История Первой Балканской войны: между Сверхдержавой и Балканским союзом, состоящим из Болгарии, Сербии, Греции и Черногории
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Жанры
ثم إنهم فوق ذاك كله أعلنوا الحرب باسم الصليب، ورمز الصليب إنما هو الرحمة والرأفة، فأين الرحمة في إحراق الشيوخ والنساء والأطفال في الجوامع والقهوات، أين الرحمة في دفن الشبان وهم أحياء، أين الرحمة في تعذيبهم وتقطيعهم إربا إربا أمام والداتهم وفي تدنيس عفة البنات؟ إنا لا ننكر والتاريخ شاهد أن الجنود التركية من باشبزق وغيرها فتكت بالبلقانيين فتكا ذريعا في أوقات مختلفة، ولكن مذبحة البلقانيين قبل معاهدة برلين، تلك المذبحة التي اهتزت لها أوروبا من شرقها إلى غربها وشماليها إلى قبليها، بلغ عدد ضحاياها ما بين 15 و20 ألف نفس، والمأخوذ اليوم من عدة روايات غير عثمانية أن الذين ذبحتهم الجنود المتحالفة في ولاية واحدة يربو على هذا العدد.
ونقول في الوجه الثاني: وهو أن جميع الجنود في جميع الحروب لا يخلو تاريخها من أنباء القسوة والحوادث المؤلمة؛ أجل إن الروسيين في حرب بولونيا، والألمانيين في حرب السبعين، والإنكليز في حرب الترنسفال، لم تخل أعمالهم من ضروب القسوة والخشونة، ولكن الفرق كبير بين حوادث معدودة تقع هنا وهناك وبين فظائع عامة شاملة يراد بها استئصال جنس من الأجناس، أو إنقاص عدده إلى حيث يتولاه الضعف فلا تقوم له قائمة، ولو كان مبلغ الفظائع البلقانية في حرب البلقان كمبلغ الفظائع العثمانية فيها، أو مبلغ فظائع الألمانيين في حرب السبعين لقلنا إن الجيوش المؤلفة من مئات الألوف لا يمكن أن تكون كلها مدنية مهذبة الطبع كريمة الخلق، بيد أن متسع الفظائع التي تنسب إلى الحلفاء بلغ حدا قصيا، حتى قال فيه بعض الكتاب الأحرار: «إنه إذا صحت جميع أخبارها فإن البلقانيين ارتكبوا في خمسة أشهر بقدر ما ارتكبه الباشبزق والجنود التركية في خمسة قرون.»
أما الوجه الثاني أن كون الأخبار المنشورة لا تخلو من غلو كثير وأن العصابات هي التي اقترفت معظم الفظائع، فهو ما يعجز مثلنا عن تكذيبه قبل التحقيق، ونحن لم نر لسوء طالع الإنسانية ولسوء سمعة أوروبا أن أصوات الأحرار الذين طلبوا التحقيق وقعت في آذان مصغية مفتوحة، على أنا نعود فنذكر هنا الملاحظة التي قدمناها، وهي أن تلك العصابات مشت إلى تراقيه ومقدونيا بأوامر من حكوماتها التي جعلت لها مهمات معينة، وحكوماتها أعرف الناس بالفظائع التي ارتكبتها سحابة أعوام في القرى المسيحية نفسها لأجل النفوذ السياسي، فإن العصابات اليونانية كانت تفتك بالأهالي البلغاريين، والعصابات البلغارية كانت تجر ذيل الخراب والدمار على القرى اليونانية وهلم جرا، أفما كان الواجب الإنساني يقضي على تلك الحكومات التي رفعت الصليب يوم زحفها بأن تأمر زعماء تلك الشراذم القاسية بالوقوف عند حدها؟ لا ننكر أن ضبط زمامها صعب ولكن الحكومات كان يمكنها بما عندها من الحول والقوة أن تخفف كثيرا من جرائمها وفظائعها، ولكنها لم تفعل، فلم يجد المنصفون لإهمالها مبررا.
على أن اللوم ليس كله عليها بل يجب أن يلقى شطر كبير منه على أوروبا؛ لأنها لو تحركت للفظائع التي جرت في الشهرين الأولين، كما فعلت أيام ارتكبت الجنود العثمانية آثامها قبل معاهدة برلين في بلاد البلغار؛ لاضطرت الحكومات البلقانية إلى إيقاف تيار الهول، ولكان نصرها باهرا نقيا من الشوائب والمخجلات.
الصحافيون بين النار والحديد
منشئ هذا الكتاب صحافي يحب الصحافة وآلها واليراعة ورجالها، فليسمح له المطالع أن يقول هنا كلمة عن أعمال الصحافيين وهم في ساحات القتال بين الحديد والنار: يروون أن هوميروس صاحب الإلياذة الشهيرة كان أعظم مراسل حربي في قديم الزمان، ثم يتطرقون إلى ذكر أشهر المراسلين وأعلاهم كعبا، فيذكرون عدة أسماء حديثة منها الرحالة ستانلي الذي راسل نيويورك هيرالد، وجورج فيلون الذي عين مديرا لشركة هافاس في فرنسا، وستندال، وفرنسوا دلونكل، وجورج غولي، وجان بارير وغيرهم من الذين لا يسع المقام أسماءهم.
ولا يذهبن عن المطالع أن الكلام في هذا الباب ينحصر بحكم الضرورة في الصحافات الأجنبية؛ لأن صحفنا العربية لم تبلغ حتى الآن من الثروة والرقي ما يمكنها من إرسال مندوبين اختصاصيين على نفقتها إلى ساحات القتال، وأسعدها حظا هي التي تعرف صديقا يحضر حربا فتكلفه أن ينفحها برسائل مأجورة أو غير مأجورة، ولا يهمها أن يكون اختصاصيا أو غير اختصاصي، ولا يسع المنصف إلا أن يلتمس لها عذرا ما دامت الجريدة التي تتفوق على جميع رصيفاتها في البيع والنشر لا تبلغ درجة إحدى جرائد المديريات في أوروبا، فهل يمكن واحدة منها أن تفعل كالبتي باريزيين التي كانت تنفق كل يوم على رسائلها الحربية 3000 إلى 4000 فرنك؟ فكيف بالتيمس وغيرها من سيدات الجرائد في العالمين؟
وهناك عذر آخر لجرائدنا وهو أنه لو أرادت إحداها أن ترسل اختصاصيا كفئا إلى الحروب لما وجدت، فإن المراسل الحربي لا يحتاج إلى مال كثير فقط بل هو يحتاج إلى معرفة فنية وصحة قوية وشجاعة كبيرة. قال جان بارير في رحلته إلى حرب الترنسفال: «أعترف لكم بأن يدي أخذت ترتجف حين وصلت إلى الخنادق الأولى وأخذت أسمع صفير الرصاص لأول مرة، فقد كنت لا أستطيع أن أضع نظارتي على عيني لما أصابني من الارتجاف، وإني لعلى تلك الحال إذا برفاقي هبوا للهجوم فاضطررت إلى التقدم معهم نحو العدو، وكان الرصاص يمر من فوق رأسي كالعصفور الصافر، ثم نظرت يمينا فإذا الجندي القريب مني طريح فظننت أن رجله عثرت بحجر، ولكني تحققت بعدئذ أنه قتل، ثم واصلت العدو نحو العدو فوجدت في طريقي جثة أخرى، ثم وقف جندي آخر وما لبث أن وقع. وكسرت إحدى الرصاصات حجرا كان على بعد سنتيمتر واحد من رجلي، ومع ذاك كله فقد بقينا نتقدم وكأننا نتحامل.»
وقال الموسيو ريمون ريكولي الذي كان مراسلا للتان في حرب الصين: «أول ما يحتاج إليه المراسل الحربي هو بنية كالحديد ليتمكن من مقاومة الأتعاب والأمراض والانفعالات النفسية، ثم يلزمه كثير من الحزم في سلوكه، فقد كدت أقع أسيرا لأني قضيت ليلة في أحد البيوت المنفردة، ولو وقعت في قبضة الأعداء لأعدموني بحجة أني جاسوس روسي، أما المشاهد التي يراها المراسل الحربي فهي من أشد الأهوال على النفوس، فقد رأيت بعيني أن قنبلة أصابت راهبة كانت تداوي الجرحى فقطعتها قطعتين، ورأيت أن خادمي أصبح مجنونا ورأيت ورأيت ... تالله إن حرفة المراسل الحربي لهي مهنة قاسية كمهنة العسكري وكبيرة عظيمة مثلها.»
ويظهر أن المراسلين الحقيقيين يخافون المراقبة بقدر ما يخافون الرصاص، قال الموسيو ريمون المذكور: «لا يخفى أن كل جيش يجعل للصحافة إدارة مخصوصة، وأهم رجالها المراقبون وهم الجلادون الذين يخافهم المراسلون الحربيون أشد الخوف ولا يرتعدون من صفير الرصاص ودوي المدافع بقدر ما يرتعدون منهم.»
Неизвестная страница