История философов ислама: обширное исследование их жизни и работ с аналитическим обзором их философских взглядов
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Жанры
وبانقضاء دولة الإسلام في الأندلس قضي على الفلسفة أيضا، ولم تقم لها بعد في ممالك الإسلام قائمة، إلى أن ظهر محمد جمال الدين الحسيني الأفغاني المتوفى في آخر القرن الماضي.
ومما هو جدير بالذكر أن ظهور الفلسفة ونموها كان تابعا لقوة الدين الإسلامي وشدة بأسه وسعة انتشاره، فلما ضعفت العقائد الدنية ضعفت المباحث العقلية التي كانت تستدعيها تلك العقائد، فكأن دين الإسلام بضد غيره من الأديان، كان يغذي الفلسفة ويقويها ويشد أزرها، وقد لاحظ الأستاذ «رينان» في بعض مؤلفاته هذه الظاهرة العجيبة، وهي هبوط الفلسفة في أوروبا كلما قويت شوكة الدين، وانتعاش الفلسفة بعد ذلك عقيب تدهور العقائد الدينية في أوروبا.
فإن الفلسفة الأوروبية الحديثة لم تر نور الشمس إلا في القرن السابع عشر، ومن بعد أن تحللت قيود المسيحية السمحاء، واندثرت معالم المظالم التي كانت تتحفز للقضاء على كل مفكر حر، وما حدث في إسبانيا عن يد محاكم التفتيش، وفي إيطاليا ضد «جاليله» وأمثاله، بل في سويسرا البروتستانتية؛ حيث أمر «كالفن» الشهير بإحراق وإعدام العالم «ميشيل سرفيه» بعد طول التعذيب والسجن، وكانت جريمته في نظر «كالفن» أنه سبق «هارفي» الإنجليزي إلى اكتشاف الدورة الدموية في جسم الإنسان.
فظن «كالفن» أن في ذلك ما يخالف الدين، فنكل به ما شاء فسامحه (!؟) ولم يجد أبناء الأجيال الحاضرة وسيلة للتكفير عن ذنب إمامهم الورع «كالفن » سوى نصب تمثال من المرمر في قرية (أنماس) على أبواب جنيف، يمثل ذلك العالم الطبيعي «مشيل سرفيه» مقيدا بسلاسل السجن ومتدثرا بثياب بالية وقد دب في كيانه البدني دبيب النحول والهزال، بعد أن أصبح فريسة لليأس والألم ولذعات القمل!
لقد كانت الفلسفة من قديم الزمان مقيدة بالنظم التي وضعها المعلم الأول «أرسطو» وهي: المنطق، والأخلاق، والإلهيات. وما زالت كذلك إلى أن ظهر «ديكارت»، فشاد بناء الفلسفة الحديثة على قاعدة البحث بطريق افتراض الشك للوصول إلى اليقين، ثم توسع في تطبيق تلك القاعدة «هيوم» الإنجليزي و«كانت» الألماني و«سبينوزا» الهولندي.
ومنذ القرن التاسع عشر ظهرت تيارات جديدة للفلسفة في ألمانيا، بدأها «شوبنهور» متأثرا بأفكار أستاذه وصديق أسرته «جوته»، وانتهت «بفردريك نيتشه» الذي خرج بالفلسفة عن الدروب المطروقة وتغلغل بها في سبل حديثة الاكتشاف للفكر البشري، وتلاه في فرنسا «برجسون» صاحب المذهب الافتطاري
Intuition ، ولا تزال الفلسفة الأوروبية الحديثة واقفة عند هذا الحد إلى أن يأتي لها من يأخذ بيدها ويفسح لها مجالا جديدا، بعد أن ينتشلها من وهدة السقوط الذي أدركها في العشرين سنة الأخيرة؛ إذ عدت عليها عوادي المذاهب المادية، واستغرقت شهوات البشر، من طموح إلى السيادة وطمع في السعادة، جميع قوى الإنسان وسدت عليه مسالك الفكر الصحيح، وأنشبت أظفارها بمواهب العقل السليم.
فلا عجب إذا ألحت بنا الحاجة ونحن في القرن الرابع عشر الهجري، وهو شبيه بقرن نهضة إحياء العلوم والآداب بأوروبا بعد انقشاع ظلمات القرون الوسطى، إلى نشر «تاريخ فلاسفة الإسلام» وشرح مبادئهم، لعل في هذا التحريك إيقاظا وإنعاشا بعد الرقاد الطويل الذي استولى على المفكرين في الإسلام من عهد ابن رشد إلى وقتنا هذا.
محمد لطفي جمعة
الفصل الأول
Неизвестная страница