История безумия: от древности до наших дней
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Жанры
أما فيما يتعلق بالمثال الآخر الذي تقدمه مدينة إكس آن بروفانس، فبإمكاننا ملاحظة التالي: في بداية الأمر، قام المشفى العام باحتجاز المجانين المصابين بالهياج المنبوذين من قبل المشفى الرئيس في الأقبية. ثم انضمت هاتان المؤسستان إلى المشفى الثالث بالمدينة، وهو مشفى لاميزيريكورد (الرحمة)؛ من أجل إيجاد حل للمشكلة التي طرحتها مسألة اعتقال المجانين، وجرى الاتفاق على إنشاء مأوى للمختلين عقليا،
14
في اليوم الموافق 2 سبتمبر 1691، مع تقاسم نفقات الإقامة والإعالة وصيانة المنشأة. ويمثل هذا الاتفاق إحدى الحالات النادرة التي تتفق فيها المشافي الموجودة بمدينة واحدة؛ ولذا ذكرت هذه المبادرة كمثال رائع جدير بالإعجاب والإشادة. وهكذا خصص مبنى منعزل بما فيه الكفاية للمختلين عقليا، وفي اليوم الموافق 27 أكتوبر، احتجز به 11 «امرأة وفتاة مجنونة كن منتشرات في أنحاء المدينة». وكان القائمون على هذا المأوى يحرصون على عدم إبقاء المرضى لمدة أطول من اللازم، ولا سيما أولئك «الذين تنتابهم فترات صحو ووعي تمتد لوقت طويل [...] ولكن مع توخي الحذر في كل شيء». في الواقع، كان معدل التناوب في بداية الأمر سريعا. ففي الفترة من 1691 إلى 1768، بلغ متوسط عدد الحالات المقبولة سنويا سبع حالات، بحيث كان متوسط عدد المختلين عقليا 17. ثم أدى قبول حالات الحمقى القادمين من جميع أرجاء بروفانس مقابل دفع نفقات الإقامة إلى زيادة الأعداد بشكل كبير ليصبح عدد النزلاء 160 في عام 1785؛ مما تتسبب في حدوث اكتظاظ نتج عنه في أغلب الأحيان وضع اثنين من المختلين عقليا في غرفة واحدة.
في مشفى نيم العام، لم يكن هناك في بادئ الأمر إلا عدد قليل جدا من المجانين. «هذا النشاط الغريب عن هذه الدار قبل عام 1749، كان في الأصل محدودا للغاية؛ نظرا لأن تلك الفئة البائسة كانت قليلة العدد ولا تحظى بأي اهتمام؛ ففي عام 1755، لم يكن عددها يتجاوز خمسة أو ستة.»
15
ثم، مع مرور السنوات، ازداد عدد النزلاء تدريجيا حتى وصل إلى 35 مجنونا في عام 1781، في حين أن عدد الغرف لم يتجاوز العشر بالنسبة إلى الرجال، ومن ثم كان لا بد غالبا من احتجاز المجنونات اثنتين اثنتين (نتج عن هذا النظام كثير من المشاكل) في الغرف المخصصة «لفتيات السوء» اللواتي يطلق عليهن أيضا، على اعتبار ما سيكون بالطبع، «التائبات». وكان هذا الخلط في الغرف يعد أمرا مؤسفا وغير طبيعي بالمرة، حتى في نظر المسئولين عنه.
ومع ذلك يبدو أن المختلين عقليا كانوا يحظون في النصف الجنوبي من المملكة بقدر أكبر من الرعاية والعناية؛ فقد أولاهم مشفى مونبلييه العام اهتماما خاصا، ولكنهم في الحقيقة لم يكونوا كثرا داخله. أما مشفى ألبي،
16
فقد أوجد حلا لمشكلة مجاورة المختلين عقليا المؤسفة (خاصة بسبب صراخهم المزعج) بإنشاء غرف خاصة، في مبنى بعيد ملحق بالمشفى، تطل على فناءين؛ أحدهما للرجال والآخر للنساء (إذ إنه من المفترض أن حسن استعمال الغرف الفردية يمنح المختلين عقليا الهادئين حق التنزه في الساحات). يبلغ طول هذه الغرف 3,25 أمتار وعرضها 2,60 متر، ويزيد ارتفاع سقفها عن ثلاثة أمتار. يغطي الأرضية بلاط من القرميد. وكانت كل غرفة تغلق بباب مثبت عليه قفل ضخم ومزاليج من أعلى ومن أسفل. على أحد الجوانب، هناك نافذة مزودة بقضبان حديدية، مع وجود إمكانية لغلقها تماما بمصراع خارجي سميك. ويشكل السرير المثبت إلى الأرضية والمزود بفراش من القش وببطانيات في الشتاء (يحصل عليها المختل عقليا فقط إذا كان هادئا) قطعة الأثاث الوحيدة بالغرفة، بينما يوجد مقعد مرحاض مجهز عند فتحة النافذة. وكان يتم الخضوع لفحص طبي يوميا؛ إذ كان يتعين على الجراح الملحق بالمشفى المرور شخصيا على المرضى للحرص على قيام السجان المسئول عن المختلين عقليا بمهام عمله المتمثلة في الحفاظ على نظافة الغرف وتغيير الأفرشة القش والملاءات. سواء عولج المجانين أم لا، فهذا يعني أنه كان ينظر إليهم على أنهم بالفعل مرضى. وعلى الرغم من ذلك، كان يجب أن يدفع المختلون عقليا المقيمون في مأوى ألبي نفقة إقامتهم، وهو ما يتناقض تماما، كما هي الحال في ليون، مع مبدأ المشفى العام. في الواقع، لم يكن هناك اهتمام في مختلف الأماكن بإرساء دعائم فكر أو مبدأ تقوم عليها المؤسسة بقدر ما كان هناك انشغال عملي بمسألة إيواء الحمقى بطريقة أو بأخرى.
كما رأينا، خارج فرنسا كان المختلون عقليا - عددهم محدود ولكنه في تزايد - يقيمون في المؤسسات المعادلة للمستشفيات العامة (مثل بيوت العمل في إنجلترا ، والسجون في ألمانيا، والإصلاحيات بأنواعها المختلفة كمنازل التأديب ومنازل صقل الأخشاب ومنازل الغزل في المقاطعات المتحدة، وغيرها). ويبدو من خلال القليل الذي نعرفه أنه كان هناك اتجاه، في وقت مبكر جدا، نحو تأسيس مراكز متخصصة كمشافي المجانين، ودور إيواء المصابين بأمراض مستعصية والميئوس منهم، وملاجئ الأيتام، ودور المسنين ... وهكذا خصص في لاهاي في أوائل القرن السابع عشر مأوى للمجانين وللمصابين بالطاعون، كما أنشئت دار للمجانين في مدينة دلفت وافتتحت في عام 1677. وفي روسيا، في أواخر القرن الثامن عشر، في عهد الإمبراطورة كاثرين العظيمة، «بدأ يظهر اعتراف تدريجي بالطابع الخاص الذي يميز المشفى عن دار المختلين عقليا، ويميز هذه الأخيرة عن الإصلاحية.»
Неизвестная страница