ثم وجد في هذه الكتابة إشارة إلى رسل ملك الروم وملك فارس والمنذر والحارث بن جبلة، مما يدل على أن دسائس كل من الدولتين الرومية والفارسية كانت بدأت في جزيرة العرب منذ ذلك العهد، ولم يطل الأمر حتى خلع أبرهة عامل الحبشة آخر الملوك الحميريين الملقب بذي نواس، وأزال مملكة حمير وأبرهة هذا هو الذي زحف إلى مكة ومعه الفيل واليه أشار صاحب البردة بقوله:
كأنهم هربا أبطال أبرهة
أو عسكر بالحصى من راحتيه رمى
وفى ذلك الوقت تغلب العجم على اليمن لعهد كسرى الأول، فاستناب عنه رجلا يقال له وهريز. ولما ظهر الإسلام كان في اليمن عامل لكسرى أبرويز الثاني يقال له «باذان» فأسلم ودخل بعد ذلك اليمن في الحوزة المحمدية، ولم يقدر العلماء أن يكشفوا شيئا عن المملكة السبئية يرجع إلى أقدم من سنة سبع مئة قبل المسيح.
فأما المعينيون فالظنون أن الكتابات المتعلقة بهم تملأ تواريخها خمسة قرون ويظهر أن المعينيين كانوا معاصرين للسبئيين، وغاية ما هناك أنهم رجحوا أن أقدم الكتابات السبئية يرجع تاريخها إلى أحدث الكتابات المعينية، وقد جاء في الكتابات المعينية ما يثبت وجود دولة السبئيين في اليمن. وكان ملوك المعينيين مثل «خالى كاريبا صادوق» و«بحتيل ريام أبوتبع كرب» في الزمن الذي كان فيه ملوك سبأ، والمظنون أن هذا كان بين سبع مئة وست مئة سنة قبل المسيح، وقد جاء في كتابة معينية ما يفيد أن السبئيين وقبيلة أخرى اسمها «خولان» كانوا يشنون الغارات على الطريق المؤدي من نجران إلى معان في بلاد الشراة جنوبي سورية، وقد أشار كتاب أيوب من التوراة إلى هذه الغارات.
ووجدت كتابات أشورية سابقة لسنة السبع مئة قبل المسيح فيها إشارة إلى وجود أمير من سبأ اسمه «أيطع آماده» يظن أنه كان في بلاد العرب الوسطى، وفي المظنون أيضا أن ملكة سبأ كانت مالكة لشمالي بلاد العرب، هذا ولم تنفرد سبأ ومعين بملك اليمن، بل كان هناك دولتان قحطان وحضرموت، فالجملة دول أربع أعظمها سبأ.
وكان للمعينيين مستعمرة في مدين نظرا لتجارتهم بالطيب، وقد ثبت ذلك في كتابات كشفها العالم «أوتنغ
Eutung » في «العلي» شمالي المدينة المنورة، وسقطت دولة المعينيين في نحو الست مئة والخمسين قبل المسيح، وقد ورث السبئيون مستعمرتهم في مدين، وفي ذلك الوقت تقدم نحو بلاد العرب دول أخرى مثل حكومة «نبوخذ نصر» فقد كشف أوتنغ و «هوبر
Huber » في تيماء كتابات تدل على كون حكم الآراميين البابليين وصل إلى هناك، وربما كان الملك العربي الذي أشار إليه هيروتوس بأنه عاش في نحو السنة الخمس مئة والعشرين قبل المسيح هو ملك اللحيانيين الذي قال يلينوس الروماني المؤرخ “Pline”
إن عاصمته كانت هجر.
Неизвестная страница