История философов ислама: обширное исследование их жизни и работ с аналитическим обзором их философских взглядов
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Жанры
بعينه أم بعيني
فما يراه سواه
ومن حسن حظ الفلسفة أن ابن رشد بقي بعيدا عن هذا المذهب، لأنه كان أقل الفلاسفة تصوفا، وأكثرهم اتباعا للعقل واقتفاء لأثر الحقائق، وكان يقول بأن الاتصال ممكن بالعلم دون سواه، وأعظم نقط الوصول بلوغ العقل الإنساني أعلى درجات السمو الفكري والعلمي، وأن اتصال الإنسان بواجب الوجود ممكن إذا تمكن الإنسان من رفع النقاب عن وجه الحقيقة ونظر إليها مباشرة وبغير حجاب.
ولابن رشد رأي شديد في الصوفية، فهو يطعن في زهدهم، ويقول بأن غاية الإنسان انتصار أرقى أجزاء نفسه على حواسه، فمن بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الجنة، مهما كانت عقيدته، وأن هذه أرقى درجات السعادة، وأن السبيل إليها وعر والوصول نادر؛ لأنها مقصورة على خاصة العظماء لا يصلون إليها إلا في الشيخوخة بعد طول البحث والتعمق في العقليات والإعراض عن الأعراض الزائلة، والقناعة بما يكفي الحياة المادية.
وإن كثيرين من الحكماء قد بلغوا هذه الدرجة وذاقوا حلاوتها لدى الموت؛ لأن هذا الكمال النفساني ينمو على عكس الكمال البدني، فكلما ضعف الجسم، دنت النفس من تلك الرتبة العليا.
وقال ابن رشد إن الفارابي سعى إلى هذه الدرجة طول عمره وانتظرها إلى آخر نسمة من حياته، فلما لم ينلها قال إنها وهم باطل، ولكن حرمان الفارابي من الوصول ليس دليلا على عدمه، ولكنه دليل على أنه لم يوفق، ولم يكن بين الذين اختارتهم العناية للتمتع بهذه النعمة الكبرى.
نقول إن الذي يمعن النظر في هذا القول يرى أن ابن رشد لم يستطع التخلص من آراء معاصريه، فما هذا القول إلا نوع من التصوف العقلي قد جعله ابن رشد بديلا من التصوف الروحاني الذي قال به الغزالي ولكنه «تصوف». (36) النظام الطبيعي في فلسفته
فلسفة ابن رشد نظام طبيعي متماسك الأجزاء، مجموع الشمل، محبوك الأطراف، وهذا ظاهر في رأيه في الخلود، فقد قال بأن العقل الفعال وحده خالد، وأنه هو العقل العام للإنسانية، فالإنسانية وحدها خالدة كما قال بعده أوجست كومت. وأن العناية الإلهية منحت الكائن الهالك قوة التناسل، تعزية وسلوى؛ لأن في التناسل بفضل الوراثة نوعا من الخلود.
وقد ذهب البعض إلى أن ابن رشد نفى وجود الحواس والذاكرة والعواطف في الحياة الأخرى، وأن البدن بعد انحلاله لا يبقى من آثاره شيء، وأن الذي يبقى هو العقل، وهو من المواهب العليا كما أن الحواس والعواطف من الصفات السفلى.
ولكن ابن رشد لم يقل بهذا في كتبه صراحة، لأن في التصريح إنكارا صريحا للبعث والخلود، ولكن يمكن القول بأن روح مذهب ابن رشد تؤدي إلى هذا الاستنتاج، ولكنه قال بغير شك إن الإنسان لا يثاب ولا يعاقب إلا في الحياة الدنيا. وكان هذا القول أمضى سلاح شهره الغزالي في وجه الفلاسفة، ونحن لا نعيب ذلك على ابن رشد، بل نشكره على أنه نقض الخرافات التي يقول بها العوام عن الحياة الأخرى، كالقول بأن الفضيلة الدنيوية وسيلة السعادة الأخروية. وقد أحسن ابن رشد بطعنه في آراء أفلاطون التي سبكها في خرافة لفقها عن الحياة الأخرى باسم «هير الأرمني»، وقال إن هذه الخرافات تضلل عقول الأمم ولا نفع فيها.
Неизвестная страница