История литературоведения: у европейцев, арабов и Виктора Гюго
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Жанры
وقد حض فيكتور هوكو في تلك المقدمة على تأليف روايات «الدرام» بالشعر لا بالنثر، وقال: بأن بيت الشعر يحيط بالمعنى إحاطة الثوب الإفرنجي بالبدن، ويضيق عليه ويوضحه معا، ويعطيه شكلا ألف وأدق وأتم من شكل النثر، ويديره علينا كأنه نوع من أنواع الأكسير الذي استخرجه الكيميائيون من خمير الذهب، وزعموا أن فيه لذة للشاربين وشفاء للأجسام من جميع العلل والأسقام، فبيت الشعر على رأي فيكتور هوكو هو القالب الشفاف للمعنى، وإذا تلطف الشاعر في نظمه وإنشائه أكسب المعنى رونقا لولا بيت الشعر لمر ذاك المعنى غير ملتفت إليه.
فالشعر هو العقدة التي تربط سلك المعاني، أو المنطقة التي تضم حواشي الهدم على الجسم وتطويه طيات متناسبة بالهندام. والشعر يزيل من الألفاظ ما هو سوقي مبتذل، أو عامي سخيف ويكسب المعاني حلاوة وطلاوة ورشاقة، سيما إذا اقتصر الشاعر على استعمال الألفاظ المتعارفة بين الناس المتداولة على الألسن، وترك ما كان وحشيا غريبا في اللغة.
وعرض فيكتور هوكو بالذاهبين إلى أن «أعذب الشعر أكذبه» بقوله: ليت شعري ما الذي يضيع من الشعر إن دخلت فيه الطبيعة والحقيقة؟ وهل تنقص الخمر صفة من أوصافها إن وضعت في أباريق الزجاج وختم عليها؟ كلا بل تصير رحيقا معتقة ختامها مسك يتنافس بها المتنافسون. وختم المؤلف مقدمة كرومويل ببيان المقتضى للشاعر من النسج على منوال الطبيعة (لأن كل ما في الطبيعة هو في صناعة الشعر)، وإن كان الشاعر جيد القريحة فلا حرج عليه في شيء من القواعد، وله الحرية المطلقة في التصرف بجميع أفانين الشعر على حسب ما يرتئيه.
فهذه خلاصة مقدمة كرومويل الشهيرة بين الأدباء على اختلاف لغاتهم وتباين مذاهبهم، ومنها يفهم أن الطريقة الرومانية أرجعت الشعر إلى الحقيقة، والطبيعة، والحياة وتركت فيه التصنع وزخرفة الكلام وأجراس الألفاظ، ولم تلتفت إلى زعم أهل الطريقة المدرسية بأن زخرف القول من مقتضى الذوق السليم للشاعر، وأزالت جميع الحواجز التي تعرض أما سجية الطبع، وتصد الفكر عن تصور الحقيقة والطبيعة، وتوصيف الموجودات بحسب ما هو مغروس في جبلة كل منها سواء كان من صفات القبح، أو صفات الجمال بلا تفريق بينهما؛ ولذا نكتت بعض الجرائد بقولها على سبيل التقريظ والتبكيت: «فليعش الإنكليز والألمان، فلتعش الطبيعة الهمجية الوحشية التي نشاهد جمالها في أشعار فيكتور هوكو وإخوانه من أهل الطريقة الرومانية.» إشارة إلى أن أساليب هذه الطريقة أول ما ظهرت في أدب الإنكليز والألمان، كما تقدم بيانه، وعرف بعضهم الروماني؛ أي السالك نهج الطريقة الرومانية «بأنه رجل ابتدأ عقله في الاختلال.»
فمن أمعن النظر في المبحث الأخير من تلك المقدمة وجده مطابقا لما ذكره أئمة البلاغة والأدب في لسان العرب، كأبي بكر الباقلاني وعبد القاهر الجرجاني وابن خلدون وأمثالهم، ولا حاجة لإيراد أقوالهم في هذا الباب، فإنها معلومة ومحصلها وجوب نصرة المعنى على اللفظ؛ لأن الألفاظ خدم المعاني، قال الباقلاني: «والشعر وإن ضيق نطاق القول فهو يجمع حواشيه، ويضم أطرافه ونواحيه، فهو إذا تهذب في بابه، ووفى له جميع أسبابه، لم يقاربه من كلام الآدميين كلام، ولم يعارضه من خطابهم خطاب.» وقول فيكتور هوكو: بأن الخاصة المميزة لأدب الطريقة الرومانية عن غيره هي الجمع بين نموذج السخرية ونموذج الإعجاز بالفصاحة أشبه بقول المتنبي: «وبضدها تتميز الأشياء»، ولعل السبب الذي حمل المتنبي والمعري على ترك أساليب الجاهلية، والنسج على منوال جديد هو الذي ذكره فيكتور هوكو من أن أساليب المتقدمين كانت معتبرة في بادئ أمرها، ثم باضطرادها على قياس واحد مراعاة للقوانين ثقلت على السمع وملها الطبع، وسترى حقيقة ذلك في التعريف الآتي للطريقة الرومانية.
أما عدم تعرض فيكتور هوكو لأدب العرب كما تعرض لأدب الأمم الأوروبية ولأدب الفارسية العذبة؛ فهو لجهله - سيما في ذاك التاريخ الذي ألف فيه مقدمته - بفصاحة العرب، وإعجاز القرآن، وحضارة الإسلام، فإن التمدن العربي لم يدرس حق درسه ليومنا هذا. ولم يزل صاحبنا المستشرق البودابستي العلامة كولدزير يحض المستشرقين من كل أمة على التعاون، والاشتراك في تأليف دائرة للمعارف الإسلامية، فإن تم هذا المشروع وأنجزت ترجمة المهم من كتب الأدب العربية ربما تيسر بعد ذلك للباحث الاطلاع على كنه العلوم والآداب الإسلامية، ولم يزل المستشرقون يترجمون في الصوربون القرآن الكريم، وتفسير البيضاوي ترجمة صحيحة مدققة، ولا يكملون في كل سنة أكثر من بضع صحائف، ولم يترجم من كلام المعري سوى وريقة فيها نحو مائتي بيت نشرت بالألمانية في فيينا عاصمة النمسا سنة 1888م، فهم يتقربون من فهم حقيقة الأدب العربي رويدا رويدا.
وقد رأينا فيما تقدم أن صاحب أغاني رولان يعتقد بأن الإسلام فرع من عبادة الأصنام، ويحسب أبولون من جملة أوثان المسلمين، ولو علم فولتير من أحوال الشرق ما يعلمه علماء هذا العصر لاستحى من نفسه، ومزق الرواية التي حررها باسم «محمد النبي» - عليه السلام - وقدمها للبابا بنوا الرابع عشر بعد أن سجد لديه وقبل قدميه.
24
ولما ذهب فيكتور هوكو لإسبانيا رأى آثار العرب في المباني والقصور والقناطر، وقدرها حق قدرها ولكنه لم يفهم من الآيات والأبيات المنقوشة على جدرانها أكثر مما نفهمه من أحرف الصين المنقوشة على البضائع الصينية، وسيما على علب الشاي. ولما ظهر رينان وصار شيخ العلماء في عصره درس أدب العرب الأندلسيين من حيث الفلسفة، ولخص ما حققه في كتاب سماه «ابن رشد»، فقام اليوم البارون قرادوفو معلم العربية في الأنستيتو الكاثوليكية بباريس، ونشر كتابين أحدهما «ابن سينا»، والثاني «الغزالي»، ودرس في الأول أدب العرب وفلسفتهم الشرقية، وفي الآخر علومهم الكلامية والإلهية، فالكتب الثلاثة المذكورة من أحسن ما حرر في هذا الصدد، ولكن الموضوع محتاج إلى تعميق وتدقيق، ولا يتيسر ذلك إلا بعد استخراج الكتب العربية وفهمها، وقد خبط رينان في بعض ما حرره عن الإسلام خبط عشواء، وفتح لشارل ميزر وأمثاله بابا للاعتراض عليه، كما أن البارون الكاثوليكي تعصب على ابن سينا والغزالي في ما حرره، ومع هذا قال رينان في الخطاب الذي نشره سنة 1883: «بأن أوروبا ظلت منحطة في العلم والأدب عن العالم الإسلامي وخاضعة فيهما إليه حتى أوائل القرن الثالث عشر، وفيه أخذ العالم المسيحي يرقى درجات العلم والعمران، والعالم الإسلامي يهبط في الدرك الأسفل من الجهل وانحطاط الحضارة، واندثرت علوم العرب بعد ما لقحت جراثيم الحياة في جسم العالم اللاتيني الغربي، واستمر المترجمون من سنة 1130م إلى سنة 1150 يترجمون في مدينة طليطلة كتب العلم من العربية إلى اللاتينية، وهم تحت حماية الأسقف ريموند، وفي السنين الأولى من القرن الثالث عشر شرعت مدرسة باريس الكلية في تدريس كتب ابن رشد أرسطوطاليس العرب، أما ارتحال البابا سيلفتر الثاني لطلب العلم في إشبيلية؛ وإن كان مشكوكا فيه فقسطنطين الإفريقي علامة عصره لا شبهة في أخذه العلم عن المسلمين.» ا.ه.
وقسطنطين الإفريقي الذي يذكره رينان ولد سنة 1015م في قرطاجنة، وبعد أن حصل علوم الطب والحكمة صار كاتبا لأحد الأمراء، ثم دخل سلك الرهبنة في إيطاليا وأدخل فيها علوم العرب، وله مجموعتان كبيرتان باللاتينية طبعتا في بال سنة 1539م.
Неизвестная страница