شكل 17-1:
الإلهة ذات الحمامة عن نقش على قطعة من الآجر قد صنعت في العصر اليوناني وهي محفوظة بمتحف اللوفر.
وليس من السهل تعيين خاصية رمزية لكل واحد من هذه الآلهة، فإن البعليم كلهم تقريبا يمثلون قوى الطبيعة والشمس والكواكب، وأما العشتاروت فهن ربات العشق والحرب وفصول السنة، والفصول التي تكتسب فيها الطبيعة رونقها وبهجتها، والفصول التي يعتريها فيها الذبول والاضمحلال، وكلهم من آلهة وإلهات يقيمون في قلل الجبال، وعلى شواشي جبل لبنان، وحرمون، وقاسيوس، وفي الأجمات والمياه، ويتجلون أمام الأنام على المشارف والمرتفعات ويسكنون في الأشجار والأحجار الخام
1
بل وفي الكتل المنحوتة عمدانا. (2) عبادة أدونيس وعشتاروت
قالوا؛ ثم توالت الأزمان على هذه الآلهة المتعددة؛ حتى إنها حلت كلها في زوج واحد سماه القوم إيل وإيلة، أو بعل وبعليت؛ بحسب الجهات المعبود فيها . وصارت بقية الآلهة الآخرين لا تذكر بجانب هذين الإلهين، بل كان لها شبه وجود فقط، ويقول بعضهم إن بعل هو رب السماء والزمان والأبد والشمس، وأما زوجته فهي القمر. ويقول آخرون إن الآلهة الخالقين هم سبعة، اسمهم الكبراء أبناء الصديق، وكلهم يجتمعون تحت راية ثامن اسمه أشمون، وينقادون لأحكامه. وقد كانت خرافاتهم الدينية شائعة في المدائن البحرية وفي بيروت وصيدون (صيدا)، فانتشرت على سواحل البحر المتوسط بواسطة أهل البحر منهم، بل بقيت إلى ما بعد انقراض المستعمرات الفينيقية وبقي لها محراب وأسرار مشهورة في جزيرة ساموتراس، واستمر ذلك إلى أن تلاشت الديانة الوثنية مرة واحدة.
وكانت البعليم كلها مستنفرة مستوحشة ومتشبعة بالحسد والغيرة، وكانت تفرض على عبادها أن يكون قربانهم لها من الحيوان بل ومن بني الإنسان، وخصوصا أول مولود للرجل، وعندما يقع خطر عام يتهدد المملكة كان الملك والأعيان لا يقربون إليها ضحية واحدة فقط بل جميع أولادهم الذين يطلبهم الإله فكانوا يحرقون أمام الإله هذه الضحايا وهي على قيد الحياة، ولا يسكن غضبه إلا إذا شم قتار اللحوم ورائحتها، وكانوا يطبلون ويزمرون منعا لسماع الأنين الصادر من هؤلاء المساكين الذين يعانون عذاب الحريق، ولكي يكون القربان صحيحا مقبولا كان من المحتم أن تحضر الأم بملابس الفرح والمهرجان وتقف ساكتة ساكنة لا تبدي حراكا.
وكانوا يحتفلون بأسرار الآلهة الكبيرة بالقرب من مدينة بيلوس في وادي نهر أدونيس، وذلك أنه متى جاء الانقلاب الصيفي؛ أي متي «قتل الصيف الربيع» أخذت هي في دفن زوجها أدونيس رب الأرباب (أدون أدونيم) إذ قتله حلوف وحشي هائل فتشترك البلاد كلها في حزنها وتلبس الحداد مثلها، فيضعون في الهياكل نعوشا وعليها تماثيل الإله من الخشب المدهون بالألوان والأصباغ، وكانوا يسهرون عليه قبل دفنه، وكانت النساء تخرج زرافات زرافات وتهيم في المدائن والغابات والجبال راخيات الشعور أو حالقات الرءوس شاقات الجيوب بصدور مرضوضة ووجوه مخموشة، وهن يولولن بالعويل الطويل علامة على الحزن الشديد ثم يأخذ القوم في دفن تمثال أدونيس ويصطنعون بساتينه؛ وهي عبارة عن أوان يغرسون فيها فروعا خضراء من غير جذور، ثم يعرضونها للشمس فلا تلبث أن تعتريها الذبول والجفاف؛ حتى إذا جاء الخريف انهالت السيول بمياه ضاربة إلى الحمرة، وانصبت في البحر عقيب الأمطار فتهطل على لبنان. وكانوا يعتبرون هذه المياه الحمراء كأنها دم أدونيس ، ويتضاعف حينئذ حزنهم ووجدهم بمجرد رؤيتهم لها. وكان الحداد الأكبر يستديم سبعة أيام وفي اليوم الثامن ينبئ الكهنة بأن أدونيس عاد إلى الحياة، وأنه يتأهب للاجتماع بزوجته فيفيض عليهم السرور ويشتد بهم الفرح والابتهاج إلى ما يتجاوز حد الاعتدال. (3) ألف باء الفينيقية
لما استطال حكم المصريين على فينيقية أثر تأثيرا قويا على أفكار أهاليها الدينية فتأصلت في مدينة جبيل خرافة أوسيرس وإيسيس، واختلطت بخرافة أدونيس وعشتاروت، وصار الإله توت المصري فينيقيا أيضا، وحفظ في وطنه الجديد مقامه في مصر؛ أعني مؤرخ الآلهة ومخترع الآداب.
شكل 17-2:
Неизвестная страница