История безумия: от древности до наших дней
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Жанры
3
ويذكر بنثام صراحة مصحات المجانين ضمن المؤسسات القابلة للتنظيم على شاكلة التصميم المعماري شمولي الرؤية. في إطار رؤية للجنون «تنتمي إلى مرحلة ما قبل الطب العقلي» حيث كان الاحتجاز هو العنصر الوحيد الذي يؤخذ في الحسبان (نحن نتحدث عن عام 1791)، يوضح بنثام أن الحجرات المنفصلة بعضها عن بعض والخاضعة للمراقبة المركزية «تغني عن استخدام القيود وغيرها من وسائل القمع»، بالإضافة إلى أنها توفر ميزة أخرى تتمثل في حماية المجانين في الوقت نفسه من اعتداءات الحراس؛ لأن كلا الطرفين يجدون أنفسهم خاضعين لنظام من المراقبة التي تتسم بالشفافية المطلقة.
في الوقت ذاته، اتجه بعض المهندسين المعماريين ، بوصفهم الورثة الروحيين لكلود نيقولا لودو، الذي تأثر هو نفسه بمفهوم التصميم المعماري شمولي الرؤية، إلى «ذلك البناء القائم وسط الأشعة، حيث لا يفلت أي شيء من المراقبة»،
4
كما نرى على سبيل المثال في تصميم مبنى الملاحة الملكية في آرك إي سينان أو لإيتيان لويس بوليه، نحو تصميم مخططات عملاقة ذات نزعة معمارية شمولية. ولقد رسم جان باتيست هارو رومان - المهندس المعماري بكالفادوس - أثناء قيامه ببناء سجن بوليو المركزي الجديد (من وحي التصميم المعماري شمولي الرؤية) في موقع مستودع التسول نفسه القديم بكاين؛ تصاميم مصحة الأمراض العقلية ذات الطابع الانعزالي الشبيه بالأديرة؛ حيث نقرأ فوق بوابة الدخول الوحيدة والضيقة، العبارة الآتية على الشاهد: هنا يوجد مختلون عقليا.
يظهر هذا الطراز المعماري المزود بإشعاع للمراقبة، الذي نجده بالفعل في مشاريع مصحات القرن الثامن عشر، في مشروع إنشاء «مؤسسة لمعالجة الاستلاب العقلي» (1827)، الذي قدمه فيريس - كبير الأطباء بدور الإيواء في بيستر - بالاشتراك مع بيير فيليبون، المهندس المعماري بالحكومة. يتمثل هذا المشروع في إنشاء أربعة أجنحة مزودة بالإشعاع للمرضى عقليا الذين يحتاجون إلى مراقبة خاصة. بحيث يمكث في المبنى المركزي طاقم الخدمة و«المشرفون الرئيسون». «ومن خلال هذه الترتيبات، يصبح الأشخاص القائمون بالخدمة والمكلفون بحراسة المرضى عقليا الغاضبين أو الثائرين، أكثر قربا من بعضهم البعض؛ مما يتيح لهم تبادل المساعدة فيما بينهم عند الحاجة، كما يسهل تحركهم وتنقلهم في أرجاء المكان من دون أن يكونوا مضطرين لقطع مسافات طويلة داخل المؤسسة. وهكذا أصبحت المراقبة العامة أكثر سهولة، وأكثر نشاطا وحيوية، كما أصبحت تغطي كافة أنحاء المؤسسة، ولم يعد يوجد أي منطقة محرومة منها. وكان من المقرر إنشاء مبان أخرى لاستقبال المرضى المسالمين، في نهاية القسم المكون من حجرات مخصصة للمرضى عقليا الهائجين.»
ومع ذلك، كان مقدرا للمخططات المعمارية الشعاعية - من قبيل التصميم الذي وضعه مونروبير (مهندس معماري في ليون) في عام 1835 وأطلق عليه اسما جميلا هو «المخطط الفسيولوجي» - أن تظل مجرد تصاميم على لوحات كرتونية. وتزايدت الانتقادات: إن نظام المراقبة المركزية، وإن كان أساسيا في السجون، إلا أنه ثانوي في مصحات المجانين؛ حيث يتعلق الأمر بتفريق المرضى بدلا من تجميعهم بالأحرى؛ الأمر الذي يؤدي بهم إلى الهياج والضوضاء. كما أن القسم الواحد ليس مجزأ بما يكفي إلى عدد من الأقسام الفرعية. فضلا عن ذلك، يضفي المخطط الشعاعي مظهرا قبيحا على الأفنية، ويحتم إطالة الأشعة بشكل مفرط أو زيادة عدد الطوابق متى زاد عدد المحتجزين بشكل كبير. وبمنتهى الجدية الممكنة، يضيف جوزيف جيزلان (1797-1860) - رائد الطب العقلي البلجيكي (نطلق عليه أحيانا «بينيل البلجيكي») - بخصوص الشكل الشعاعي، قائلا: «عند النقطة المركزية، يوفر هذا التصميم تدفق تيارات الهواء.» لقد بنيت مصحة مونديفيرج، في فوكلوز، عام 1843، على الطراز الشعاعي، وكان لها فيما بعد ثقل كبير خارج فرنسا.
من الواضح أن إسكيرول قد أولى اهتماما خاصا لذلك المخطط الذي كان من المفترض أن يصبح مصحة للمرضى عقليا، مشيدة خارج المدينة على أرض شاسعة، وقادرة على استيعاب من 400 إلى 500 مريض. لقد استعان بالمهندس المعماري لويس-إيبوليت لوبا لتنفيذ التصاميم، ثم عرض على المجلس العمومي لدور الإيواء في باريس المخطط الأول لمشروع إنشاء مصحة كبرى للأمراض العقلية، وهي المصحة التي كان مقدرا لها أن تكون نموذجا للإنشاءات التي بدأ يتم تنفيذها في العديد من المدن الفرنسية. فوق محور مركزي، حيث نجد المصحة التي تعد بمنزلة نقطة ارتكاز حقيقية لهذه المدينة داخل المدينة، تقع مباني الإدارة والمرافق (المطابخ، والحمامات، وورش العمل). ولا ننس أيضا ذلك البناء المركزي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والمتمثل في الكنيسة، ذات الأبعاد الكبيرة في الغالب. من كلا الجانبين، عموديا وفي تماثل تام، بحيث يكون الرجال ناحية اليمين والسيدات ناحية الشمال، نجد مناطق التصنيف، وهي عبارة عن «كتل من المباني رباعية الأضلاع ومعزولة، وتمتلك من الداخل فناء محاطا برواق مسقوف، [مع] وجود جانب رابع مغلق بقضبان حديدية يطل على حدائق واسعة أو الريف [...] كتل معزولة كثيرة لتصنيف جميع المرضى بحسب طبيعة مرضهم وفترة الإصابة [...] وكان من المقرر أن توفر جميع هذه المباني المبنية على الطابق الأرضي، مساكن منفصلة ومجهزة للمرضى عقليا: المصابين بالهياج، وبالهوس دون دوافع عدوانية على الإطلاق، وللسوداويين الهادئين، وللمصابين بالهوس الأحادي، وهم عادة يتسببون في صخب كبير، وللمختلين عقليا المصابين بالخرف، وللمختلين القذرين، وللمصابين بالصرع وبأمراض عرضية، وأخيرا، للمرضى في طور النقاهة الذين يتعين أن يكون مسكنهم مجهزا تجهيزا معينا بحيث لا يصبح في إمكانهم رؤية أو سماع المرضى الآخرين، بينما يظلون هم أنفسهم على مقربة من المبنى الرئيس» ... ومن جديد، كانت الغلبة والسيادة للتصنيف على أساس المعيار السلوكي.
وفي عام 1862، أثناء افتتاح تمثال إسكيرول في شارنتون، أعرب جان باتيست بارشاب (1800-1866) - وهو مفتش عام على قسم المرضى عقليا منذ عام 1848 - عن تقديره لهذا الأب المؤسس، وصرح بأن «هذه المعطيات الأساسية، التي تعد فكرا طبيا، ستكون بمنزلة الأساس الراسخ الذي سيرتكز عليه، من الآن فصاعدا، المثل الأعلى لمصحة الأمراض العقلية. يتمثل هذا الفكر في تصنيف المرضى وتقسيمهم على مناطق منفصلة ملائمة لاحتياجات ومتطلبات العلاج المعنوي، تبعا لطبيعة وشكل وحدة المرض [...] وهكذا، فإن تبعية الهندسة المعمارية للمعالجة، التي تجلت للمرة الأولى في التصاميم المقدمة والمستوحاة من إسكيرول، سترتبط بجميع التطورات المتتالية التي سيجري إدخالها في مجال تأسيس، وإنشاء، وتنظيم مصحات الأمراض العقلية.»
5
Неизвестная страница