История безумия: от древности до наших дней
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Жанры
جرى التمييز بين أنواع مختلفة من الجنون كما يلي: «بحسب ما إذا كان الشخص يعاني كثيرا من نوبات حادة أو خفيفة من الصرع، أو بدأت تنتابه أفكار عن الاضطهاد وأن الآلهة غاضبة عليه، أو إذا كان يصاب بهلاوس، أو لديه شعور دائم بالرعب والفزع ...» وبالطبع، فيما يتعلق بالجنون، وكما هي الحال بالنسبة إلى الأمراض الأخرى، كان الطب البابلي يلجأ إلى العراف أو الساحر
Asipu
مثلما يلجأ إلى الطبيب
Asu ، وأحيانا، إذا كان المريض يستحق العناء، كان يجري استدعاء الاثنين معا. كان الطبيب، وهو في الوقت نفسه الصيدلي، يمتلك بالفعل صيدلية (تحتوي على عقاقير ومراهم) لا يتورع العراف من جانبه، إضافة إلى ما يتلوه من تعويذات وعزائم، عن استخدامها.
في بلاد فارس القديمة، كان هناك اعتقاد بأن جميع الأمراض يتحكم بها شياطين، وأن المفهوم الثنائي للصراع الدائم بين الخير والشر يتجسد، ليس في العالم فحسب، حيث يتنازع إله الخير «أهورا-مازدا» مع إله الشر «أهريمان»، وإنما أيضا في الجسم البشري حيث تتعارض الصحة مع المرض. وكان هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الطب كما يلي: «طب المبضع أو الجراحة، طب العلاج بالأعشاب والنباتات، وطب الكلام»، ويقصد بهذا النوع الأخير التلاوات المقدسة التي «تجلب السكينة للروح». ويعد اليونانيون أول من قام فيما بعد بتعريف دقيق لماهية الروح.
في تلك العصور القديمة، نادرا ما نجد حالات من الجنون لها أسباب مرضية أو طرق علاجية ملائمة، بعيدا عن نطاق التداوي بالسحر والدين. وبالرغم من ذلك، قبل ألفي عام من ميلاد المسيح، عزا المصريون العديد من الاضطرابات النسائية، سواء أكانت جسدية أم نفسية، إلى هجرة الرحم إلى أعلى الجسم؛ مما ينتج عنه حدوث ضيق في التنفس و«اختناق رحمي» (ما يقصد به «الإصابة بالهستيريا»). انطلاقا من الفرضية القائلة بأن العضو المهاجر يهرب من الروائح الكريهة بينما تجذبه الروائح الطيبة، وساد اعتقاد بضرورة الجمع بين استنشاق روائح غير محببة وتطهير المهبل بالروائح العطرية لإجبار الرحم على العودة إلى موضعه الطبيعي. وهكذا نشأت الهستيريا، والتي أصبحت حقلا واعدا على الصعيدين الطبي والاجتماعي للباحثين بهذا المجال.
وقد اتبعت اليونان القديمة (وما بعدها من حقب) النهج الطبي نفسه القائم على الاستعانة بالسحر والدين، متأثرة في ذلك بالطب المصري القديم. كان الكهنة أيضا هم القائمين على رعاية صحة البشر، ولا سيما في العديد من المعابد المخصصة للإله أسكليبيوس. ووفقا للأسطورة الإغريقية، فإن أسكليبيوس هو ابن الإله أبوللو والحورية كورونيس والذي عهد به إلى القنطور شيرون لتربيته. وكان هذا القنطور يمتاز عن أقرانه، المتوحشين والجهلة، بالحكمة والطيبة. وقد قام القنطور شيرون، بتعليم أسكليبيوس الطب، حيث نقل إليه ما سبق أن تعلمه على أيدي أبوللو وأرطميس. وسرعان ما تفوق الطالب على أستاذه. ولم تقتصر قدرة أسكليبيوس على شفاء المرضى فحسب، وإنما امتدت لتشمل أيضا إحياء الموتى. ولم يتحمل الإله زيوس ذلك، فغضب على أسكليبيوس وضربه بالبرق. وأصبح أسكليبيوس هو إله الطب (وهو الإله إسكولاب عند الرومان)، وصارت ابنته هيجيا أو هيجي (Hygie)
إلهة الصحة (ومن اسمها اشتق الأصل اللغوي لكلمة
hygiène ؛ أي النظافة الصحية).
يقع المعبد الرئيس للإله أسكليبيوس في مدينة إبيداوروس، في أرغوليس. وكان يتوافد عليه المرضى منذ القرن السادس قبل الميلاد. وكما هي الحال أمام مئات المعابد الأخرى المخصصة لإله الشفاء في جميع أنحاء اليونان، كان المرضى يصطفون بانتظار قضاء ليلة حضانة المرض الشهيرة. وكان المؤلف المسرحي أريستوفان يسخر من هذا المشهد في مسرحياته الكوميدية، قائلا بأن الأمر لا يعدو أن يكون عمليات احتيال وخداع كبرى. ولكن لم يشاركه هذا الرأي أولئك المرضى الذين كانوا يحجون إلى هذه المعابد، مفعمين بالإيمان والاعتقاد في الشفاء، ولم لا وقد عزز من إيمانهم هذا منظر آيات الشكر والعرفان والوفاء بالنذور التي كانت تزين جدران المعابد. أما أولئك الكهنة الأطباء - الذين يدعون أنهم ينحدرون من سلالة أسكليبيوس ويمثلون رابطة قوية - فكان من بينهم مختصون في علم التغذية، وصيادلة، وجراحون، ومعالجون بالموسيقى، وكذلك - وقبل ظهور الكلمة نفسها - أطباء نفسيون. وكما هي الحال في مصر، لم يكن الكهنة الأطباء يكتفون بالبقاء في معابدهم بل كانوا يقومون بجولات واسعة لتفقد المرضى. وكان المجانين يمثلون الفئة المختارة لدى هذا النوع من الأطباء الذي يجمع بين السحر والدين.
Неизвестная страница