История Вавилона и Ассирии
تاريخ بابل وآشور
Жанры
وأول من ذكر آشور على حقيقتها بطليموس الفلكي المشهور وهو من أعلام القرن الثاني للميلاد. قال: يحدها شمالا القسم المحاذي لجبل نيوانا من أرمينية الكبرى، وغربا بعض ما بين النهرين وهو الجهة التي تسقى بماء دجلة، وجنوبا مملكة شوشانة، وشرقا مملكة مادي وفيها ثلاثة أنهر تنتهي إلى دجلة بعد أن تسقي معظم أراضيها وهي ليكوس وكابروس وغرغوس. قال: وتقسم آشور إلى عدة أقسام: أحدها أرهباخينس ثم أبولونياتس وموقعها بين سيتاكينا وبلاد الغراميين، ويليها بلاد السمباطيين ثم بلاد الغراميين، وفي جنوبي إذيابينة كلكينيكي ويليها إقليم إربلة، وقد ذكر كثيرا من مدنها بأسمائها مع تعيين درجات طولها وعرضها كنينوس ومردة وإكتزيفون وغوغاملة وأوزابا وسيتاكي وغومارا وأبولونيا وأسوخيس وغيرها، وجملة ما عدده منها أربع وثلاثون مدينة تختلف عظمة واتساعا، لكنه لم يذكر بينها راسن ولا أولمبيس ولا مسفيليا، وقد كن من أشهر المدائن في تلك الناحية، فالظاهر أنه اقتصر على ذكر المدن التي عاينها بنفسه؛ لأن هذه كانت في عهده قد صارت إلى تمام الخراب ولم تبق لها الأيام أثرا.
ذكر مدينة نينوى
كانت هذه المدينة أبعد مدن آشور شهرة وأعظمها شأنا، حتى لم يكن في تلك البلاد أشد منها سطوة ولا أوسع ثروة وعمرانا، ما خلا مدينة بابل فإنها كانت أوسع منها مساحة وأضخم أسوارا وأفخم أبنية، إلا أن بلوغ كل منهما حد عظمتهما لم يكن في زمان واحد؛ لأن بابل بلغت مبلغها من العمران والأبهة بعد أن أخذت نينوى في التراجع والانحطاط، وكان معظم شهرة نينوى في عصر سنحاريب وأعقابه، وكانت دار ملكهم ومباءة سريرهم، وكانت تساق إليها الأرزاق وتحشد إليها الناس من كل وجه والملك يزيدها جاها وفخامة حتى بلغت من العز والسطوة والغنى ما لم تبلغه مدينة أخرى في ذلك العهد، وما زالت على حالها تلك من النمو والعظمة إلى أن تفرغ أهلها للملذات والملاهي ودب فيهم داء الترف ونعمة العيش، فزحف عليهم البابليون وافتتحوا المدينة ودمروها وحملوا ما فيها من الغنائم والأموال فعادت قاعا صفصفا. أما باني نينوى فعلى ما في رواية موسى عليه السلام (تك. 1 : 11) أنه آشور بن سام، وقد بنى مدنا أخرى ذكرها هناك، والآشوريون يزعمون أنها سميت باسم آشور كبير آلهتهم، وأن هذا الاسم يطلق بالاشتراك على كل ملك من ملوكهم تبركا وهم الذين بنوها، وفي كلام بعض الباحثين أن بانيها أعقاب نمرود ملوك بابل ونواحيها ولم نر ما يؤيد هذا القول، وفي الكتاب ما يعارضه بالنص الصريح، وذهب المؤرخون من اليونان والرومان وتابعهم بعض المتأخرين إلى أن أول من وضع أسسها نينوس، وقد تقدم في ذلك كلام لديودورس، والله أعلم.
أما موقع نينوى فالمؤرخون فيه على أقوال، أشهرها ما ذهب إليه هيرودوطس وإسترابون من أنها كانت على عدوة دجلة شرقا، وهو موافق لما تقدم من رواية موسى - عليه السلام - في الكلام على حد مملكة آشور وهو الصحيح، ولا يعلم من أمر مساحتها إلا ما ورد في سفر يونان؛ حيث يقول ما صورته: إن نينوى مدينة كبيرة لله مسيرتها مسيرة ثلاثة أيام. إلا أن في هذا الكلام إبهاما لا يخفى، فلا يدرى هل المراد بالمسيرة طول المدينة كما هو المتبادر أم محيطها أم المدة التي تقطع في مطافها كما قال بكل جماعة من المفسرين، ولا يخفى أن الأول فاحش جدا ولم ينقل فيما علمنا أن مدينة بلغ طولها هذه المسافة، والأخير بعيد عن أن يكون هو المراد لقلة جدواه في تقدير المساحة، فلعل المقصود هو الثاني، والله أعلم.
ثم إن الذي يتحقق من التاريخ أن نينوى لم تكن دارا للملك قبل الألف قبل النصرانية، وكانت قبلها مدينة راسن هي أعظم مدينة في آشور كما يستفاد من سفر التكوين من الموضع المشار إليه قبيل هذا، وقد خربت نينوى مرتين عن آخرها: المرة الأولى سنة 788 قبل الميلاد على يد إرباش المادي وبعليزيس الكلداني، وكانت بينهما محالفة فزحفا عليها بجيوشهما والمالك فيها يوم ذاك سردنابال، وكان ملكا جبانا واني الهمة ضعيف الرأي منقطعا إلى مجالسة النساء وسماع الأغاني. فلما طرقه خبر العدو وإيغالهم في أرضه أفاق من لهوه فحشد لهم وخرج عليهم بجموعه والتحم القتال بين الفريقين، فكانت الغلبة في أول الأمر لآشور، ثم كانت الكرة للعدو فظهروا عليهم ودارت في الآشوريين رحى القتل فأبادوا منهم خلقا كثيرا خلا من أسروه. فنكص سردنابال على أعقابه حتى أتى المدينة فدخلها بمن معه واعتصم بها، وجد العدو على أثره فحصروه بها زمنا مديدا تواترت فيه الحرب بين الفريقين، وقتل من الجيشين عدد لا يحصى، وأجلت العاقبة عن قهر سردنابال، فدخل العدو البلد وأسرفوا في القتل والنهب واستباحوا كل من صادفوه بحد السيف. فلما رأى سردنابال ما حل به وبقومه جمع حطبا وألقى عليه أمتعته وأمواله وجواهره وأضرم فيه النار، ثم دخل هو وأولاده ونساؤه في جوف اللهيب وتبعه من يتصل به من رهطه وحشمه فكان آخر العهد بهم، وانثنى العدو على المدينة بالإحراق والتخريب ولم يخرجوا منها إلا وقد غادروها ركاما.
وبعد مضي ما شاء الله من الزمان انتعش الآشوريون من كبوتهم تلك، ورجع إليهم ملكهم واستقلالهم، وعادوا فرمموا مدينة نينوى وردوا إليها سرير الملك إلى أن قام سنحاريب الذي سبق الإلماع إلى شيء من شأنه، فزادت به نينوى عزة وفخامة وتناهى حالها في الجلالة، وله على بعض الآثار هناك ما معناه أني قد أعدت بناء جميع عظائم نينوى دار سلطنتي ومستقر ملكي وجددت شوارعها القديمة، وما كان منها ضيقا وسعته وحولت المدينة من سماجة الخراب إلى مثل بهاء الشمس. ا.ه. وكان لسنحاريب قصر في وسط المدينة بناه له ولمن يخلفه على سرير آشور، وكان من أحسن أبنية نينوى بهجة وزخارف وأتمها إحكاما وأوثقها متانة قد أفرغ فيه البناءون جهد صناعتهم وسقفه بخشب السرو والأرز، ولما فرغ من بنائه أمر أن ينقش على أحد جدرانه ما مفاده أن هذا القصر سيصبح حينا قديم العهد جدا، فيأخذ منه كرور الأحقاب ويغيره توالي العصور، فأتقدم إلى من يتولى عهد هذا الملك من بعدي أن يعنى بتجديد ما يرث من بنائه وتعهد ما فيه من الصور والمشاهد، وأناشده أن يطرس على جميع الكتابات القائم بها تذكاري كلما طمس شيء منه أعاد رسمه. أقول طوبى لمن يأتمر بهذا وعليه رضوان آشور وعشتار الإلهين العظيمين، والويل لمن نبذ هذه الوصية ظهريا وآشور ربي جل جبروته ينزل به ضرباته الشديدة وسخطه العظيم ويخلعه عن ملكه ويحطم صولجانه ويسلبه سلاحه. انتهى.
واستمرت نينوى على حالها تلك من علو الشأن ونفوذ السطوة إلى أن خربت المرة الثانية سنة 606 قبل الميلاد وقيل سنة 625 على اختلاف سنورد تحقيقه فيما بعد، وخلاصة ما كان من خبرها أنها لما امتدت شوكتها وقوي عضدها كانت الواقعة بينها وبين الماديين لما بين الفريقين من الحزازات القديمة، فقهرتهم وضربت عليهم الجزية فكانوا يحملونها كل سنة إلى نينوى. فكان ذلك في أنفس ملوك مادي إلى أن أفضى أمر الملك إلى كياقصر، فعزم على مناهضة الآشوريين وبعث إلى نبوبولاصر ملك الكلدان يستجيش به ويذكره ما بين أسلافهما من الولاء على ما سبق ذكره. فأجابه نبوبولاصر بالرجال والأهبة وحشد كياقصر قومه ونزل على نينوى، فحاصرها وعلى سريرها يومئذ أساراقوس، فضايقه أشد المضايقة وقويت صدمته لها فاستفتحها عنوة وأعمل فيها السيف والنار وفتك في أهلها فتكا ذريعا، فكثر فيهم القتل والسبي والنهب، وانتشر الخراب في المدينة أياما متوالية حتى دكت عن آخرها دكة واحدة، وعادت كأن لم يسبق بها عهد، وفر من أفلت من الآشوريين فتشتتوا في الآفاق ولم يجتمعوا بعدها، وأما الملك فكان من أمره أنه لما رأى العدو في المدينة أشفق من وقوعه في أيديهم والتنكيل به، فقتل نفسه بسلاحه وانقرض مذ ذاك ملك آشور آخر الدهر.
هذا جملة ما انتهى إليه أهل البحث من وصف هذه المدينة العظيمة، وإن هو إلا وشل من بحر أو ثمد من قطر، وقد بقي وراء تلك المشاهد الخربة والمناظر الموحشة من العظمة والاقتدار والحكمة والثروة والعزة والجمال والبراعة والإتقان ما لا يعلمه إلا الله تعالى وحده، وأغرب ما هنالك أن هذه المدينة مع كل ما بلغت إليه أوان عزها من الشهرة والفخامة لم يذكرها أحد من متقدمي المؤرخين، ولم تلبث بعد خرابها أن صارت نسيا منسيا حتى ذهبت عنا جميع أخبارها وأصبحت معرفة أحوالها موقوفة على توسم تلك المجاهل واستنطاق صداها، وقد عاين زينوفون تلك الأراضي بعد خرابها بقرنين ولم يحك شيئا من وصف ما رآه من نينوى، وكذا مؤرخو الإسكندر لم يوردوا لها ذكرا مع أنها كانت قبلهم بزمن يسير من أعظم مدن العالم، وفي الجملة فإنه لم يعلم أحد نقل عنها شيئا قبل القرن العاشر للميلاد، وأول من وصفها بنيامين تودالوس اليهودي، وقد قدم الموصل فروى عنها وعن الآثار التي شاهدها إذ ذاك كلاما طويلا يقول في جملته: والموصل التي كانت قديما تعرف بآشور الكبرى هي أعظم مدينة بفارس يسكنها سبعة آلاف من اليهود أو يزيدون قليلا، وهي مدينة ذات جمال وسعة موقعها على عدوة دجلة وهو الفاصل بينها وبين نينوى. قال: ونينوى هذه مدينة قديمة قد آلت إلى تمام الخراب وإلى الآن آثار سورها ظاهرة وهو مناهز الدروس والامحاء، وهناك آثار عديدة للآشوريين أصحابها يستدل بها على أنها كانت من العزة والحسن بمكان. ا.ه.
ويعرف موقع نينوى اليوم بقيونجك، وهو اسم تل هناك يبلغ محيطه 2563 يردا، وارتفاعه 43 قدما وحواليه أخربة مبثوثة على مدى متسع يحيط بها أثر سور يبلغ طوله من الغرب 2600 يرد، ومن الشرق 3500 يرد، ومن الشمال 2000 يرد، ومن الجنوب 1370 يردا، وعلى طول الجهة الغربية منه أثر سورين آخرين يليان السور المذكور من داخل، ولا يرى ذلك في الجهات الثلاث الأخر وهو من جملة تلك الغرائب، وأول من احتفر في قيونجك رجل من الفرنسيس يقال له بوتا كان متوليا القنصلية الفرنسوية بالموصل، وذلك في أواسط القرن الحالي على ما سنذكره قريبا، وجاء بعده اللورد لايرد الإنكليزي، فأمعن في الحفر والبحث زمانا، وكان في جملة ما كشفه قصر سنحاريب المقدم ذكره، وهو بناء كبير يعد في جملة عظائم تلك الأعصار حتى يقال إنه لم يكن أعظم منه إلا ما اشتهر من أبنية بابل، وقد بلغ طول حجرة فيه مائة وثمانين قدما، وكان هذا القصر مزينا بجميع ضروب الزخرفة، وفيه كثير من تماثيل الثيران ذات الرءوس البشرية يبلغ طول الواحد منها نحو عشر أذرع، وهناك صور عديدة ومشاهد صيد وغيره أنيقة الصنعة، وأبدع تلك الصور شكلا وأكملها صناعة صورة سنحاريب وبجانبه رجال من بني إسرائيل ينكل بهم، وصورة أخرى تمثله على عرشه وهذه حملها الإنكليز إلى لندرة، وبعد انصراف لايرد من هناك جاء لوفتس الفرنسوي سنة 1854، فكشف أشياء أخرى أجلها قصر لسردنابال الخامس المعروف بآشور بنيبال وجد فيه تحفا كثيرة، فحمل منها جانبا كبيرا بقصد إرساله إلى باريز، فسقط منه في دجلة ولم يسلم إلا أشياء قليلة في جملتها صورة سردنابال المذكور صاحب القصر وقطع من الآجر عليها كتابة بالقلم المسماري.
ذكر مدينة خرساباد
Неизвестная страница