История литературоведения: у европейцев, арабов и Виктора Гюго
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Жанры
صباح ضحى طي ظباء عصائب
غرام فؤادي قاذف كل ليلة
متى ما نأى وهنا هواه يراقب
فجمع في أول الكلمات حروف الهجاء من الألف إلى الياء على الترتيب.
فأدباء الإفرنج يقولون: نعم، إن الشعر العربي فيه كثير من الصنائع البديعية وله رونق وبهجة، وفيه تهييج للمسامع وهو على أسلوب التوراة، وعلى نسق اللغات السامية، ولكن الكلام الذي فيه تصنع في الألفاظ، وتعمل في الشكل الخارجي لا يكون فيه حركة ذهنية ولا تخيل فكري، وما لم يكن فيه ذلك ليس فيه إحساس ولا عظمة مطلقا، وإذا ارتفع نفس الشاعر أو الكاتب في الكلام الذي فيه تصنع، وتعمل لم يبق على ارتفاعه بل ينقطع حالا، وينتقل إلى غير ما هو فيه، بخلاف الشعر اليوناني، أو الإفرنجي كرواية إيرناني مثلا، فإن فيكتور هوكو نظمها على نفس واحد ونسق واحد، وأبدع فيها بما قاله عن لسان شارلكين من الكلام العالي الملوكي، فإذا نطق به المشخص على مرسح التشخيص أخذ بمجامع القلوب، واستمر المشخص يهدر كما يهدر النهر حتى يصل كلامه لأعماق أفئدة السامعين، ويؤثر فيها تأثيرا عظيما.
ومن قاس بنظره بين مقامات الحريري، وبين رواية مضحكة من روايات موليير التشخيصية فهم معنى اعتراضهم وحقيقة انتقادهم على مقامات الحريري والهمذاني وأمثالهما. وينتقدون على المقامات أيضا من جهة التهتك بالأخلاق، والتغزل بالبنين كالتغزل بالبنات ووضع الحب في غير موضعه الطبيعي مما لم نعهده في كلام أدباء الإفرنج المشهورين، إلا من ندر منهم مثل الأديب الإنكليزي الذي حكم عليه منذ سنوات في لوندرا، ودافع عن نفسه بمشروعية هذا الحب في أصل الخلقة والطبيعة وبوجوده عند اليونان والرومان.
والحق أن هؤلاء الأفاضل لم يقصدوا بتأليف المقامة تصوير رواية مضحكة على أسلوب الكوميدية، ولا رواية محزنة على نسق التراجيدية، وإنما قصدوا إظهار المقدرة على تصنيف الكلام وتدبيجه بديباج الاستعارات، وإلباسه حلل التشابيه، وترصيعه بلآلئ البديع كقول الحريري في وصف الخطيب: «يختلب الأسماع بجواهر لفظه، ويجتذب القلوب بزواجر وعظه» من الكلام المدبج المصنع المرصع الذي لو نطق به على مرسح التشخيص لا يفهمه العوام، ويحتاج الخواص إلى النظر في صنائعه وإعمال الفكر في بدائعه، وإلا لو صرف الواحد من أولئك الأفاضل عنايته لتصوير رواية على نسق روايات اليونان أو الرومان أو الإفرنج لسقانا بكأس من الزجاج الشفاف أطيب الخمور وأعلاها طبقة. ولكنه أراد أن يغترف من ماء البحر بإناء صاغه لنا من الذهب الخالص وطلاه بالمينا الثمينة ورصعه فوق ذلك بعروق وأوراق من الجواهر واللآلئ؛ ليخفي لنا الماء بأبهى إناء ويرينا أحسن المصوغ والمجوهر.
وقد يغرق فكر الكاتب الغربي الملتزم للصنائع البديعية في لجج تلك الاستعارات والجناسات، ويحتاج في استخراجه إلى غواص ماهر له ملكة راسخة في اصطلاحاتهم؛ لأن الكاتب منهم لم يكتب للعوام وأهل السوق، وإنما يكتب للخواص من علماء الرجال وأدبائهم ولأصحاب الذوق منهم في الكلام وفي معانيه؛ ولذا فهو يتجنب الكلمات السوقية المبتذلة، وينتقي أعلى طبقات الكلام وأعوصها في اللغة. فالمعري على ما له من جلالة القدر في الأدب لم يسقنا الحكمة من كأسه إلا وهو يغوص في المباحث اللغوية، ويأتي بالشواهد والأمثال كما يتضح لمن طالع رسالة الغفران، وهي التي شبهها مندوب مصر في مؤتمر المستشرقين الحادي عشر برسالة الجحيم التي ألفها الشاعر دانتي الطلياني. ومن طالع رسالة دانتي أو ترجمتها رآها تسيل على نسق واحد كما يسيل الماء ليس فيها تصنع في الألفاظ والتراكيب، ولا فيها احتياج إلى تفسير الألفاظ اللغوية، والاستشهاد بالكلام المعترض.
فالأندلسيون أصلحوا كثيرا من الخلل الموجود في أدب العرب، وجاءوا بالمطولات في فنون كثيرة من الشعر والنثر، وأوجدوا فنونا مستحدثة، واتبعوا في الكلام شعورهم وإحساسهم القلبي، فطافوا على قرائهم بصحاف من ذهب، وأكواب فيها بعض ما تشتهي الأنفس، ونرى في توصيفهم المناظر الطبيعية، وتصويرهم وجوه الأرض مشابهة بأشعار الإفرنج كوصف حمدونه، وهي من بنات الأندلس الشواعر لوادي آش وهو في أيالة غرناطة قالت:
وقانا لفحة الرمضاء واد
Неизвестная страница