5 (في سنة 814) ثم إن الأهالي فيما بعد مزجوا إليصار بالإلهة ديدون، وسموها بهذا الاسم. (6) صور تحت حكم الآشوريين والكلدانيين
ليست بقية تاريخ الفينيقيين إلا عبارة عن ذكر علائقهم مع الدول العظيمة التي تنازعت امتلاك الشام من القرن الثامن إلى القرن السادس قبل المسيح، فكان الآشوريون قد ظهروا مرة أولى في فينيقية أيام إيثوبعل، وحاولت مدائن الشمال مقاومتهم من غير أن يكون لها من النجاح أدنى نصيب؛ فوقعت أرواد وسميرا جملة مرار في قبضة آشورنازرهابال وشلمناصر فانتهبوهما أما صور فإنها اقتفت مع هؤلاء الأعداء الحديثين طريق السياسة التي عاملت بها المصريينح إذ حسبت أن الأفضل لها أن تخضع من غير مقاومة بدلا من أن تقاتل مع عدم مقدرتها على المقاومة ورضيت بدفع الجزية لتعيش في أمان وسلام.
ولكنها لم تستمر على هذا الاحتياط المقرون بالحزم والحكمة؛ إذ في أواخر حكم تغلا ثفلاصر الثالث قام ملكها إيلولي (من سنة 728 إلى سنة 692) فحارب شلمناصر الخامس وسرجون وسنحاريب محاربات عنيفة انتهت بهلاكه، وكانت هزيمته سبب انقراض الدولة الصورية، فلم تكن فينيقية بعد ذلك إلا عمالة تابعة للدولة الآشورية، ولا يعتد بما حصل بها من الثورات التي ما لبثت أن انخمدت نارها حتى كأنها لم تكن، ولما سقطت نينوي عاد لها استقلالها فدافعت عنه دفاع الأبطال وفازت بدفع نبوخذنصر عنها بمعاونة الفراعنة الصاويين، واحتملت الحصار ثلاث عشرة سنة (من سنة 587 إلى سنة 574) من غير أن ترضى بالتسليم أو تلتزم بالاستسلام، ولكنها حدثت فيها ثورات أخرى فكان فيها كمال انتزاف قوتها. ففي سنة 564 صار قلب الحكومة الملوكية وفي سنة 557 أعيدت تحت سيطرة الكلدانيين، ولما سقطت بابل في سنة 538 حصل لصور وفينيقية ما حصل لها، فدخلتا في قبضة الفرس من غير حرب ولا قتال.
خلاصة ما تقدم (1) «لم تكن فينيقية قطرا من الأقطار بل كانت جملة مواني لها أحواز ضيقة» محصورة بين جبل لبنان وبين البحر، ويقال أن أصل الفينيقيين من البلاد المجاورة للخليج الفارسي، وتنقسم موانيهم إلى ثلاث طوائف متمايزة عن بعضها، وهي طائفة أرواد وسميرا في الشمال ثم طائفة بيبلوس وبيروت في الوسط (وهي الطائفة الثانية). (2)
والطائفة الجنوبية «الثالثة» كانت تتألف من صيدون (صيدا) ومن صور، وقد كان تأسيس صور على الجزائر المجاورة للساحل في سنة 2750 تقريبا. (3)
وقد رضيت عن طيب خاطر بالدخول تحت حكم المصريين، ولم تنل حريتها إلا في أواخر عهد الدولة المتممة للعشرين، وفي نحو سنة 1000ق.م جعلت أبيعل ملكا عليها، وخلفه ابنه حيرام الأول (من سنة 980 إلى سنة 946) وكان صديقا لداود وسليمان. (4)
وسعى هذا الملك في تحسين صور وتوسيع نطاقها وتحصينها؛ حتى إن الثورات التي وقعت بعد وفاته إلى عهد إيثوبعل الأول (من سنة 887 إلى سنة 855) لم يكن فيها عائق قوي يحول دون ازدياد عظمتها. (5)
وبعد ايثوبعل وقعت حروب مدنية أخرى أوجبت مهاجرة الأعيان منها إلى إفريقية تقودهم إليصار ديدون، وأسسوا مدينة قرطاجة في سنة 814. (6)
وفي نحو منتصف القرن الثامن اشتبك العراك بين صور وبين آشور فحاصرها سلمناصر وسرجون على غير طائل، وقاومت نبوخذنصر ثلاث عشرة سنة (من سنة 587 إلى سنة 574) ثم اعترفت أخيرا بسيادة الكلدانيين عليها، ولكن مقاومتها الطويلة أضنتها وأنهكتها، ثم دخلت من غير قتال تحت حكم الفرس في سنة 538.
قد حذفنا في الترجمة أربعة أبواب قبل هذا الباب في الكلام على تاريخ بني إسرائيل لمخالفته للتواريخ الإسلامية؛ وذلك بناء على رأي اللجنة العلمية بنظارة المعارف، وقد راعينا ترتيب الأبواب عقب بعضها بصرف النظر عن الأربعة المحذوفة من الأصل.
Неизвестная страница