وافترض العالم الطبيعي «آرثر كومبتون» الحائز لجائزة نوبل - تيسيرا وتلخيصا لفهم تاريخ حياة البشر على الأرض - أن الإنسان عاش عليها عامين، وبعد أن تساءل كيف أمضاهما الإنسان، أجاب على هذا قائلا:
منذ بدء العام الأول حتى بدء الأسبوع الماضي مضى يتعلم كيف يصنع من الأغصان والأحجار معاول وأدوات. وفي الأسبوع الماضي تعلم كيف ينحت الأحجار ويجعل منها كهفا يأوي إليه. ثم في أول من أمس استطاع أن يبتكر رسوما وأشكالا تعبيرا عن آرائه ومشاعره.
وأمضى النصف الأول من أمس في اختراع الحروف الهجائية. أما النصف الثاني فقد أنفقه اليونانيون (الإغريق) في إنشاء فنونهم ووضع علومهم، وقد سقطت روما ليلة أمس. وفي الساعة الثامنة والربع من صباح اليوم وضع جاليليو نظرياته الفلكية، وفي الساعة العاشرة أعدت أول آلة بخارية. وفي الساعة الحادية عشرة نظمت قوانين الكهربائية والمغناطيسية.
وبعد نصف الساعة ولجت الكهرباء باب الصناعة فاستحدث التلغراف والتليفون، وفي الساعة الحادية عشرة والدقيقة الأربعين كشفت أشعة إكس. ومنذ خمس عشرة دقيقة طفقت السيارة تجري في الطريق، ومنذ خمس دقائق صعدت الطيارة إلى الفضاء. وفي الدقيقة الأخيرة اخترع الراديو وملأ صوته الآذان. والآن - وقد انتصف النهار - يجاهد العلم في سبيل توحيد البشرية المفككة، وجمع أطرافها المتنافرة.
وعند الأستاذ رينيه تنفيان العالم الفرنسي أن الأرض كان يسكنها منذ عشرين ألف سنة أو أكثر نوع من الإنسان المتفوق (السوبرمان)، وقد زال هذا الجيل من الإنسان على أثر نكبة، وكانت حضارته وعلومه الطبيعية والفلكية من أسمى طراز، ذلك أن ما خلفته لنا الآثار والأساطير قليل جدا مما كان للأقدمين. هذا إلى أن عصر الجهل الذي أعقب السوبرمان قد أضاع الأكثر، وخلط الباقي بالشعوذة والسحر واضطهد المفكرين.
الفصل الثامن
التطور والتدهور
(1) التطور
لعل مما يرتبط بموضوع «تاريخ ما قبل التاريخ»، تسلسل مراتب الحياة كما أوضحناه في عصر البرمائيات والزواحف والقردة والإنسان الناقص إلى الإنسان التام، وتقلب الحياة الأرضية من البرودة إلى الحرارة، هذا كله مندرج في «مذهب التطور». والتطور هو الانتقال من طور إلى طور؛ أي من حال إلى حال. وعند بعض علماء اللغة والصرف أنه لا يجوز اشتقاق «تطور» من «طور»، ونحن نخالفهم في هذا إذ ليس ما يمنع هذا الاشتقاق ولو كان غير سماعي. وكيفما كان الأمر فإن الأشياء إما أن تحدث فجأة، فيسمى حدوثها «ثورة» أو «انقلابا»، وإما أن تتوالد وتتكاثر وتتسلسل وتتدرج وتتغير إلى الزيادة والنمو وإلى الارتقاء والأحسن رويدا وتدريجا، فيسمى هذا «تطورا» وإما أن يكون الانتقال والتغيير إلى النقصان والضمور أو الزوال فيسمى «تقهقرا» أو «تدهورا».
وعند الأستاذ چيمس ساللي أن التطور هو التاريخ الطبيعي للكون، شاملا الكائنات العضوية بادية في الأساليب الطبيعية كعملية ميكانيكية. أما في المذهب الحديث فإن التطور يعني أن تدرج نظام الكون يبدو كنتيجة طبيعية للمادة الأولية وقوانينها، ذلك أن جميع مراتب الحياة على الأرض هي نتيجة طبيعية لعمليات طبيعية معينة مندرجة في التغيير التدريجي للأرض. ويعد تقدم البشر في التاريخ وقبل التاريخ النتيجة العليا والمعقدة جدا للتطور الطبيعي والعضوي، ومن هنا تدخلت نظرية التطور الحديثة في شئون الفلسفة والأرض والشمس والنظام الشمسي وتقدم العالم والعلوم الكيماوية والعضوية وغير العضوية وطبقات الأرض، وأصول السلالات البشرية والدراسات التاريخية، ذلك أن الناس كانوا منذ أبعد العصور معنيين بمنشأ الكون وظواهره ومواده وتفاعلاتها.
Неизвестная страница