История безумия: от древности до наших дней
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Жанры
ومن الجدير بالذكر أن حبس المجانين المصابين بالهياج لم يكن يتم كعقاب لهم، وإنما كإجراء احترازي. وكان هناك إدراك من جانب المجتمع لعدم مسئوليتهم عن أفعالهم، كما يشهد بذلك القانون العرفي لبلدة بوفيزيه كما يلي: «لا يحاكم المجانين مثل الآخرين؛ لأنهم لا يدركون ما يفعلون.» ويعد العدد الإجمالي لمرتكبي جرائم القتل، الذين جرت محاكمتهم وحكم عليهم في أغلب الأحيان بالإعدام، ثم قدمت الأسرة طلبا إلى المحكمة «لتخفيف الحكم» بدعوى إصابة المتهم بالجنون وما يترتب عليه من عدم مسئوليته عن أفعاله (بحسب ما ورد في المادة 64 من القانون الجنائي)؛ يعد عددا كبيرا نسبيا. ومع ذلك، نجد أنه في بعض القضايا، نظرا لفداحة الجريمة المرتكبة ولشدة تأثر الرأي العام بها؛ كان القضاة ينسون طرح السؤال المتعلق بمسئولية الجاني عن أفعاله، وكانوا يصدرون حكمهم بإرسال المسكين إلى المحرقة أو إلى ساحة التعذيب على عجلة الموت. وهكذا، تعد الجريمة، نوعا ما، في حد ذاتها هي التي نبتغي معاقبتها بشدة، ولكن يتم ذلك من خلال المجرم، غير المسئول عن أفعاله.
وقد أثيرت مسألة الجنون أيضا فيما يتعلق بحالات الانتحار. ففي العصور الوسطى، كان الانتحار يعد جريمة انتهاك حرمات يرتكبها الإنسان في حق نفسه، وإهانة في حق الله والبشر. وكان يحرم دفن المنتحر في المقابر، وكانت أملاكه وأمواله تصادر (مثلما يحدث مع المجرم)، وفي بعض الأحيان، كان يهدم منزله؛ مما يعني أن العائلات المهددة بالإفلاس والعار، كانت تسعى جاهدة إلى إثبات عدم مسئولية المنتحر عن أفعاله. فعلى سبيل المثال، درس مجلس النواب بباريس، في 25 مارس 1278، قضية المدعو فيليب تستار، الذي حاول الانتحار مرتين؛ الأولى: حينما ألقى بنفسه من النافذة، والثانية: حينما أجهز على نفسه بسكين. وقد تحدث الاثنا عشر شاهدا الذين مثلوا أمام القاضي عن جنون المنتحر وهياجه منذ سبع سنوات، ولا سيما في الأشهر القمرية حينما كان يكشط وجهه «وينتف شعره حتى ينزف دما من كل جسده». كما أن عمته نفسها كانت «مختلة عقليا»، وقد تم تقييدها لمدة ثلاث سنوات إلى أن ماتت. وفي نهاية جلسة الاستماع إلى الشهود، أقر المجلس بجنون المنتحر وصدر قرار برد أملاكه، التي كانت قد وضعت تحت الحراسة القضائية، إلى أسرته.
8
بعيدا عن هذه الحالات المتطرفة، اختص القانون المدني بالنظر في الوضع القانوني للمصابين بالجنون. وفقا للمادة المستمدة مباشرة من القانون الروماني، كان يصدر في أغلب الأحيان حكم بعدم الأهلية المدنية ضد المجانين من ذوي الأملاك. وبالتالي، لم يكن في وسعهم الاحتفاظ بهذه الأملاك أو توقيع أي عقود. كما لم يكن باستطاعتهم المثول للشهادة أمام المحكمة. غير أن بعض الأطباء، مثل موسى بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي (ولكنه مارس الطب في الشرق، في بلاط السلطان صلاح الدين الأيوبي)، شددوا على مفهوم فترات الصحو والاستنارة التي يتعين أن يعطى المريض خلالها كل حقوقه المشروعة كأي مواطن. ومن جانبه، أقر القديس توما الأكويني بأهمية مفهوم فترات الصحو. وقد اهتم القانون العرفي الإنجليزي اهتماما بالغا بحماية أموال وممتلكات المختلين عقليا، أما عن القيمين عليهم، في حالة الحجر، فلم يكن يتم تعيينهم إلا عقب الانتهاء من إجراء تحقيق واف ودقيق.
كما كان القانون الكنسي يحد من ممارسة المجانين للأسرار المقدسة. فلم يكن بمقدورهم إبرام عقد زواج أو إبداء الموافقة الشرعية اللازمة لإتمام مثل هذا الاتحاد بين الزوجين. وفي بعض الأحيان، كانت ترفع دعاوى بطلان في هذا الصدد. ولكن، أيمكن منعهم من المعمودية؟ هذا سؤال نموذجي؛ نظرا لأن الأغلبية الساحقة من الأطفال يتم تعميدهم بعد فترة وجيزة من ولادتهم. ولكن الإجابة شائقة. كلا، يجيب القديس توما الأكويني؛ وذلك لأن البشر - على عكس الحيوانات - يملكون روحا عاقلة. وإصابتهم بالجنون ليست إلا حدثا عرضيا أدى إلى فقدانهم للعقل. وهي نفس الإجابة التي أعطاها القديس توما الأكويني فيما يتعلق بالتناول من القربان المقدس (سر الإفخارستيا). وعلى الرغم من ذلك، كان الخوف من تدنيس قدسية خبز الذبيحة أو القربان المقدس عظيما لدرجة أن المجانين، وقت ممارسة هذا السر الكنسي، لم يكونوا يتقدمون للتناول منه، إلا إذا كانوا على شفا الموت.
الفصل الثالث
نماذج من الجنون وصور لإعادة تجسيده
في القرون الوسطى، لم يكن بالإمكان تحجيم الجنون ليقتصر على الطب فقط، حتى وإن كان يتم النظر إليه ودراسته ومعالجته، خلال العصور القديمة، باعتباره مرضا. ويبدو هذا القول منطقيا إلى حد بعيد. والجنون يطرح أسئلة على تلك الحضارة القائمة على المعتقدات ويقينيات علم الوجود (الأنطولوجيا) كما أنه يبث القلق فيها. وهو يضع ذلك المجتمع الذي يرى نفسه مرتكزا وقائما على تعاليم الإنجيل أمام تناقضاته الخاصة. فالمجنون يضحك الناس ولكنه يخيفهم أيضا. وهو مبهر وساحر ولكنه مثير للاشمئزاز في الوقت نفسه. بيد نطعمه، وباليد الأخرى نطرده.
السردية وجنون الحب
من الواضح أن الجنون والأدب المكتوب بالعامية اللاتينية القديمة كان لا بد لهما أن يلتقيا، ولا سيما من خلال روايات العشق والغزل، التي انتشرت في النصف الثاني من القرن الثاني عشر وفي القرن الثالث عشر، وتغنت بقصص الحب التي لم تكلل بالنجاح. وقد حظي بالفعل جنون الحب بمكانة رفيعة عند اللاتينيين (مثل «أوفيد»)، وورد ذكره في الملاحم السلتية. كما كان موضوعا شائعا إلى حد كبير في الأدب العربي خلال القرنين العاشر والحادي عشر.
Неизвестная страница