История Первой Балканской войны: между Сверхдержавой и Балканским союзом, состоящим из Болгарии, Сербии, Греции и Черногории
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Жанры
تلك صفوة ما يقال عن تنافس الدولتين اللتين ظهرتا كثيرا في صدر المرسح السياسي مدة الحرب، وهناك دولة تعد مصالحها حيوية في بعض تلك الأنحاء وتسير مع النمسا خطوة فخطوة، لا حبا فيها بل خوفا من طمعها وهي حليفتها الدولة الإيطالية، فإن منافستها للنمسا في جهات البحر الأدرياتيكي مشهورة، وأصعب عقدة من عقد التنافس الأدرياتيكي بين إيطاليا والنمسا، ذاك التنافس الذي يتعلق أمره بالسلم الأوروبي، إنما هي في جهة ألبانيا؛ ولذاك ترى الحكومتين اللتين تخيفهما نتائج ذاك التنافس تتشبثان بالحالة الحاضرة حبا في السلم.
وإذا كانت النمسا تعتبر نفسها صاحبة السيادة في أشقودره وغيرها بفضل حمايتها للكاثوليك، وبمساعدة رؤساء الأساقفة والأساقفة والقسوس الفرنسيسكانيين والديور التي تنفق من مال النمسا، وبالمعاهد والعمال والمدارس التي أنشئت حتى في آخر قرية ألبانية، أو بالبنك النمساوي؛ فإن إيطاليا من جهة أخرى أقامت معهدا أمام كل معهد نمساوي، وعندها مستشفى إيطالي أمام المستشفى النمساوي في أشقودره، وجمعية دانتي أنشأت «المدارس الملكية» الإيطالية لدى المدارس النمساوية، ولغة إيطاليا هي اللغة التجارية في جهات الأدرياتيك، والتقاليد الإيطالية متبعة هناك؛ فلذا يصعب علينا أن نسلم بأن ورثة جمهورية البندقية يتنازلون عن التركة التي خلفتها لهم، وإذا كانت إيطاليا والنمسا تسيران كتفا لكتف في مجال السياسة كما ظهر من أقوالهما وأعمالهما في الأطوار التي دخلت فيها الحرب، فليس هذا التكاتف إلا لغرضين؛ أولهما: صيانة المصلحة الأوروبية الكبرى التي تقضي على إيطاليا بأن تحتفظ بها، ولا يمكن هذا الاحتفاظ إلا بالتضامن مع حلفائها، والغرض الثاني: هو منع النمسا - تلك الحليفة المنافسة المشاكسة - من العمل وحدها على احتكار المنافع في ألبانيا والأدرياتيك، وما دامت المصلحة الأوروبية الكبرى تقضي بإبقاء التحالف معها، فلا وسيلة إلى ذاك المنع إلا السير بجانبها ومراقبة كل ما تفعله عن كثب حتى لا يحرم الطليان من الغنائم المستقبلية، ولا يشك أحد صادق النظر في أن غيرة النمسا وإيطاليا على ألبانيا لم تكن لوجه الحق الكريم، فقد يأتي يوم تحسر فيه كل واحدة من هاتين الدولتين عن ساعدها فتنقلب منافستهما السلمية الحاضرة إلى منافسة عدائية، وهو أمر راجح تتوقعه صحف الطليان منذ الآن.
أما فرنسا وإنكلترا وألمانيا، فقد كانت الأولى منهن تؤيد روسيا بحكم المحالفة الثنائية، والثانية تؤيدها بحكم الاتفاق الودادي، والثالثة تؤيد النمسا وإيطاليا بحكم المحالفة الثلاثية.
على أن كل دولة منهن لم تكن تدفع تأييد حلفائها وأصدقائها إلى حد مضر بالسلم العام، بل كانت كلها - ولا سيما فرنسا - تشتغل بيمناها لحفظ ذاك السلم وتعمل بيسراها على تأييد حزبها الدولي.
بيد أن جملة من الكتاب - ومنهم الموسيو هانوتو وزير خارجية فرنسا سابقا - كانوا يعتقدون أن السلم والحرب في تلك الأزمة كانا منوطين بسياسة إنكلترا وألمانيا على الأخص ، وأن وقوف هاتين الدولتين العظيمتين وراء مرسح السياسة أشد تأثيرا عند المفكرين من ظهور روسيا والنمسا في مقدمة المرسح، وإكثارهما من صليل السلاح، وليس هذا الرأي ببعيد عن الصواب؛ لأن النمسا لا تقدم على المخاطرة إلا إذا رأت من ألمانيا دافعا، كما أن روسيا تلتفت مرارا إلى إنكلترا لتعرف رأيها قبل أن تجعل القول الفصل للسيف والمدفع، ولقد دلت الحوادث على أن الدولتين أرادتا التوازن لا الحرب. •••
والخلاصة: أن المنازع الدولية كانت تدل أولا: على سعي روسيا في حماية الصقالبة ومنع النمسا من الإيقاع بهم، ثانيا: على رغبة النمسا وإيطاليا في تمهيد السبيل لغنائم مستقبلية ما دامت الغنائم الحاضرة غير ميسورة لهما، ثالثا: على رغبة جميع الدول في حفظ السلم الأوروبي. وأفضل طريقة وجدها مؤتمر السفراء للتوفيق بين تلك المنازع الدولية هي أن يقرر استقلال ألبانيا وإدخال أشقودره فيها كما طلبت النمسا وإيطاليا، وأن تبقى للصقالبة جملة مدن مما طلبته النمسا عند الحدود الشمالية والشمالية الشرقية من ألبانيا (وهي المدن التي تقدم ذكرها)، ثم يعطى الصربيون ثغرا تجاريا على الأدرياتيك بدلا من ثغر حربي، وأن يفوض أمر الجزر في بحر إيجه إلى الدول العظمى.
وهناك أعمال أخرى أيدها مجتمع السفراء كجعل خط إينوس وميديا حدا فاصلا بين مملكة البلغار والأملاك العثمانية الأوروبية، وغيره مما يؤدي إلى عقد الصلح في زمن قصير.
على أن رغبة الدول في إعادة السلام إلى البلقان في وقت قريب لم تتحقق كما ستعلم.
نتائج الحرب من الوجهة السياسية
أرتنا مقدمات الصلح التي أمضيت في لندرا أن النتيجة المادية لتلك الحرب المشئومة هي خسارة الدولة العلية لمعظم أملاكها في تركيا أوروبا ، فبقي أن نبحث في النتائج السياسية التي أسفرت عنها، وهي قسمان داخلي وخارجي، وإليك ما نراه جديرا بالذكر من القسم الداخلي: كان من نتائج الحرب في أنحاء السلطنة كلها أن الأمة هالها ما ظهر من الخلل في إدارة الجيش الذي كانت تحسبه قويا سليما قادرا على صد كل عدو مفاجئ، ثم التفتت إلى بلادها فوجدت طلائع الخراب تهددها من كل باب، ومما زادها خوفا وهولا أن الجرائد الأوروبية الكبرى أخذت تنشر الفصول السابغة عن قرب اضمحلال الدولة العثمانية - صانها الله - فهب عند ذاك طلاب الإصلاح ينادون بالإسراع، واتفقوا كلهم على تعميمه في أقصر ما يمكن من الوقت، لكنهم اختلفوا في الطرق المؤدية إليه، فمن الجمعيات التي أسست للسعي في سبيله «الجمعية البيروتية الإصلاحية»، وهي مؤلفة من المسلمين والمسيحيين وجامعة لنخبة من الوجهاء والكتاب، ومنها «جمعية اللامركزية» في مصر وأركانها من أفاضل المسلمين والمسيحيين العثمانيين، واسمها يدل على غرضها، وفروعها كثيرة الآن في سوريا والعراق وسائر بلاد العرب وأميركا، ومنها الجمعيات الأرمنية، وأخص مطالبها إجراء الإصلاح تحت مراقبة الدول العظمى.
Неизвестная страница