لم يعرف الإنسان قيود الزواج إلا بعد أن ظهرت الشرائع السماوية المنظمة.
هذا ولا يزال الزواج بالإخوة والأقربين جاريا بين الهمجيين في أفريقيا وأمريكا وأستراليا، بل إن عند القليل من الفلاسفة العصريين أنه ينبغي أن يعود الإنسان إلى حياته الطبيعية؛ أي إلى حياته البدائية ونشأته الهمجية فيتزوج ما يطيب له في غيرما قيد ولا حد.
وهكذا تقلبت الصلات بين الرجل والمرأة في مختلف الطرز وألوان العرف، تبعا للضرورات الاقتصادية والدفاعية والهجومية، فاتخذ الزواج من المقدمات والمراسيم والمواثيق ما لا يقف عند حصر قبل التاريخ وبعده إلى العصر الحاضر، فتعدد طوعا للنظم السياسية والدينية القائمة، كالإسلامية والكنسية والمدنية والشيوعية والإلحادية والشرائع الوثنية.
على أن بعض أشكال الزواج البدائية لا تزال قائمة عند هنود أمريكا وسكان أستراليا الأقدمين وزنوج أفريقيا، فعند هنود نهر الأمازون أن طالب الزواج يسعى عند رئيس القبيلة؛ لكي يوافق على زواجه من المرأة التي يختارها، فإذا ما أذن الرئيس، كان على العريس أن يأتي بالعروس إلى الغابة قبل غروب الشمس، وهنا يمضي مصحوبا بشاهدين في ربط العروس بجذع شجرة ثم يلهب عروسه بسوط تطهيرا لها في نظر القوم، وعندئذ تصرخ متألمة فيقبل السحرة محيطين بها راقصين هاتفين هتافا عاليا مزعجا، ويشعل - في أثناء هذا - أحد الشهود النار في كومة حشائش وحطب عند قدوم الفتاة التي تتلوى متألمة إلى أن يغمى عليها، وعندئذ يسرع الشاهد الآخر إلى حل وثاقها، ويهتف السحرة مهللين فرحين؛ لأن الأرواح الشريرة قد خرجت منها، ثم تحمل العروس إلى كوخ عريسها، وهناك مراسم تجيء بعدئذ. (2-1) المهر
عرف المهر قديما في بابل وآشور واليونان القديمة والبلاد اليهودية، فقد كان الشاب إذا أحب فتاة طلبها له والده أو بعض أقاربه من والدها، ويتراضون على مال أو عقار يدفعه الرجل مهرا لوالد الفتاة، أما الفقير فيقوم بخدمة حميه، فقد ورد في سفر التكوين ص29 : 20 أن يعقوب قد خدم حميه لابان سبع سنوات حتى زوجه ابنته راحيل، وورد في سفر الخروج ص2 : 21، وص2 : 1 أن موسى أقام عند حميه بترو كاهن مديان، يرعى غنمه مهرا لابنته. (3) البغاء
لازم البغاء الإنسان قبل عصر التاريخ وبعده، فقد كان في مصر وآشور وكنعان وفينيقيا والكلدان وإيران شعائر دينية تمارس بضروب الخلاعة والفساد، وكانت معابد إيزيس رمولك والبعل وعشتاروت ومليتة ملآى بالشعائر الشهوانية، وكانت الديانة البابلية تتطلب من المرأة ممارسة البغاء كطقوس دينية، واقتصرت الشريعة اليهودية على حصر البغاء بين الأجنبيات وتحريمه بين اليهوديات، وإحراق بنات الكهنة، وسن صولون قانونا يحصر البغايا في دور خاصة وفي أزياء خاصة. (4) السرور والضحك
رافق السرور والضحك الإنسان البدائي والمتحضر، فهو من الغرائز. عند علماء النفس أن كل ما يحس به الإنسان، يصل إليه إما من الخارج: كما يسمع ويرى ويذوق ويلمس، وإما من الداخل: كالحرارة والبرودة وحركة الدورة الدموية والجهاز التنفسي والأمعاء وأعضاء التناسل وغيرها من الاختبارات. هذا وإن ما يحس به إما أن يسبب له ارتياحا ولذة، أو انقباضا وألما، وهو ما نسميه وجدانا، وهو ذو مظاهر خارجية من احمرار الوجه أو اصفراره، وابتسامته أو عبوسته، وكوقوف الشعر، وخفقان القلب، وانقباض اليدين، وارتعاش البدن؛ أي الانفعالات التي تدل الناس على وجدان صاحبها؛ فالرجل الضاحك المبتسم يوافق وجدانه السرور، هذا وإذا ما ضمرت أو ماتت عضلات الوجه لقلة الاستعمال، كان هذا سيئ الأثر في الوجدان ذاته، وخاصة أن الانفعالات قد تسبق الوجدان؛ أي إننا نضحك ونحس بالسرور، ونذرف الدمع ثم نحس بالحزن، كما في الحركات البدنية وحلقات الذكر بسبب الانفعالات الدينية، وإذا ما بكى الممثل أو غضب أو خاف تأثر الموقف، ومن يتصنع المرض يكاد يدركه المرض، كما يذهب إلى هذا كارل لانج الدنمركي، ووليم چيمس الأمريكي، وعند علماء الأمراض العصبية أن من يتوهمون أنهم غير مبتسمين ينظرون إلى الدنيا بمنظار أسود، هذا وللمران والعادة الأثر في هذا الميل.
ومن النظريات الوجدانية النظرية المنطقية، وهي أن الجهاز العقلي في تأدية وظيفته، قد يلقى عوائق في طريقه، وهنا يحس صاحبه بالألم أو الانقباض وفي غير هذا يحس بالسرور، أما النظرية المادية فهي أن الألم الناتج عن الانقباض وعدم الارتياح هو نتيجة إتلاف للأنسجة البدنية، أما السرور فهو نتيجة بناء للأنسجة البدنية، فإذا ما وضعت أصبعك في الماء الساخن أحسست بألم، وما هذا الألم سوى نتيجة لازمة لإتلاف أنسجة بدنية متصلة بالأوعية الدموية، وكذلك الألم الذي يجيء عن حزن أو غم، أو غضب، أو كراهية، أو حسد، أما الرجل الذي يغلب عليه الضحك، فإنه يعمل على بناء أنسجة وخليات جديدة في جسمه، والناس الذين يمزجون حديث المائدة بالبسط والمزاح والضحك، ينتفعون بالطعام من المادة الغذائية فيه، ومن بناء الأنسجة بالمرح، وثمة نظرية تكاد تكون مناقضة لسابقتها في الظاهر، ولكنها تؤدي المعنى ذاته، وهي أن الوجدان الذي يتصل به سرور يساعد الجسم على التخلص من الأنسجة الميتة المتراكمة التي لا يحتاج إليها صاحبها، وهذا يفسر ظاهرة الحالة النفسية التي يكون عليها الرجل الذي يتناول كأسا، أو مقدارا معتدلا من الخمر، تكون هذه الكأس سببا في التخلص من الأنسجة المتراكمة، وينتج عن ذلك أن يحس شاربه بالارتياح الوقتي. (4-1) سبب الضحك
لما كان الضحك هو انبساط الوجه الناتج عن حركة عضلات ولا سيما عضلات الشفتين، كان في الواقع حركة أكثر ما تكون غير مقصودة، مع ظهور العينين بمظهر خاص يشف عن الفرح والانشراح وارتياح النفس، ويكون هذا المظهر مصحوبا بانطلاق الهواء من الرئتين انطلاقا منقطعا وبصوت يخرج من الحلق، فإن لم يكن مصحوبا بصوت وبظهور الأسنان فهو التبسم، الواقع أن الإنسان لا يضحك من حركة واحدة ولا من كلمة واحدة بل من مجموعة حركات أو كلمات، وهذا يحمل البعض على تعليل الضحك بقولهم إنه يجمع بين حركات أو ألفاظ على وجه مبهج غير منتظر، إلا أن هذا التأويل لا يعلل جميع الحوادث والمناظر والأقوال التي تدعو إلى الضحك، كما أن الاختبار يدل على أن الضحك هو عمل نسبي، فقد تضحك أنت من شيء لا يضحك غيرك، وقد تقهقه من نكتة لا يقهقه لها جليسك، وهذا دليل على أن للمزاج أيضا علاقة بالضحك، فأصحاب الأمزجة الباردة لا يتأثرون بالنكات بالسهولة التي يتأثر بها أصحاب الأمزجة العصبية، وقد يكون أصعب عليك أن تضحك الرجل الإنجليزي من أن تضحك الرجل الفرنسي.
وخلاصة القول أن العلماء لم يتفقوا على تعليل الضحك تعليلا صحيحا، وإن اتفقوا على أن غريزة الضحك رافقت إنسان ما قبل التاريخ. (5) القبلة
Неизвестная страница