عودة النفوذ إلى المماليك البيكوات
أدت كثرة تنقل ولاة العثمانيين إلى عدم تأييد نفوذهم في مصر، وإلى استرجاع المماليك - الراسخة قدمهم بالبلاد - لكثير من قوتهم الأولى، وساعد على نمو هذه القوة طول أمد النزاع بين الولاة والجند، حتى اشتغل الطائفتان بمشاحاتهم عن كل ما سواها.
Неизвестная страница