История национального движения в Древнем Египте: от зари истории до арабского завоевания
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
Жанры
مقدمة الكتاب
1 - الوحدة القومية والدولة القديمة
2 - الثورة الاجتماعية في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد
3 - الدولة الوسطى
4 - ثورة الشعب على الهكسوس وإجلاؤهم عن مصر سنة 1570 قبل الميلاد
5 - الدولة الحديثة: من الأسرة الثامنة عشرة إلى الأسرة الثلاثين
6 - أوج المجد: مصر في عهد تحوتمس الثالث، أو الأكبر
7 - إخناتون وثورته الدينية (1370-1349ق.م)
8 - رمسيس الثاني وحروبه الدفاعية: الأسرة التاسعة عشرة (1304-1195ق.م)
9 - الدفاع عن كيان مصر في عهد خلفاء رمسيس الثاني
Неизвестная страница
10 - تحرير مصر من الاحتلال الآشوري
11 - الغزو الفارسي وثورات الشعب عليه (سنة 525ق.م)
ملحق للفصول السابقة
12 - الإسكندر الأكبر في مصر وجلاء الفرس عنها (سنة 332ق.م)
13 - البطالمة في مصر وثورات الشعب عليهم (323-30ق.م)
14 - مقاومة مصر للاستعمار الروماني وعصر الشهداء
15 - الفتح العربي لمصر (سنة 640-642م)
مصادر التاريخ المصري القديم ومراجع البحث
مقدمة الكتاب
1 - الوحدة القومية والدولة القديمة
Неизвестная страница
2 - الثورة الاجتماعية في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد
3 - الدولة الوسطى
4 - ثورة الشعب على الهكسوس وإجلاؤهم عن مصر سنة 1570 قبل الميلاد
5 - الدولة الحديثة: من الأسرة الثامنة عشرة إلى الأسرة الثلاثين
6 - أوج المجد: مصر في عهد تحوتمس الثالث، أو الأكبر
7 - إخناتون وثورته الدينية (1370-1349ق.م)
8 - رمسيس الثاني وحروبه الدفاعية: الأسرة التاسعة عشرة (1304-1195ق.م)
9 - الدفاع عن كيان مصر في عهد خلفاء رمسيس الثاني
10 - تحرير مصر من الاحتلال الآشوري
11 - الغزو الفارسي وثورات الشعب عليه (سنة 525ق.م)
Неизвестная страница
ملحق للفصول السابقة
12 - الإسكندر الأكبر في مصر وجلاء الفرس عنها (سنة 332ق.م)
13 - البطالمة في مصر وثورات الشعب عليهم (323-30ق.م)
14 - مقاومة مصر للاستعمار الروماني وعصر الشهداء
15 - الفتح العربي لمصر (سنة 640-642م)
مصادر التاريخ المصري القديم ومراجع البحث
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة
من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
تأليف
Неизвестная страница
عبد الرحمن الرافعي
عبد الرحمن الرافعي. ولد في 8 من فبراير سنة 1889م، وتوفي في 3 من ديسمبر سنة 1966م.
مقدمة الكتاب
عندما كنت أؤرخ للحركة القومية في العصر الحديث، رأيت أن عظمة مصر القديمة - مصر الفرعونية - تستهوي الباحث لاستقصاء تاريخها، وخاصة حين طالعت ما نشره علماء الحملة الفرنسية منذ أوائل القرن التاسع عشر عن أمجادها ومفاخرها، وما رسموه في مجموعاتهم ومصوراتهم من آثارها الخالدة، ولقد كان هؤلاء العلماء أول من كشفوا عن هذه الآثار كشفا علميا، وكنت وأنا أطالع هذه الكشوف أتساءل: ألم تكن في مصر القديمة حركة قومية يصح أن تكون أساسا لتاريخها على غرار الحركة القومية في تاريخها الحديث؟ •••
لقد كنت موقنا بأن ما بلغته مصر القديمة من التقدم والحضارة والعظمة، لا بد أن يكون له أساس قومي هو عماد الحركة القومية، وهذا ما يقتضي البحث عنه وتدوينه، ولكني أرجأت هذا البحث حتى أستوفي تاريخ الحركة القومية في العصر الحديث، فلما أتممته بعون الله عاودتني فكرة التأريخ للحركة القومية في مصر الفرعونية. فأخذت أعيد النظر فيما كنت أقرؤه عنها، وأتعمق في دراسة المسائل التي تتصل بها، وأرجع إلى المصادر التي طالعتني بها قراءاتي السابقة وأزيد عليها مشاهداتي اللاحقة، وخلصت لي من ذلك كله صورة واضحة المعالم لهذا التاريخ أود أن أعرضها في هذا الكتاب، وإذا شاءت عناية الله فسأتبعها بصور أخرى للحركات القومية التي تعاقبت على البلاد حتى قبيل العصر الحديث. •••
والحركة القومية كما قصدتها وعنيتها، هي الجهود التي بذلها الشعب المصري بمختلف طبقاته في سبيل تكوين مصر الحرة المستقلة، والذود عن كيانها، والدفاع عن استقلالها، والثورة على كل من يعتدي على هذا الاستقلال ومقاومته بكل ما أوتيت من حول وقوة.
والتاريخ القومي للأمة لا يستكمل مداه إلا إذا كان مدروسا ومعروضا على ضوء الحركة القومية، فهي أساس وجودها، ومبعث نهوضها وتطورها.
وإذ كان هذا هو جوهر الحركة القومية، فأجدر بمصر القديمة أن يكون لها النصيب الأوفى والأول في هذا التاريخ. •••
فلقد كانت أسبق الأمم إلى تحقيق استقلالها، وتأسيس حكومة نظامية ترعى هذا الاستقلال وتضطلع بمقومات الحضارة منذ عصور متناهية في القدم، ولا غرو فتاريخها هو تاريخ الإنسانية.
ولقد حققت وحدتها القومية سنة 3200 قبل الميلاد، حين استطاع الملك «مينا» أن يضم الوجهين البحري والقبلي، ويجعل منهما دولة موحدة كانت أعرق الوحدات القومية ظهورا في التاريخ.
Неизвестная страница
ومن يومئذ تتابعت الأسرات الملكية في ظل الوحدة وسارت بالبلاد قدما إلى الأمام ، ولم يسكت الشعب عن ضيم أصابه، وظل طوال القرون يناضل عن استقلاله ويرد عنه كيد المعتدين والغاصبين، وهذا أول ما عنيت بإبرازه في صحائف هذا الكتاب.
يحصي المؤرخون الأسرات الملكية المصرية بثلاثين أسرة، يقسمونها إلى ثلاثة عهود هي: الدولة القديمة، تليها الدولة الوسطى، ثم الدولة الحديثة، وقد سرت على هذه التسمية في إبراز الحوادث الهامة التي لها علاقة بالحركة القومية. •••
ففي أواخر عهد الأسرة السادسة من الدولة القديمة، قامت ثورة اجتماعية شعبية ظهرت لها نتائجها وآثارها على تعاقب السنين.
وبسقوط الأسرة العاشرة بدأت الدولة الوسطى من الأسرة الحادية عشرة إلى السابعة عشرة، ثم تلتها الدولة الحديثة من الأسرة الثامنة عشرة إلى الأسرة الثلاثين.
وفي عهد الأسرة الثالثة عشرة رزئت البلاد بالغزو الهكسوسي الذي عصف باستقلالها، واستمر يعبث به ردحا من الزمن، ثم لم تلبث مصر أن نهضت من كبوتها وخاضت معركة الحرية، وطردت الهكسوس سنة 1570 قبل الميلاد على يد «أحمس» الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة. •••
وكان تحرير البلاد من الهكسوس قد غرس في النفوس روح القومية، وحفزها إلى غزو معاقلهم في فلسطين وسورية ولبنان، فشنت مصر عليهم وعلى حلفائهم في عهد الدولة الحديثة حروبا دفاعية بقيادة «تحوتمس الثالث» بطل معركة «مجدو» سنة 1479 قبل الميلاد، واستمرت هذه الحروب عدة سنين حتى اطمأنت مصر على كيانها، ومن ثم اتسعت رقعتها فامتدت حدودها من أعالي الفرات شمالا إلى الشلال الرابع على النيل جنوبا.
ثم ظهرت أطماع الدول المعادية لها وأخذوا ينتقصونها من أطرافها، وينالون من وحدتها، حين آنسوا منها ضعفا وانقساما في جبهتها الداخلية، فثبتت لهذه المحاولات، وامتاز عهد رمسيس الثاني بحروبه الدفاعية في سبيل حفظ كيان الدولة المصرية، وسار على نهجه خلفاؤه.
وتجددت الأطماع، واستطاع الآشوريون أن يغيروا على مصر ويحتلوها.
ثم لم يلبث الشعب أن أجلاهم عنها في عهد «أبسماتيك الأول»، وعادت لها حريتها واستقلالها. •••
وظلت على ذلك إلى أن نكبت سنة 525ق.م. بالغزو الفارسي، ولم يكن هذا الغزو الذي قاده قمبيز بمضيع كيان مصر أو مضعضع لمكانتها التي نالتها على تعاقب القرون. فإذا قارنا هذا الغزو بما أصاب الإمبراطورية الرومانية حين استهدفت في القرن الخامس بعد الميلاد لغزوات أقوام من الهمج انقضوا عليها فدمروها ودكوا معالمها ومزقوا أوصالها، نجد أن مصر على العكس قد صمدت للغزو الفارسي واحتفظت بكيانها وطابعها القديم، ولم تستسلم للمحتل المغير، بل ثارت عليه المرة بعد المرة، إلى أن جاء الإسكندر المقدوني يحارب الفرس ويصادق المصريين، فهزم دولة الفرس وقوض أركانها واستولى على عاصمتها. •••
Неизвестная страница
وهناك احتلالان قرأت في بعض كتب المؤرخين أن مصر القديمة استهدفت لهما، فقالوا عنها: إنها خضعت يوما للحكم الليبي، ويوما آخر للحكم الإثيوبي، ولم يكن قولهم هذا قرين الحق والصواب، فقد زعموا أن الأسرة الثانية والعشرين التي أسسها «شيشنق» في القرن العاشر قبل الميلاد هي أسرة ليبية أجنبية حكمت البلاد زمنا طويلا، والصحيح أن «شيشنق» هذا وإن كان من أصل ليبي، ولكنه تمصر ومن قبله تمصر أسلافه منذ عدة قرون، ومضت عليهم بعد أن تمصروا أجيال وأجيال فصاروا من صميم المصريين، وقد كان حكم «شيشنق» مصريا خالصا لمصر أعاد إليها بعض ما كان لها من عز وسؤدد، واحتل فلسطين واستولى على أورشليم (بيت المقدس) واستخلصها من اليهود، واستردت البلاد بفضل حملاته الموفقة نفوذها في آسيا، وورد اسمه في التوراة لمناسبة حروبه مع الإسرائيليين.
وقال بعض المؤرخين أن «يبعنخى» أسس في القرن الثامن قبل الميلاد الأسرة الخامسة والعشرين، ووصفوه ووصفوا أسرته بالإثيوبيين وزعموا أن إثيوبيا حكمت مصر في عهدهم.
والحق أن «بيعنخى» هو من النوبة لا من إثيوبيا، وأصل أسرته من كهنة طيبة الذين هاجروا إلى الجنوب، والنوبة جزء لا يتجزأ من مصر وفيها الآثار الخالدة للفراعنة التي يتحدث عنها العالم المتحضر كل حين، فهم إذن من صميم المصريين، فلا هم إثيوبيون، ولا النوبة من إثيوبيا، وأسرتهم مصرية لا شك في مصريتها، والقول بأن إثيوبيا حكمت مصر يوما يتعارض مع الحقائق التاريخية والجغرافية، وإطلاق اسم إثيوبيا على النوبة هو خطأ انساق إليه بعض الرحالة الإغريق. •••
ولئن كان الحديث عن مصر القديمة أو مصر الفرعونية ينتهي على أرجح الآراء بالغزو الفارسي؛ فتاريخ مصر الخالدة يقتضي أن أستطرد إلى ذكر الثورات المصرية التي شبت في وجه الفرس، ثم استمرار هذه الثورات في عهد البطالمة، ثم في عهد الرومان، إلى أن حررها الفتح العربي من الاحتلال الروماني سنة 641م/18ه وبه ينتهي هذا الكتاب.
وأرى من واجبي أن أنوه بفضل العلماء المصريين والأجانب الذين سبقوني إلى الكتابة في تاريخ مصر القديمة، وقد ذكرت بعض مؤلفاتهم في مراجع البحث اعترافا بفضلهم وتقديرا للجهود التي بذلوها لإنارة السبيل لمن يجيئون بعدهم، وإذا كان الموضوع الذي عالجته مقصورا على تاريخ الحركة القومية، فإن ما كتبوه واستقصوه كان شاملا لكل نواحي التاريخ، فلهم الفضل أولا وآخرا.
هذه نظرة عامة على الكتاب، قصدت منها التعريف به إجمالا، وسيجد القارئ في فصوله توضيحا لما أجملت وتفصيلا لما أوجزت.
والله ولي الهداية والتوفيق.
مايو سنة 1963م
عبد الرحمن الرافعي
الفصل الأول
Неизвестная страница
الوحدة القومية والدولة القديمة
تم على يد الملك «مينا» توحيد الوجه القبلي والوجه البحري وجعلهما دولة واحدة، وهذا العمل الجليل هو أساس الحركة القومية ونواتها، والغرض منه هو وحدة الوطن.
حدث هذا التوحيد حوالي سنة 3200 قبل الميلاد، فتأسست بذلك الدولة المصرية الموحدة، وكان «مينا» أول من حكم أرض مصر مجتمعة، وهو أول ملوك الأسرة الأولى.
1
كانت مصر قبل الوحدة مؤلفة من عدة ولايات أو أقاليم صغيرة، يحكم كلا منها أمير مستقل، ثم تكونت منها مملكتان: إحداهما تشمل الوجه البحري (أو مصر السفلى)، والثانية تشمل الوجه القبلي (أو مصر العليا).
وكان «مينا» من ملوك الوجه القبلي؛ نشأ في مدينة «طينة» (تينيس) بالقرب من العرابة المدفونة
2
بجوار جرجا.
وكان رجلا عظيما، يجمع بين الكفاية الحربية والمقدرة السياسية فاستطاع أن يخضع الوجه القبلي لحكمه، ثم تمكن من غزو الوجه البحري وضمه إلى ملكه، وألف من الوجهين القبلي والبحري دولة مصرية عظيمة كان هو أول الفراعنة الجالسين على عرشها، واتخذ «طينة » عاصمة لها، وكانت القوة سندا له في هذا العمل القومي المجيد.
ولا يغض من الوحدة أن القوة كانت سبيلها؛ فإن معظم الوحدات الهامة في التاريخ كان عمادها القوة، وكان الإرغام سبيلها إلى التقدم والعظمة، ولولا تأليف هذه الوحدات لظلت الأمم التي اتحدت فريسة الطامعين والمستعمرين.
Неизвестная страница
فالوحدة الألمانية قد تألفت بقوة بروسيا، والوحدة الإيطالية تمت أولا بقوة البيمونت، ووحدة الولايات المتحدة الأمريكية قد تدخلت فيها القوة لدوامها واستقرارها؛ إذ نشب القتال فعلا بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية في القرن التاسع عشر بعد الميلاد، وأرادت الولايات الجنوبية أن تنفصل عن الشمالية، فلم تقبل الولايات الشمالية هذا الانفصال، وفي سبيل الوحدة حاربت الولايات الجنوبية حربا استمرت أربع سنوات، من سنة 1861م إلى سنة 1865 ميلادية، وانتهت بانتصار الولايات الشمالية على الجنوبية، وبذلك استقرت وحدة الولايات المتحدة الأمريكية، فالقوة كان لها الفضل الأكبر في بناء هذه الوحدة.
ولقد أحرز «مينا» شرف توحيد الدولة وتشييد دعائم القومية المصرية، ولولا هذا التوحيد لظلت مصر مفككة الأجزاء، يحارب بعضها بعضا ويطمع فيها الأقوياء.
كان هذا الحادث عملا قوميا رائعا، جعل من مصر دولة موحدة متماسكة مرهوبة الجانب، تسير بالبلاد في سبيل التقدم والحضارة والمتعة.
ولا يقل هذا التوحيد شأنا عن الوحدات التي تمت في التاريخ الحديث كالوحدة الألمانية، أو الوحدة الإيطالية، أو الوحدة الأمريكية (الولايات المتحدة).
كانت هذه الوحدة هي البداية الحقيقية للأسرات الملكية التي صارت عنوانا لمصر القديمة وتاريخها المجيد.
وقد أحصى المؤرخ المصري مانيتون
3
هذه الأسرات بثلاثين أسرة.
والأسرة الأولى - أسرة «مينا» وخلفائه - هي أول أسرة حكمت مصر مجتمعة موحدة. (1) تأسيس مدينة منف
تولى «مينا» شئون الدولة الموحدة وأدارها إدارة حكيمة حازمة، وظلت تينيس (طينة) عاصمة الدولة الموحدة.
Неизвестная страница
على أنه أراد أن يقترب من الوجه البحري ليكفل الإشراف عليه وحسن إدارته، فأنشأ مدينة منف
4
أو منفيس كما يسميها اليونانيون.
وبدأ بإقامة قلعة اشتهرت باسم «القلعة البيضاء»، التي صارت نواة للمدينة التاريخية العظيمة التي عرفت باسم «منف»، واتخذها مركزا لإدارة الدلتا وموقعا حربيا هاما.
وفي سبيل إنشائها أقام جسورا لتجفيف بعض المناطق التي كان يغمرها الفيضان شرقي موقعها، وكان النيل يجري لجهة الصحراء الغربية، وتخلف عن هذا العمل فضاء واسع أنشأ به المدينة الجديدة، وأقام حولها جسرا هو المعروف الآن بجسر «قشيشه».
ولا ريب أن إقامة الجسور على مجرى النيل يدل على مبلغ تقدم المصريين في العلوم الهندسية.
يقول المؤرخ برستد
Breasted : إن الفضل في رقي القطر المصري في عهد الأسرات الأولى، الذي يقدر بحوالي أربعة قرون، يرجع إلى ضم سائر جهاته تحت حكم الملك «مينا» وسلالته، الذين اتخذوا مركزهم في بادئ الأمر بمدينة «طينة»، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى منف - منفيس - وارتقت في هذه المدة حضارة البلاد وزاد عمرانها وقوي نفوذها، فسمى الأثريون هذا العهد (الدولة القديمة)، وصارت مدينة «منف» عاصمة البلاد في عهد ملوك الأسرات الثالثة إلى السادسة الذين تربعوا في دست الحكم قرابة خمسة قرون سنة 2980 إلى سنة 2475 قبل الميلاد تقريبا.
5
ويقول الدكتور أحمد بدوي عن تطور حياة مصر وسياستها بعد الوحدة: «أخذت النظم السياسية تتطور منذ أيام الاتحاد، فهي قد كانت مقبولة على التطور مدفوعة إليه دفعا قويا، وأخذت قوة السلطان الجديد التي أقامت راية الاتحاد ورفعتها تجمع في يدي صاحبها عنصرين أساسيين من عناصر النظام والسياسة والإدارة التي كانت تتبع في قطري الوادي (الوجه البحري والوجه القبلي) قبل أيام الاتحاد، وما ندري ماذا قدر «مينا» وأصحابه من تطور لأنظمة هذه المملكة المتحدة، فهم كانوا أصحاب الغلبة وأرباب النصر والسلطان، ومن حق الغالب أن يأخذ المغلوب بنظامه وأن يفرض سلطانه عليه فرضا، ولكن «مينا» وأصحابه فيما يظهر قد رأوا عند أهل الشمال (الوجه البحري) من مظاهر الحضارة ومن النظم السياسية المستقرة ما أعجبهم فأبقوا عليه وأخذوا بها وأقروها، ولعلهم قدروا أيضا ما قد يكون لعملهم هذا من أثر في إرضاء خواطر المغلوبين وتطييب نفوسهم مما ينسيهم مرارة الهزيمة وذل الانكسار، فجمعت راية الاتحاد دولتين عظيمتين إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال، وأخذت الأمور تجري بكل من الدولتين على سنتها الخاصة ومنهاجها القديم، فنظام للجنوب ونظام للشمال، وإدارة للجنوب وإدارة للشمال، ووزير للجنوب ووزير للشمال، وسلطان واحد فوق هذا كله يدبر الأمر من القصر فيشقى بذلك كله، ويعالج مشاكله ويعاني متاعبه وربما يلقى من ذلك ألوانا من العنت والمشقة.»
Неизвестная страница
6 (2) الحضارة المصرية قبل الوحدة
إن الحضارة المصرية أسبق من الوحدة، وكانت ولا ريب من أسبابها الممهدة لها، وجاءت الوحدة تثبيتا لها وتوسيقا لآفاقها.
بدأت الحضارة الإنسانية في وادي النيل، نشأت على ضفافه منذ عصور متناهية في القدم، ولا سبيل إلى تحقيق الزمن الذي بدأت فيه.
وأقرب الآراء إلى التقدير الوسط أنها ترجع إلى حوالي سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.
وهي على أي تقدير سابقة على الوحدة، وسابقة على عهد الأسرات الملكية الذي جاء نتيجة مباشرة لرقي وتقدم تدريجي في حضارة الزمن السابق.
دخلت الحضارة مصر بجريان النيل فيها، فهي وليدة النيل، وهو مصدر الحياة والخير لها، والماء الذي يتدفق منه كل عام في أوقات معلومة يجلب معه الرخاء والرفاهية ويغرس فيها أصول الحضارة، وما يحويه من الطمي يهب الأرض خصوبة وإنتاجا، ولقد استشعر المصريون من قديم الأزل أن لا بد لهم من حكومة ونظام للري والأمن، يسهران على الاستفادة من مياه النيل بشق الترع والقنوات، وتقوية جسور النيل وإنشاء السدود وحفظ الأمن، وتوزيع الماء بين الناس بالعدل والقسطاس، وابتكار هندسة الري من أقدم العصور، وخاصة لأن مصر لا تعيش على الأمطار ولا تعتمد في حياتها المعاشية والاقتصادية إلا على النيل، فشعور المصريين بأنهم في حاجة إلى حياة متقدمة منظمة جعلهم أسبق الأمم إلى إيجاد مقومات الحضارة في بلادهم، هذا إلى ما طبعوا عليه من المواهب الفطرية، والاعتدال في المزاج، وحب الوطن والدفاع عنه والميل إلى التقدم في أسباب المعيشة، والبعد عن حياة الهمجية والضراوة؛ ولذلك مارس المصريون القدماء قبل عهد الأسرات الملكية مبادئ الحضارة، كالزراعة والصناعة واستخراج المعادن وقطع الأحجار، والملاحة والتجارة، وبناء السفن والآداب والفنون، وما إلى ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن طبيعة مصر الجغرافية، وانحصار الوادي المسكون بين صحراوين كبيرتين جعل أهلها أقرب إلى التعاون والتضامن على تنظيم شئونهم.
وهذه النواحي كلها كان لها أثرها في سبقها الأمم الأخرى إلى الحضارة والتنظيم. (3) المصريون أول من اكتشفوا التقويم السنوي
يقول العلامة برستد
Breasted
Неизвестная страница
في عرض الحديث عن العصر السابق للوحدة: إن مملكة الوجه البحري امتازت على الوجه القبلي بسرعة تقدمها في الحضارة؛ وقد ألهمت في سنة 4241 قبل الميلاد أن السنة الشمسية تتكون من ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وهذا التاريخ - أي سنة 4241 قبل الميلاد - هو أقدم تاريخ ثابت معروف للآن على ظهر البسيطة.
7
ويقول توضيحا لذلك: إن سكان الوجه البحري تنبهوا في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد
8
إلى أن السنة الشمسية تتكون من ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وأرخوا مبتدئين بالسنة التي ظهر فيها نجم الشعرى اليمانية مع شروق الشمس، ودلت المباحث الفلكية على أن هذا الحادث حصل حوالي سنة 4241 قبل الميلاد، ويعتبر هذا الكشف الميقاتي واستعماله في الشئون الدنيوية خطوة كبيرة نحو الرقي، وشرفا عظيما للوطن الذي كشف فيه، ولم تستكشف دولة من دول العالم منذ أقدم الأزمنة حتى مبدأ العصر الأوربي المتوسط توقيتا سنويا مثله، وأن يوليوس قيصر عاهل الرومان هو أول من أدخل التوقيت المصري إمبراطوريته ثم عم استعماله العالم. من ذلك يتضح أن استعمال التوقيت المصري عمر مدة ستة آلاف سنة تقريبا، وأن الفضل في ذلك يرجع إلى سكان الوجه البحري الذين عاشوا في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد.
9
ويقول عن الحضارة المصرية عامة: لا يخفى أن العالم الغربي مدين بكثير من علومه وآدابه إلى أهالي وادي النيل، كيف لا وهم الذين زودوا أوروبا الجنوبية بالمدنية والمعارف، فأخذت هذه تنتشر شمالا متبعة سير النيل إلى أقاليم البحر الأبيض المتوسط.
10 (4) وأول من اكتشفوا القراءة والكتابة
ويقول برستد أيضا: «وزيادة على ما بلغه هؤلاء القدماء من مبادئ المدنية والرقي؛ فإنهم نجحوا في اختراع الكتابة والقراءة، واستدل من المباحث التي عملت لكشف طريقة التوقيت المصرية على أن قدماء المصريين استعملوا الكتابة منذ نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وأن كتاب الأسرة الخامسة الذين أتوا بعد ذلك بألف سنة دونوا طائفة كبيرة من أسماء ملوك الوجه البحري وبعض ملوك الوجه القبلي من الذين يرجع تاريخهم إلى ما قبل حكم الأسرات، ودليلنا على ذلك أن الخط الهيراطيقي كان مستعملا في مبدأ الأسرة الأولى، وهو كما لا يخفى اختزال للخط الهيروغليفي.»
وقال في موضع آخر: «والفضل في كشف حروف الهجاء يرجع إلى قدماء المصريين الذين توصلوا إلى معرفتها، منذ نحو ألفين وخمسمائة سنة قبل سائر الأمم.»
Неизвестная страница
11
ويقول جون ويلسن
John Wilson : إن الكتابة قد ظهرت في مصر في فترة الانتقال بين عصر ما قبل التاريخ والعصر التاريخي، وإن الكتابة الهيروغليفية في مصر ظهرت على الحجر وعلى الطين، وقد استكملت نظام جمع الكلمتين لاستعمال نطقها في كلمة واحدة، ولكن جمع الصور التي وجدت طريقها إلى الكتابة الهيروغليفية كانت كلها صورا مصرية بحتة.
12 (5) الأسرتان الأولى والثانية (سنة 3200-2780 قبل الميلاد)
قلنا إن الملك «مينا» وحد الوجه البحري والوجه القبلي سنة 3200ق.م فهو أول من أسس الوحدة القومية وأسس الأولى، وقد استمر ملوك الأسرة الأولى نحو 200 سنة (من 3200 إلى 3000ق.م).
والأسرة الثانية حكمت نحو 200 سنة أيضا (من 3000 إلى 2780ق.م)، وكانت طينة (تينيس) عاصمة الدولة في عهد هاتين الأسرتين.
وليس معروفا على وجه التحقيق لماذا خلفت الأسرة الثانية الأسرة الأول.
وليس معروفا أيضا إذا كانت هناك صلة بين الأسرتين.
وقد اقتصر المؤرخون على إيراد أسماء الملوك كما ذكرها مانيتون، وما ورد في الآثار المصرية.
واقترنت مدة حكم هاتين الأسرتين بنمو مطرد في قوة الدولة وحضارة مصر.
Неизвестная страница
ونظم ملوك الأسرتين الحكم ورتبوا السلطات المركزية، ونشطوا الزراعة والتجارة والملاحة والمراعي، ورقوا فن الكتابة، ونهضوا بالصناعة وبالنحت وعمارة البناء والهندسة والعلوم عامة.
وظلت الوحدة القومية رائدهم في سياسة المواطنين.
يقول برستد في هذا الصدد: «أسس الفراعنة الطينيون (نسبة إلى طينة) بناء المملكة المصرية، ورقوا أخلاقها ومدنيتها، ورغما عن قلة آثارهم فإن أعمال ملوك الأسرتين الثالثة والرابعة كافية لإثبات ما بلغته حالة البلاد الاقتصادية من العظم والقوة مدة حكمهم.»
13 (6) الأسرة الثالثة (2780-2680 قبل الميلاد)
اتخذ الملوك في عهد الأسرة الثالثة مدينة «منف» عاصمة لهم.
وفي مدة خمسة قرون تقريبا من الأسرة الثالثة إلى الثامنة كانت «منف» عاصمة المملكة. (6-1) زوسر
ومؤسس الأسرة الثالثة هو «زوسر».
وقد بنى هرم صقارة المدرج ومساحته مع ملحقاته 450 مترا × 370 مترا، ويقول عنه الدكتور أحمد بدوي: «ولو لم يكن لمصر يومئذ من مظاهر الحضارة غير عمارة الهرم المدرج وما أخرجت يد البناء فيها من روائع الفن لكفى، فهي أكبر بناء حجري عرفه تاريخ الإنسانية في ذلك الوقت.»
14
وقد صحب انتقال الحكم من «طينة» إلى منف تقدم تدريجي في الحضارة، وتحسين مطرد في أحوال البلاد طوال حكم الأسرات المنفية الذي دام حوالي خمسمائة عام.
Неизвестная страница
شكل 1-1: هرم زوسر المدرج بسقارة.
بذل الملك «زوسر» جهودا موفقة لحماية البلاد من غارات البدو ممن حدثتهم أنفسهم بالتسلل من الحدود الشرقية والجنوبية لمصر؛ وأنشأ لمصر قوة حربية يعتمد عليها في صد الغارات الخارجية.
وضم إليها جزءا من النوبة.
وعني باستخراج النحاس والفيروز من سيناء. (6-2) إيمحوتب
Imhoteb : أبو الطب في مصر والعالم
وكان لزوسر وزير حكيم يدعى «إيمحوتب» عاونه على نهضة البلاد الاجتماعية والاقتصادية، وكان إيمحوتب هذا مهندسا معماريا من الطراز الأول، ونبغ في الطب وألف فيه، كما ألف في الحكمة.
وقد عرف «زوسر» قدر وزيره فكرمه بأن نقش اسمه على تماثيله، وهو تكريم لم يسبق لملك أن كرم أحدا بمثله، وكرمه المصريون بأن خلدوا اسمه، وهو أول مهندس معماري في تاريخ مصر يشيد قبرا يشبه الهرم في شكله العام،
15
وهو الذي بنى لزوسر هرمه المدرج.
وقد ذكره المؤرخ المصري مانيتون، وقال عنه إنه عاش في عهد زوسر، وإن الإغريق يعتقدون أنه شبيه باسكليبسوس إله الطب عندهم لمهارته في الطب، وأنه كان يقبل إقبالا كبيرا على التأليف.
Неизвестная страница
وكان إيمحوتب فردا من أفراد الشعب، ولم تكن له صلة عائلية بالأسرات المالكة، بل ميزه نبوغه وعبقريته ونشأته الشعبية، فتبوأ مكانا رفيعا في التاريخ المصري، وهو جدير بأن يلقب بأبي الطب في مصر والعالم؛ لأنه سبق أبقراط بعدة قرون.
16
ومما قاله عنه برستد: إن الفضل في نجاح سياسة زوسر يرجع إلى حكمة ودهاء وزيره «إيمحوتب» الذي برع في الدين وفي الطب والعمارة، حتى ترك له اسما خالدا في التاريخ المصري على مدى العصور، ثم اتخذه الكتاب المصريون مثالا يحتذونه في حياتهم العلمية فصبوا مداد محابرهم تيمنا بذكره قبل البدء بأعمالهم الكتابية، وترنم الناس بأمثاله في مدى قرون عدة، وعلت منزلته وعظمت، فاعتبر في آخر التاريخ القديم إله الطب.
17
وقد ثبت في بردية إدوين سميث التي تعد أقدم رسالة علمية في الجراحة، مدى اهتمام المصريين القدماء بالطب في عصر بناة الأهرام، وكذلك علمهم بالتشريح.
18 (7) الأسرة الرابعة: بناة الأهرام (2680-2560 قبل الميلاد)
من الحق أن ندرج «زوسر» ضمن بناة الأهرام، فقد بنى هرمه المدرج كما أسلفنا.
ثم جاءت الأسرة الرابعة وكانت مدة حكمها نحو مائة سنة، نذكر هنا أهم ملوكها وهم: (7-1) سنفرو
Senefrou
هو مؤسس الأسرة الرابعة وأول ملوكها.
Неизвестная страница
كان ملكا كبير الهمة، وله أعمال عمرانية عظيمة، فقد واصل استخراج النحاس والفيروز من شبه جزيرة سيناء، ووطد سلطة مصر في تلك الناحية حتى اعتبر في العصور التالية المؤسس الأكبر للنفوذ المصري بسيناء، وسمي باسمه أحد مناجم تلك الجهة.
وبعد أن مضى على وفاته ما ينيف على ألف سنة افتخر الملوك المصريون بأن مشروعاتهم بسيناء فاقت كل مشروعات عملت هناك منذ عهد الملك سنفرو، قام بتحصين حدود مصر الشرقية، وعمل على توسيع المعاملات التجارية بين مصر وشواطئ سورية ولبنان، وسار بحملة منظمة إلى بلاد النوبة وعاد منها بمغانم كثيرة، وبدأت العلاقات بين القطرين «مصر والنوبة» تأخذ مظهرا جديدا؛ إذ بدأ المصريون يرسلون منتجاتهم دون عائق إلى النوبة كما أخذ ملوك مصر يستغلون المحاجر فيها.
عني بإنشاء أسطول بحري لمصر.
وأرسل بعثة من أربعين سفينة إلى سواحل لبنان لاستيراد أخشاب الأرز من هناك، وبنى من هذه الأخشاب سفنا كثيرة استعمل بعضها في النيل وبعضها الآخر في البحر، واستخدمت هذه الأخشاب أيضا في مباني المعابد والقصور وصنع الأثاث الفاخر والتوابيت.
وفي عهد أسرة «سنفرو» أنشئت إدارة لبناء السفن كانت تشرف على تشييدها.
وقد بنى «سنفرو» هرمين له في دهشور، وهما من أقدم الأهرام المعروفة حتى الآن.
وكان ملكا عادلا محبوبا من الأهلين، ودام حكمه أربعا وعشرين سنة. (7-2) خوفو
هو أحد أبناء سنفرو
19 (خلافا لما جاء في برستد).
وقد خلد ذكره بالهرم الأكبر الذي يعرف باسمه (هرم خوفو)، والذي شيده على هضبة الجيزة.
Неизвестная страница
وهو أكبر وأضخم الأهرام الموجودة في مصر، يبلغ ارتفاعه 146 مترا ونصف متر، أما قاعدته فمربعة الشكل، ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعها نحو 230 مترا، وعدد أحجاره نحو 2300000 حجر، وزن كل منها في المتوسط 2,5 طن، أي إن مقدار وزن الهرم يبلغ نحو ستة ملايين طن.
وكان العدد الكبير من المصريين يعملون في بناء الهرم، ويشتغلون في بنائه طول مدة الفيضان، أي حين خلوهم من أعمال الزراعة في فترة فيضان النيل.
وقد كتب علماء الآثار كثيرا عن هذا الهرم وعن الأهرام الأخرى.
والهرم الأكبر هو موضع إعجاب الدنيا وحديث الناس في شتى القطار، يقصدونه كل حين لمشاهدة ضخامته وعظمته الباقية على الزمن، رغم انقضاء نحو خمسة آلاف سنة على تشييده.
وكل من يأتون إلى مصر من الأجانب سواء من العلماء أو من الأشخاص العاديين، يقصدون الهرم الأكبر والأهرام الأخرى لمشاهدتها، ويتملكهم الإعجاب بها وتروعهم عظمة من شيدوها.
شكل 1-2: خوفو، باني الهرم الأكبر.
شكل 1-3: الهرم الأكبر بالجيزة «هرم خوفو».
وحسبك أن هذه الأهرام - أهرام الجيزة - اعتبرت منذ العهد الإغريقي ضمن عجائب الدنيا السبع، أما الآن فهي البقية الباقية من هذه العجائب، وهي أعظم مجموعة أثرية، وأقدم المباني العظيمة في العالم، ومفخرة خالدة لمصر مدى التاريخ.
ومهما قيل عن الأهرام من أنها تدل على أنانية الملوك الذين شيدوها لتكون مقابر لهم واستبدادهم بالأهلين في إقامتها، فإنها ولا ريب رمز لتقدم الحضارة في ذلك العصر، ودليل خالد على ما وصل إليه المصريون من المكانة الرفيعة في العلوم والفنون، وخاصة العلوم الهندسية والرياضيات، وضبط الزوايا والأبعاد، والنحت، والنقش والتصوير، وفن العمارة وضخامة البناء وروعته.
وقد ذكر المؤرخ اليوناني «هيرودوت» حين زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، أن بناء الأجزاء السفلى من الهرم الأكبر والممرات الصاعدة قد استغرق عشر سنوات، وأن بناء الهرم نفسه قد استغرق عشرين عاما. ومعنى ذلك أن تشييد الهرم بجميع أجزائه قد استغرق ثلاثين عاما، وأن عدد العمال الذين ساهموا في بنائه بلغ مائة ألف عامل كانوا يعملون في جماعات تتناوب العمل كل ثلاثة أشهر.
Неизвестная страница
وقد سمع «هيرودوت» هذه الرواية من صغار الكهنة بعد مرور أكثر من ألفي سنة على الهرم.
وهي روايات يجب أن تقابل بالتحفظ والحذر، وأساسها ما تلقاه من الرواة من أن الأحجار التي بنى بها خوفو الهرم الأكبر كانت تجلب من محاجر الجهة الشرقية للنيل (محاجر طرة)، فكان العمال ينقلونها عبر النيل إلى الجيزة، فتحتاج إلى جهود مضنية لنقلها.
وقد نفى الأستاذ «سليم حسن» هذه الرواية؛ إذ أثبت أن أحجار هرم خوفو هي من أحجار الهضبة التي أقيم عليها، وقال إن هذا يثبت خطأ «هيرودوت» في زعمه أنها كانت تجلب من محاجر الجهة الشرقية من النيل، وقال أيضا إنه عثر في منطقة الأهرام على مساكن للعمال الذين كانوا يقومون بالبناء
20
وهذا يدل على أنهم كانوا يعاملون معاملة إنسانية.
وقال عن طريقة رفع الأحجار لبناء الهرم: إن العالم ظل إلى زمن قريب جدا يعتقد أن المصريين القدماء كانوا يبنون المزالق لجر الأحجار عليها، ولكن الكشوف الحديثة برهنت على أن المصريين كانوا قد وصلوا في ذلك العصر إلى استعمال «البكر» لرفع الأحجار، وأنه قد عثر في حفائر الجامعة المصرية على بكرتين: إحداهما وجدت بجوار الهرم الثاني، والأخرى عثر عليها في أحد بيوت مدينة الأهرام التي كشف عن جزء منها، وأنه يتضح من كل ذلك «أن أجدادنا المصريين كانوا قد وصلوا إلى مدى عظيم في فن البناء واستخدام قوى الطبيعة.»
21
شكل 1-4: الأهرام الثلاثة بالجيزة كما تشاهد من الجهة الجنوبية الغربية. هرم خوفو (الهرم الأكبر)، ثم هرم خفرع، ثم هرم منكاورع.
هذا ويجب ألا ننسى أن بناء الأهرام يرجع إلى العقيدة الدينية التي كان يدين بها المصريون الأقدمون في أن حياة الإنسان لا تنتهي بموته، بل إنه سيبعث بعد رحيله عن الدنيا، ويحاسب على أعماله في الآخرة.
هذه العقيدة هي التي أوحت إلى الفراعنة بناء الأهرام لتخلد فيها أرواحهم.
Неизвестная страница
وهي في جملتها عقيدة صحيحة، وإذا كان الفراعنة قد خرجوا بها عن بساطتها إلى ذلك التعقيد في الفهم والتكييف، فيلزمنا ألا نحكم عليها بأفكارنا الحالية بل علينا أن نزنها بتفكير العهود القديمة التي نشأت فيها.
وعقيدة الحياة بعد الموت هي في جوهرها دليل على تقدم في الحضارة والتفكير، ولولا العقيدة في خلود الروح لما شيد أسلافنا الأقدمون هذه الآثار الضخمة التي صارت مع الزمن من مفاخر مصر الخالدة.
ومما ينفي الأنانية عن الفراعنة، ويدل على أنها لم تكن الملهمة لهم ببناء الأهرام، أننا لو فتشنا عن القصور التي بنوها لتكون سكنا لهم وموطنا لمسراتهم وعزهم، لما وجدناها تحاكي الأهرام في ضخامتها وروعتها، فلقد درست هذه القصور وعفت آثارها ولم تخلد على الزمن مثلما خلدت الأهرام.
وهذا يدلنا على أن الأثرة والأنانية لم يكن لهما دخل في بناء الأهرام، بل إن قوة العقيدة الدينية والإيمان بالحياة الأخرى كانا الباعثين لبنائها وخلودها. (7-3) خفرع
Khefhren : باني الهرم الثاني
ولما توفي خوفو خلفه على العرش ابنه ددف رع، وقد بنى له هرما في أبي رواش، وبعد وفاته خلفه أخوه خفرع، وهو ابن آخر لخوفو.
وخفرع هو باني الهرم الثاني بالجيزة في الجنوب الغربي من هرم خوفو، وقد بناه على غراره وإن كان لا يدانيه في الضخامة والارتفاع، وحافظت الدولة المصرية في عهده على تقدمها وعزها كما كانت في عهد خوفو.
شكل 1-5: خفرع، باني الهرم الثاني بالجيزة. وخلف رأسه المعبود حوروس في شكل الصقر المقدس حاميا بجناحيه رأس الملك. (7-4) منكاورع
Mycerinos : باني الهرم الثالث
وبعد وفاة خفرع أعقبه ابنه منكاورع باني الهرم الثالث.
Неизвестная страница