كنا نود ألا يجري القلم سريعا، وكنا نود أن نبحث شوقي في هوادة وتؤدة، وأن نبحث على الأخص ما يدعيه له الكثير من النقاد إذ يقولون: إنه مبتكر في المعاني والأساليب، والحقيقة أنه لم يبتكر شيئا جديدا، ولم يغن دولة الشعر العربي بطريقة جديدة تضع بين القدماء والمحدثين فاصلا كما فعل هوغو في الشعر الفرنسوي أو بيرون وتنيسون في الشعر الإنجليزي، في حين أنه أقدر شعراء هذا العصر على مثل هذا الابتكار، فإن إلمامه باللغة الفرنسوية وبآداب الفرنسويين كبير حتى إننا نعجب كيف أن قليلا من المعاني التي نظن أنها من ابتكاراته، كقوله في توت عنخ آمون وهو يخاطب الشمس:
تعينين الموالد والمنايا
وتبنين الحياة وتهدمينا
إنما هي مستمدة من الشعر الإنجليزي، ومن خيال شيلي الشاعر المعروف. على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى نقص آخر قد نراه أنكى من النقص الأول، فإن أكثر قصائد شوقي المشهورة بين الناس عبارة عن أبيات لا يجمع بينها من شيء إلا أن شوقي نظمها، فالقصيدة عند شوقي عبارة عن حلقات منفصلة غير متصلة، وليست كلا واحدا متلائم النواحي مترابط الأجزاء، وفي استطاعة كل أديب أن يرتب أكثر قصائده ترتيبا جديدا بحيث يمكنك بعده أن تقرأ القصيدة عكسا وطردا من غير أن يلتبس عليك معنى واحد من المعاني التي رمى إليها الشاعر، ومن غير أن يستبهم عليك أنها من صناعة شوقي بل ومن روحه، فالفكرة عند شوقي غير متصلة، بل إن شئت فقل: إن في كل بيت من أبياته فكرة وفي كل منها معنى، غير إن أعجب العجب أن هذه الفكرات وتلك المعاني في مجموعها لا تكون كلا متلائم النواحي متصل الأجزاء، ولست أدري بأي شيء نسمي هذه الظاهرة: أهي نبوغ وعبقرية، أم لازمة من لوازمه، إن لم تكن ضرورية لرفعه فوق مستوى الشعراء، فلا أقل من أن نعتبرها من خاصياته الغريبة.
وأغرب ما في شوقي ضعف الكثير من مطالع قصائده، وأنت إذا أردت أن تحلل مطالع الكثير من نظمه ما استطعت أن تمضي في حكمك عليه كنابغة الشعراء في هذا العصر من غير أن يستوقف نظرك مطالع آية أخرى في الروعة والجلال، على أن الفارق بين ما يروعك جماله وبين ما يروعك قبحه كبير ، لهذا نمضي في هذه المقارنة قليلا لنظهر هذه الصفة إظهارا جليا.
قارن مثلا بين قوله:
قفي يا أخت يوشع خبرينا
أحاديث القرون الغابرينا
وقس ما في هذا المطلع من روعة على قوله:
أبا الهول طال عليك العصر
Неизвестная страница