История мировой философии: последний текст, написанный философом Карлом Ясперсом
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
Жанры
والتذكارات أجل. (البيتان رقم 1789 و1790) (3-3) ينبغي أن يكون تاريخ الفلسفة بسيطا
لو نظرنا إلى تاريخ الفلسفة نظرة خارجية لوجدنا أن مادته لا حد لها ولا نهاية، وعندما يركز هذا التاريخ في كل واحد، يتحول غياب الحد والنهاية إلى تجربة باللانهائية.
وينبغي على تاريخ الفلسفة في مجموعه أن يتوخى البساطة (فدوائر المعارف وحدها هي التي تحرص على تجميع المادة المهمة، أو المادة التي يمكن أن تصبح مهمة في يوم من الأيام). كما يجب أن يجتهد تفسير هذا التاريخ في إلقاء الضوء على الفكرة الأساسية، وأن يحرص على البساطة دون تبسيط، ويبرز الجوانب الجوهرية مع العدول عن الجوانب العرضية والثانوية. ولا تتأتى البساطة بلصق الشعارات السريعة، وإجراء التصنيفات السطحية، بل بالنظرة النافذة التي تدرك البسيط وتفطن لإمكانية التطور اللامتناهية الكامنة فيه. وليس تأثر المرء إلى حد الانفعال، ولا شغفه بتحقيق هذه الغاية أو تلك، دليلا على البساطة، وإنما الدليل عليها هو أن تستولي عليه وتأخذ بمجامع نفسه. وليس البسيط هو ما نفهمه في سهولة ويسر، وإنما هو الذي يساعد على تركيز العقل وتجمع الروح.
ويتحتم على تاريخ الفلسفة بمعناه الحقيقي أن يحاول إدراك الأصول والخصائص الأساسية، بجانب إدراك الوثبات الجديدة والقمم الرفيعة؛ بحيث يجعلنا نفهم علاقتها بالكل، ونشعر بتعبيرها الأمين عن الواقع. كذلك يتعين عليه أن يتخلى عن الاهتمام بالوفرة في المعلومات التي يسهل الحصول عليها لكي يتمكن من إظهار الثراء الكامن في الأفكار والحقائق التي تملك النفس وتستولي عليها. وينبغي عليه في النهاية أن يتوصل إلى عنصرها البسيط الذي يحسم الأمر ويفصل في اتخاذ القرار.
بهذا يمكن لهذا التاريخ - الذي يسير على طريق البحث عن المبادئ الأساسية، وحركات الوعي المطلق ومواقفه الكبرى، والعوالم والأبنية الرئيسية - أن يتحول إلى مدخل إلى الفلسفة. إنه يكشف لنا عن المسار الفلسفي نفسه، وما انتهى إليه خلال صيرورته عبر الظواهر والأشكال التاريخية، ولكنه يكشف عن هذا المسار في بساطته، وهذه البساطة تكثف حضور الفكر، وتحول دون تلاشيه في التجريدات، وهي تبرز من أعماق الباطن وتحقق في الحاضر ما لو رأيناه من الخارج لوجدناه يتبدد في تشتت الآراء وتعددها بغير نهاية. (3-4) ينبغي أن يكون تاريخ الفلسفة نفسه فلسفة
لماذا نشغل أنفسنا بتاريخ الفلسفة؟
ربما كان الدافع على ذلك هو الفضول: لكي نتعرف تاريخ الأوهام البشرية، أو ربما كان وراءه الاعتقاد بضرورة نفسية واجتماعية مزعومة؛ لفهم مرحلة منتهية من مراحل التطور الإنساني، وهي المرحلة السابقة على عصر العلم، وتتبع سياق الأسباب والمسببات العجيبة التي أدت إلى اكتشاف الصواب من ثنايا الخطأ، وظهور الحق من خلال طوايا الباطل. وربما جاء الاهتمام بتاريخ الفلسفة عن ميل إلى الترف العقلي: فينكب الإنسان على لعبة عقيمة يملأ بها أوقات فراغه، أو عن حذلقة جوفاء تسجل كل ما وقع بحذافيره، وتضع كل ما يمكن أن تطلق عليه صفة الفلسفة في موسوعة تضم وقائع التاريخ العقلي التي لا حصر لها.
غير أن أمثال هذه الدوافع وما شابهها غير كافية؛ وهي ترتد في النهاية إلى نفي الفلسفة وإنكار حقيقتها. إنها تبين أن السبب الكافي للاشتغال بتاريخ الفلسفة لا يمكن إلا أن يكون هو التفلسف أو التأمل الفلسفي نفسه، ولن يكون لهذا الاشتغال معنى إلا إذا انشغلنا بالأسئلة والأجوبة التي نلتقي بها في تاريخ الفلسفة. وإذا لم نفعل هذا فلن يخرج الأمر عن تحصيل معلومات عقيمة، معلومات خارجية عن واقع مضى ولم يعد يعنينا في شيء. أو ربما لا نخرج - بإنكارنا للفلسفة على هذه الصورة - عن تحقيق بقية من الفلسفة أو فلسفة سلبية تتسلى باللهو الطائش بالأفكار الفلسفية، وتفرغها من معانيها، وتعبث مع ذلك بعظام أجسادها الميتة عبث المشعوذين، أو تستخدمها في تعذيب النفس.
ولا معنى لتاريخ الفلسفة إلا بالقياس إلى التفكير الفلسفي نفسه، الذي يشعر بانتمائه الأصيل إلى الشخصيات التاريخية المعبرة عنه، ويحرص على تأكيد حياته بمداومة النظر فيها. إننا نريد أن نجد فيه ما يحثنا على التفلسف، نريد أن نجرب في الحاضر ما هو بطبيعته أبدي، وإن كان لا يظهر في التاريخ إلا في صور وأشكال جزئية. ونحن نفهم أنفسنا حين نفهم تاريخ الفلسفة، ونستمد الشجاعة من النماذج التي يقدمها لنا. كما أننا نتواضع ونعرف حدودنا عندما نرى أن كل ما هو عظيم قد كتب عليه الفناء والعزلة، وأنه يظل في نهاية المطاف شخصيا وفريدا. ونحن ندخل في حوار باطن مع الماضي، ونمد آفاق حاضرنا عبر آلاف من السنين، إن هذه الآلاف من السنين لم تنطو بالنسبة إلينا، فعلى كل واحد منا أن يقرر بنفسه ماذا يبقى منها حيا، وماذا يستحق أن يبعث للحياة، ماذا سيطويه النسيان، أو سيلحق بنا على جناحيه، أو يتركنا في حال من اللامبالاة وعدم الاكتراث.
إن إقبالنا على تاريخ الفلسفة عن رغبة واهتمام هو نفسه نوع من التفلسف. ولا بد الآن من توضيح هذا عن كثب: (1)
Неизвестная страница