История арабских завоеваний во Франции, Швейцарии, Италии и странах Средиземноморья
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Жанры
172
وكان عبد الرحمن هو البادئ بالمناجزة فاستمرت المعركة مدة طويلة، قبل أن يترجح النصر للإفرنج، ولما رأى عبد الرحمن الخلل قد ابتدأ يظهر في صفوفه ألقى بنفسه في وسط المعمعة يصطليها بيده، ودخل حتى بين صفوف الأعداء أنفسهم، يغامر مغامرة الجندي الذي هو من عرض الجند، إلى أن خر هناك صريعا، فلما رأى العرب مصرع قائدهم الأكبر نزل بهم الرعب ونكصوا على أعقابهم وبنكوصهم خمدت جمرتهم وسقط في أيديهم، فأذرع الإفرنج فيهم القتل وطرحوا منهم بالعراء ألوفا وما زالوا يعملون في أقفيتهم السلاح إلى «أربونة».
173
فلما وصل خبر هذه الفاجعة إلى الأندلس وإلى إفريقية زلزل المسلمون زلزالا شديدا، وعم الحزن واشتد البث ولبس المسلمون أثواب الحداد، فأسرع أمير إفريقية بإرسال عبد الملك بن قطن الفهري، خلفا لعبد الرحمن الغافقي، وأنفذ معه جيشا من خيل ورجل وبعث إلى الخليفة بدمشق يعلمه بفاجعة بلاط الشهداء وقتل الأمير عبد الرحمن الغافقي وبأنه أنفذ عبد الملك الفهري مكانه وجرد معه جيشا، فوافق الخليفة على عمل عامله وشمر للأخذ بالثأر وأمر بغزو بلاد فرنسة وأخذها بالسيوف من كل ناحية، فسار عبد الملك الفهري وفي نيته أن يأخذ بذحل المسلمين ويجبر الكسر الذي وقع، ولكن هيهات فقد كان بلغ بالمسلمين اليأس مبلغه، وذهب كل كلام القائد في استنهاض هممهم سدى، وسار منهم مع عبد الملك جيش إلى فرنسة لكنهم ساروا بصدور غير منشرحة وآمال غير منفسحة، وكيف يقاتل جيش تعوزه القوة المعنوية، فانهزم جيش عبد الملك في جبال «البيرانه».
وأخيرا أرسل الخليفة مكانه عقبة بن الحجاج (السلولي)، وكان اشتهر ببسالته وحسن تدبيره في حرب البربر بإفريقية فوصل إلى الأندلس، وانتعشت به الآمال بما كان عليه من زكاء السيرة والعدل وسداد التصرف، فبدأ بعزل العمال الذين عسفوا الرعية وحبس الذين غلوا من أموال الدولة أو قاموا بجبايات غير شرعية، وانتصر للضعفاء واقتص لهم من الأقوياء، وأمر الولاة بتجنيد فرق من الجند أرصدها لاستئصال قطاع الطرق، وأسس كثيرا من المدارس والمساجد على نفقة الدولة، وخصص لها الخدمة الكثيرين، وكان لا يميز في المعاملة بين أصناف رعيته، وبالإجمال فقد كان عقبة هذا كامل العدالة تام الرجولية لا يجد قائل فيه مطعنا، ثم نظر في سيرة سلفه عبد الملك الفهري فلم يجد عليه ما يؤاخذه به، فجعله أميرا على الخيالة، وأرسله إلى الثغر، وكان في نية عقبة أن يزحف إلى فرنسة بجيش جرار
174
امتثالا لأمر الخليفة، ولكن لما وصل إلى «سرقسطة» جاءه الخبر بأن البربر في إفريقية ثاروا عودا على بدء، وأمره أمير إفريقية بأن يتولى قيادة الجيش الثائر للتنكيل بهم وأن يعبر البحر إلى طنجة، وهكذا اضطر عقبة أن يعدل عن غزو فرنسة وأجاز إلى طنجة واشتدت به عزائم العرب في إفريقية.
وكانت هذه الواقعة سنة 737 مسيحية وفق سنة 120 هجرية، وفي آخر هذه السنة توفي «بيلاي» بطل «أستورية» الذي كان هو وحده بنفسه نواة المقاوة بما بقي من قوة الإسبانيول في وجه العرب بعد أن استصفى هؤلاء جميع إسبانية وأخنوا على ملك المسيحيين بها، فإنه بطائفة قليلة من رجاله لم يزل يفر في جبال «أشتورية» من صخرة إلى صخرة إلى أن اعتصم بمغارة جعلها مركز قوته المنيعة، ولم يبرح معتصما بذلك الغار يشن منه الغارات على الأطراف القريبة منه، وهو بمنجاة من العرب، حتى وسع رقعة إمارته، وما زالت تتسع شيئا فشيئا إلى أن صارت إمارة مذكورة ثم مملكة ثم تغلبت هذه المملكة بعد عدة قرون على جميع إسبانية وأخرجت العرب من كل أوربة، وسنذكر في الجزء التالي جميع ما يتصل بنا علمه من خبر «بيلاي» هذا، وكيفية نشوء إمارته ونمو أعقابه إلى أن استرجعوا جميع وطنهم بعد ثمانية قرون، ولنعد الآن إلى تاريخ «رينو» عن غزوات العرب في فرنسة، ولنمهد لكلامه بما يلي:
واقعة بلاط الشهداء
قبل الدخول في شرح هذه الواقعة وأسبابها وما قيل فيها أرى أن أترجم للقارئ بطلي هذه المعركة عبد الرحمن الغافقي العربي و«شارل مرتيل» الإفرنجي الذي يسميه العرب «قارلة» وأذكر خلاصة خبرهما، فيكون ذلك أعون على فهم الواقعة والحوادث التي أدت إليها ونشأت عنها. «فشارل مرتيل» هو ابن «ببين ديريستال»
Неизвестная страница