وقال القاضي السعيد أبو الحسن علي ابن القاضي المؤتمن بقية الدولة أبي عمرو عثمان بن يوسف القرشي المخزومي في كتاب «المنهاج في علم الخراج»:
وهذه الأعمال من أحسن الأشياء تدبيرا وأوسعها أرضا، وأجودها قطرا، وإنما غلب على بعضها الخراب لخلوها من أهلها، واستيلاء الرمل على كثير من أرضها، وقد وقفت على دستور عمله أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر بن الحسن فذكر خلجان الأعمال المدثورة وما عليها من الضياع، وقد أوردته ها هنا، وإن كان منه ما قد دثر، ومنه ما تغيرت أسماؤه، ومنه ما جهلت مواضعه بالدثور ولكن أوردته ليعلم منه حال الغامر الآن، ويستقصي به من له رغبة في عمارة ما يقدر عليه من الغامر، وفي إيراده مصلحة ليعلم شرب كل موضع ونسخته - دستور - على ما أوضحه الكشف من حال الخلج الأمهات بمدينة الفيوم، وما لها من المواضع، وشرب كل ضيعة منها، ورسمها في السد والفتح والتعديل والتحرير، وزمان ذلك عمل في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة. نبتدئ بعون الله وحسن توفيقه بذكر حال البحر الأعظم الذي منه هذه الخلج، فنذكر مادته التي صلاحه بصلاحها: «خليج الفيوم الأعظم»: يصل الماء إلى هذا الخليج من البحر الصغير المعروف بالمنهى ذي الحجر اليوسفي، وفوقه هذا البحر عند الجبل المعروف بكرسي الساحرة من أعمال الأشمونين، ومنه شرب بعض الضياع الأشمونية والقسية والأهناسية، وعلى جانبيه ضياع كثيرة شربها منه وشرب كروم ماله كروم منها. قال الحجر اليوسفي، والحجر اليوسفي جدار مبنى بالطوب والجير المعروف عند المتقدمين بالصاروج وهو الجير والزيت، وبناؤه من الشمال إلى الجنوب، ويتصل من نهايته من الجنوب بجدار بناؤه مثل بنائه على استقامة من الغرب إلى الشرق، ويحصره ميلان منه في نهايته وطوله مئتا ذراع بذراع العمل، ويتصل بهذا الجدار على طول ثمانين ذراعا منه من جهة الغرب نهاية الجدار الأعظم من الجنوب. وفائدة بناء الجدار الأعظم رد الماء إذا انتهى إلى حدود اثنتي عشرة ذراعا إلى مدينة الفيوم، وطول ما يتصل منه الجدار الذي من جهة الغرب إلى الشرق ثم يتصل بالميل ثم ينخفض من حدود هذا الميل إلى ميل مثله يقابله من جهة الشمال؛ خمسون ذراعا، وبعد ما بين هذين الميلين وهو المنخفض مئة ذراع وعشر أذرع، ومقدار المنخفض منه أربع أذرع. وهذا المنخفض هو الذي يسد بجسر من حشيش يسمى لبشا، وعرض ما يجري عليه الماء وهو موضع اللبش وما قابله إلى جهة الشرق أربعون ذراعا، وعليه مسك اللبش الثاني، ويتصل بهذا الميل إلى جهة الشمال ما طوله ثلاثمئة واثنان وسبعون ذراعا، ثم يتصل به على نهاية هذا الطول جدار يمر على استقامته إلى الحجر مبني بالحجر طوله على استقامته إلى جهة الشرق مئة ذراع، ثم ينخفض أيضا من حيث يتصل بهذا الجدار ما طوله عشرون ذراعا، وقدر المنخفض منه ذراعان، وهذا المنخفض أيضا يسد بجسر حشيش يسمى اللكيد، وطول بقية الجدار إلى نهايته من جهة الشمال مئة وست وثلاثون ذراعا، وقبالة هذا بطوله منه مبلط، وفيه قناطر مبنية بالحجر كانت قديمة ترد الماء إلى الفيوم من الخليج القديم الذي عنده السدود اليوم، وكان عليها أبواب، وعدتها عشر قناطر قديمة، فيكون جميع ذرع الجدار الأعظم من نهايته سبعمئة واثنين وسبعين ذراعا بذراع العمل دون الجدار المعترض من الغرب إلى الشرق.
ويمر هذا الجدار الأعظم من كلتا جهتيه جميعا حتى يتصل بالجبل، فتوجد آثاره في القيظ مرورا على غير استقامة، وعرضه مختلف، وكلما انتهى إلى سطحه قل عرضه، وعرض أعلاه مع الظاهر من أسفله جميعا ست عشرة ذراعا، وفيه منافس يخرج منها الماء، وهي برابخ زجاج ملونة يشبه المينا وأزرق وسليماني، وهو من العجائب الحسنة في عظم البناء وإتقانه؛ لأنه من الأبنية اللاحقة بمنارة الإسكندرية وبناء الأهرام، فمن معجزته أن النيل يمر عليه من عهد يوسف - عليه السلام - إلى هذه الغاية وما تغير عن مستقره، ويدخل الماء من هذا البحر في هذا الزمان إلى مدينة الفيوم من خليجها الأعظم ما بين أرض الضيعتين المعروفتين بدمونة واللاهون، ومنه شرب هاتين الضيعتين وغيرها سيحا، ومنه شرب كرومها بالدواليب على أعناق البقر، وإن قصر النيل عن الصعود إلى سوادها سقيت منه على أعناق البقر وزرعت.
وينتهي في الخليج الأعظم إلى خليج يعرف بخليج الأواسي، وليس عليه رسم في سد ولا فتح ولا تعديل، وينتهي إلى الضيعة المعروفة ببياض، فيملأ بركها وغيرها من البرك، وللبرك مقاسم يصل إلى كل مقسم منها لغايته ومقدار شرب ما عليه، وينتهي إلى الضيعة المعروفة بالأوسية الكبرى، فمنه شربها من مقسمين لها، وبرسمها باب ومنه يشرب نخلها وشجرها، وعلى هذا الحد طاحونة تعمل بالماء، ثم ينتهي إلى ثلاثة مقاسم آخرها الضيعة المعروفة بمرطبنة، منها مقسم لها، ومقسم لقبالات عدة، والمقسم الثالث يسقي أحد أحياء النخل، وبهذا الحي سواق وبساتين قد خربت وجميز جائر به، وكان بها بيوت في أقنية النخل، ثم ينتهي إلى حي ثان على صفة الأول، ثم ينتهي إلى الضيعة المعروفة بالجوبة فيملأ بركها، وينتهي إلى ثلاثة مقاسم في صف وفوقها خليج معطل، ويشرب من هذه المقاسم عدة ضياع، ثم ينتهي الماء من هذا الخليج إلى البطس، وهو نهايته. وعلى الخليج الأعظم بعد هذا أباليز شربها منه من أفواه لها سيحا، فإذا نضب ماء النيل نصب على أفواهها برسم صيد السمك شباك.
ثم ينتهي الخليج الأعظم على يمنة من يريد الفيوم إلى خليج يعرف ب «خليج سمسطوس»، منه شرب سمسطوس وغيرها، وأباليز كثيرة تجاوز الصحراء من المشرق منه ومن قبليه، وهو ما بين هذا الخليج وخليج الأواسي. ثم ينتهي الخليج الأعظم أيضا إلى «خليج ذهالة»، ومنه شرب عدة ضياع، وعليه يزرع الأرز وغيره. ثم ينتهي الأعظم إلى ثلاثة خلج، ثم ينتهي إلى «خليج بينطاوة»، وبهذا الخليج ثلاثة أبواب قديمة يوسفية، سعة كل باب منها ذراعان بذراع العمل، ويمر فيه الماء وينتهي أيضا إلى بابين يوسفيين. ورسم هذا الخليج أن يسد هو وسائر المطاطية على استقبال عشر تخلو من هاتور إلى سلخه، ويفتح على استقبال كيهك إلى عشر تبقى منه، ثم يسد إلى عشر تخلو من طوبة ، ثم يفتح ليلة الغطاس إلى سلخ طوبة، ثم يسد على استقبال أمشير إلى عشر تبقى منه، ثم يفتح لعشر تبقى منه إلى عشر تخلو من برمهات، ثم يفتح إلى عشر تخلو من برمودة، ثم يعدل في موضعه، وقد خرب ما على بحريه من الضياع، ويشرب منه عدة ضياع. ولهذا الخليج مفيض تحت الجبل بقبو، ويخرج منه الماء في زمان تكاثره.
ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى «خليج دله»، وهو من المطاطية، وحكمه في السد والفتح والتعديل والتحسين كما تقدم، وهو على يسرة من يريد المدينة، وله بابان يوسفيان مبنيان بالحجر سعة كل منهما ذراعان وربع، ومنه شرب عدة ضياع أمهات وغيرها، وفي وسطه مفيض لزمان الاستبحار يفتح فيفيض الماء إلى البركة العظمى، وفي أقصى هذه البركة أيضا مفيض له أبواب يقال إنها كانت من حديد، فإذا زادت فتحت الأبواب فيمضي الماء إلى الغرب، وقيل إنه يمر إلى سنترية، وكان على هذين الخليجين بساتين وكروم كثيرة تشرب على أعناق البقر.
وينتهي الخليج الأعظم إلى «خليج المجنونة»، سمي بذلك لعظم ما يصير إليه من الماء، وحكمه في السد وغيره على ما ذكر، ومنه شرب ضياع كثيرة، وبه تدار طواحين، وإليه تصير مصالات مياه الضياع القبلية، وإلى بركة في أقصى مدينة الفيوم تجاور الجبل المعروف بأبي قطران، ويلقي ما ينصب من مصالات الضياع البحرية فيها وهي البركة العظمى.
ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى «خليج تلالة»، وله بابان يوسفيان متينان مبنيان بالحجر، سعة كل منهما ذراعان وثلثا ذراع، وليس فيه رسم سد ولا فتح ولا تعديل ولا تحييز إلا في تقصير النيل فإنه يحيز بحشيش، ومنه شرب طوائف المدينة وعدة أراض وضياع، وفيه فوهة خليج البطش الذي إليه مفاضل المياه، وفيه أبواب تسد حتى يصعد الماء إلى أراض مرتفعة بقدر معلوم، وإذا حدث بالسد حدث يفسده كانت النفقة عليه من الضياع التي تشرب منه بقدر استحقاقها. ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى خلجان من جانبيه في قبليه وبحريه، ثم ينتهي إلى «خليج سموه»، وهو على يمنة من يريد مدينة الفيوم، وهو من المطاطئة، وله بابان يوسفيان سعة كل منهما ذراعان ونصف، وحكمه حكم ما تقدم، ومنه شرب طوائف كثيرة وعدة ضياع، وينتهي إلى أربعة مقاسم بأبواب، وإلى خلجان تسقي ضياعا كثيرة، منها «خليج تبدود» فيه عين حلوة فإذا سد هذا الخليج سقى منها أراضي ما جاورها، وظهرت هذه العين لما عدم الماء، وحفر هذا الموضع ليعمل بئرا فظهرت منه هذه العين، فاكتفي بها.
ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى خلجان بها شاذروانات ومقاسم قديمة، وبها أبواب يوسفية بها رسوم في السد والفتح، يشرب منها ضياع كثيرة، ورسم الترع أن يسد جميعها على استقبال عشرة أيام تخلو من هاتور إلى سلخه، وتفتح على استقبال كيهك مدة عشرين يوما، ثم تفتح لعشر تبقى منه إلى الغطاس، وتفتح يوم الغطاس إلى سلخ طوبة، وتسد على استقبال أمشير عشرين يوما، ثم تفتح لعشر تبقى منه إلى عشرين من برمهات، وتفتح عشرة أيام تخلو من برمودة، ثم تعدل فيهتم بعمارتها، ولهم في التعديل قسم تعطى منه كل ناحية شربها بالعدل بقوانين معروفة عندهم. وقد اختصرت أسماء الضياع التي ذكرها لخراب أكثرها الآن، والله أعلم. ا.ه.
وقال تحت هذا العنوان «ذكر فتح الفيوم ومبلغ خراجها وما فيها من المرافق»:
Неизвестная страница