История Вавилона и Ассирии
تاريخ بابل وآشور
Жанры
ولفتح أزدرخت المذكور شهرة عظيمة بين المؤرخين، وهو النكتة المعتبرة في تاريخ الكلدان؛ فإن كل حادثة ذكرت في مصنفاتهم عقيب هذا الفتح وجدت طباق ما هو مسطر في تواريخ غيرهم من أمم ذلك العهد خلاف دأبهم من قبل ذلك، فإنهم كانوا يجازفون في تقرير الوقائع ما شاءوا حتى كانوا يزيدون على سني ملوكهم قبل الطوفان زيادات فاحشة على ما مرت بك مثله، بحيث لو جعلت كل سنة من تلك السنين يوما لبقيت أعظم من أن يحتملها التصديق.
وفي القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد دخلت بابل في حوزة العيلاميين، واستقر على سريرها منهم اثنا عشر ملكا، وكانت مدتهم جميعا خمسين سنة أو دونها، ومن هنا يرجح في الظن أنهم كانوا بعد استيلائهم على تلك البلاد قد اقتسموها بينهم دفعا للمشاحات، فكان يملك منهم أكثر من ملك في آن واحد، ولعل فيما ورد في الفصل الرابع عشر من سفر الخلائق ما يستأنس منه بصحة هذا الرأي، فإنه يذكر هناك عدة ملوك كانوا في ذلك العهد متملكين على البلاد الكلدانية، وفي جملة أولئك الملوك كدرلاعومر وأريوك، وفي الآثار ما يستبان منه أن كليهما كانا من الملوك العيلاميين الذين ملكوا في تلك البلاد.
ثم إنه يتخلص من آراء أهل البحث أن هذه الطائفة هي التي وضعت الحرف المعروف بالأناري الذي كان عليه مصطلح الكلدان قبل الحرف المسماري؛ لأن هذا لم يكن معروفا قبل القرن العاشر قبل الميلاد على ما سنبينه بعد، وكان أشهر هؤلاء الملوك كدرلاعومر إلا أنه لم يذكر له على الآثار من عظائم الأعمال ما ذكر لغيره من الملوك ممن لا يضاهيه شوكة وإقداما، ولا يدانيه في كثرة الغزوات وتوسيع الفتوحات على ما هو مبين في الموضع المشار إليه من سفر الخلائق، وملخص ما جاء هناك أن خمسة من ملوك ذلك العهد، وهم ملك سدوم وعمورة وملك أدمة وملك صبوئيم وملك بالع، كانوا تحت إمرة كدرلاعومر ملك عيلام، ودانوا له مدة اثنتي عشرة سنة ثم عصوه وامتنعوا من طاعته، فزحف كدرلاعومر لقتالهم ومعه ثلاثة ملوك آخرين وهم ملك شنعار وملك ألاسار ملك الأمم، فواقعوهم في غور السديم فانهزم ملكا سدوم وعمورة وتشتت من يليهم من أوليائهم وعاد كدرلاعومر وأصحابه بالغنائم والسبايا، ولكدرلاعومر وقائع غير هذه مع الرفائيين والزوزيين والأيميين والحوريين والعمالقة والأموريين غزا أولئك كلهم في بلادهم، وظهر عليهم، وتتمة تفصيل ذلك في موضعه.
أما الزمن الذي ملك فيه كدرلاعومر فلا سبيل إلى معرفته على التعيين، ولكن لا شك أنه كان في القرن العشرين قبل الميلاد، وهو القرن الذي كان فيه إبراهيم الخليل - عليه السلام - لأن كدرلاعومر حين كسر ملكي سدوم وعمورة ومن معهما كان في جملة من أسره لوط ابن أخي إبراهيم وكان نازلا بسدوم، فلما بلغ ذلك إبراهيم نهض في ثلاثمائة رجل من حشمه واستنقذ لوطا ومن معه من يد كدرلاعومر، وأما كون ذلك القرن هو القرن العشرين، فمقرر بشهادة الآثار لأن أهل التوقيت في تلك العصور كانوا يؤرخون من إحدى غزوات كدرلاعومر، كما ورد على بعض الآثار لآشور بانيبال ما معناه: إني استفتحت سوزا ودمرتها في القرن الثالث عشر لغزوة كدرلاعومر. ا.ه. وكان آشور بانيبال في القرن السابع قبل الميلاد؛ ولذلك شواهد أخرى لا نطيل باستيفائها.
وفي أواخر القرن العشرين أخذت دولة العيلاميين في الانحطاط إثر الوقائع المتواترة بينهم وبين الكلدان وتوالي الاجتياحات عليهم، حتى تقلص ظل سطوتهم ووهت أيديهم عن ضبط أزمة المملكة، وحينئذ استتب الملك للكلدان فنهضوا بأعباء الدولة أتم نهوض وجددوا ما طمس لهم من آثار العزة والصولة، واستقرت أيامهم أربعمائة وثماني وخمسين سنة وملك منهم تسعة وخمسون ملكا. فانبسطوا أثناء ذلك في البلاد وامتدت شوكتهم في الآفاق وقهروا كل من ناوأهم من الأمم حتى دوخوا تلك الأقاليم بأسرها، ومن ثم اشتهرت دولتهم وغلبت أشعتها على كل دولة كانت قبلها في تلك الأنحاء، فلم يعرف إلا الدولة الكلدانية.
وأول من يعرف من هذه الدولة إسمي داجون ومعنى اسمه داجون يستجيب وهو اسم إله سيذكر. كان إسمي داجون من أشد ملوك الكلدان بأسا وأمضاهم صريمة وأكثرهم غزوات ووقائع، وكانت في يده مقاليد السياسة والدين معا، وانتشبت بينه وبين الآشوريين معارك شديدة كانت العاقبة فيها له، فأخضعهم لسطوته وفرق الأحزاب وقمع كل من عانده، حتى دانت له جميع الأمصار الآشورية والكلدانية كما دانت لبختنصر من بعده، وكان مقامه تارة بأور عاصمة بابل وتارة بإيلأسر عاصمة آشور، ومن أبنيته فيها هيكل لأوانس كشفته الفرنج من عهد غير بعيد، وفي أيامه بلغت رعيته أعظم مبلغ من الثروة والنعيم وتناهى حالها في المعارف والفنون، وكثرت عنده أسباب القوة والمنعة وامتدت شوكته إلى أبعد الأقطار، حتى إن مانيثون المصري المؤرخ يقول في جملة كلام له ما صورته: وتخوف نوبتي ملك مصر من بأس يفاجئه من نواحي الفرات فيدهم ثغره، فجد في التحصين واتخذ لنفسه الأهبة وشحن الحصون بالرجال. ا.ه. ونوبتي أحد ملوك الرعاة وكان معاصرا لإسمي داجون، وأما زمن تملكه فقد توصل الباحثون إلى معرفته من كتابة وجدوها لتغلث فلأسر الأول ذكر فيها عن نفسه أنه جدد بناء هيكل أوانس المذكور في السنة الأولى بعد السبعمائة من بنائه الأول، وكان تغلث فلأسر في خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، فيكون عهد إسمي داجون في خلال القرن التاسع عشر.
وتوفي إسمي داجون عن ولدين ملكا من بعده يسمى الواحد كنعون والآخر شمسي، غير أنه لا يعلم أيهما كان الأسبق في الملك، وليس لهما من الآثار ما هو حقيق بالذكر، وممن اشتهر من أعقابهما همورابي، وهو أول من تروى أخباره عن يقين أخذا عن كتاباته على الآثار، وكان معظم همه موجها إلى تشييد المباني واتخاذ الهياكل والقصور، وقد وجد الباحثون من أبنيته آجرا ضخما يقول على واحدة منه ما ترجمته أن ميليتا الزارية ربة الماء والأرض والهواء والنار وإلاهة الفلك هي سيدتي. أنا همورابي صفي آنو وبعل إيل وولي الشمس الراعي الأمين الذي انشرح به صدر مرودخ الجبار. أنا خليل الإلاهة ميليتا الملك القدير ملك بابل وملك السوميريين والآكديين المتسلط على الأمم كافة. ليكتب أن الآلهة قد ائتمروا وملكوني على هذه الأمم، وقد فعلت كل ما أحبت ميليتا التي خولتني الملك، وسننت على الناس عبادتها كما شاءت، وشيدت لها هيكلا في زاري المدينة المخصوصة بعبادة آكاني، وجعلت هذا الهيكل مقدسا ومعبدا لكل أقطار المعمورة وهو ملاك مملكتي. ا.ه.
وكان مقام همورابي بأور عاصمة المملكة ثم تحول منها إلى بابل، وفيها كان معظم أبنيته، وله في غيرها مبان أخر اشتهرت بفخامتها وحسن رونقها، وهو الذي حفر ببابل الترعة العظيمة التي كان له بها جليل الفخر وحميد الذكر، وقد وفق أهل البحث إلى وجدان آجرة من جدران الترعة قد نقش فيها: أنا همورابي القدير ملك البابليين الضابط لأزمة الأقطار الأربعة - يعني بابل وأرك وآكد وكلنة - القاهر كل مناوئ لمرودخ إلهي ونصيري. إن الإلهين بينا وبعل إيل قد قلداني الملك على أمتي سومير وآكد وأفعما يدي بجزى هذه الطوائف، وقد كريت نهر همورابي الذي هو سعادة البابليين وبلغت به إلى أرض السوميريين والآكديين، فأمرعت به الفلوات القحلة وكل بقعة لا ماء بها أفضت عليها معينا عدا، وأجريت للسوميريين والآكديين مناهل لا تنقطع، فجعلت لهم في المدائن والدساكر قرارا خصيبا، وأنشأت لهم من البلقع الغامر مروجا رائعة وخمائل يانعة وناديتهم أقيموا في الرغد والخصب، فهذه أرضكم أرض ريع وهناء. أنا همورابي الملك الهمام خليل الإله الأكبر، إني وفاقا لما أوعز به إلي مرودخ الإله القدير قد شيدت عند منفجر نهر همورابي أطما شامخ الرأس وشحنته بالبروج العظيمة التي هي أمثال الجبال الشواهق، وسميت هذه الأطم دور أموبانير - أي أطم أموبانير - باسم الأب الذي نزلت من صلبه ، وجعلت هذه الأمصار مباءة لي تخليدا لذكر أموبانيرابي. ا.ه.
ولما انقضى عهد همورابي تداول سريره ملوك كثيرون قد اشتبهت أسماؤهم وتداخلت أنباؤهم، فتعذر تخليص بعضها من بعض، ولذلك أضربنا عن تتبع أخبارهم لقلة جدواها وعدم مصيرها إلى حقيقة قاطعة، وفي عهد أولئك الملوك أخذت دولة الكلدان في الانحطاط والانحلال وزحفت عليهم الجيوش المصرية، فكانت بين الفريقين وقائع متواترة نحو قرن من الدهر، وذلك من سنة 1665 قبل الميلاد إلى سنة 1559، وكان المصريون في هذه البرهة كلها منبثين في مملكة الكلدان لا تخلو من شراذم منهم يسطون في البلاد ويعيثون في أهلها، إلى أن وفد توثمس الأول أحد مشاهير ملوك مصر إلى كركميش في السنة المذكورة وعبر الفرات برجاله وزحف على بابل، فنازلها وألقى الحصار على بروجها، فاستفتحها عنوة ودخلت البلاد في طاعته ولبثت تؤدي الجزية، ولما توفي توثمس تمرد الكلدان على ملوك مصر ونبذوا طاعتهم حتى كان عهد توثمس الثالث، فجدد عليهم الغارة وزحف بجنوده حتى أتى بابل فحاصرها وأخذها وأثخن في أهلها وانصرف عنها ظافرا، وعند انصرافه ولى عليها من يثق به من أهلها بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق، فما زال الأمر فيها للفراعنة من بعده يولون عليها من شاءوا إلى سنة 1314 قبل الميلاد، فكانت مدة ولايتهم على بابل وما يليها مائتين وخمسا وأربعين سنة، وكانوا في هذه الأحقاب كلها يأتون بأولاد الولاة الذين يولونهم بابل إلى مصر فيلقنونهم عقائدهم من الدين ويؤدبونهم بآدابهم وعاداتهم، حتى إذا توفي أحد آبائهم أنفذوا من أعجبهم منهم فعقدوا له مكان سالفه كما هو مقرر في الآثار المصرية، وكان إذا تمرد أحد هؤلاء الولاة وأبى حمل الجزية إلى مصر خلعه الفراعنة عن خطته وقلدوا الأمر من هو أهل له. فأصبح ملوك بابل من خلفاء همورابي وإسمي داجون لا يملكون إلا على أعمال بابل فقط، وصاروا في منزلة ملوك نينوى وسنجار وأيلأسر، وكان عدد من ملك من البابليين تحت إمرة الفراعنة تسعة ملوك ذكر بيروسوس أنهم من أصل عربي، غير أنه لا يعلم هل كانوا من نفس العرب سكان الجزيرة أم من أهل سورية والكنعانيين؛ لأن اسم العرب كان يطلق قديما على كل من كان عربي المنطق، وكانت العربية إذ ذاك شائعة في أقطار آسيا الغربية كلها، والذي في رأي أكثر المحققين أنهم كانوا من العرب السوريين بدليل عبادتهم لسوتخ، وهو من الآلهة التي لم تعرف إلا عند السوريين.
ويذكر في جملة من ولي بابل من ملوك العرب ثلاثة ملوك: أحدهم يقال له بورنبورياس، والثاني كراهرداس، والثالث نزيبوكاس، وهم الذين أضرموا نيران الحرب بين بابل وآشور، فلم ينطفئ سعيرها حتى أخضعهم تغلث سمدان سنة 1314، واستخلص المملكة من أيدي الفراعنة على ما سبق الإلماع إليه، فانثلت عروشهم وتبددوا في الأرض، واستعمل سمدان على بابل رجلا من أصحابه واستمرت بابل تحت إمرة الآشوريين يتعاقب عليها الواحد بعد الآخر إلى منتصف القرن الثاني عشر، فنهض واحد من الكلدان يقال له بين بلأدان، وحشد جموعا كثيرة وزحف على آشور، فواقعها وظهر عليها ورجع عنها ظافرا غانما، فاعتز شأنه وارتفعت كلمته ونفذ سلطانه في الأقاليم الكلدانية كلها، ولما تمهد له أمر الملك أقبل على تحصين بابل وعززها بالأسلحة والرجال وبنى على مدينة نيبور سورا سماه نيويت مرودخ، وفي تلك الغضون توفي ملك آشور الذي كانت الواقعة بين بلأدان وبينه، فقام بالأمر بعده آدار بلأسر، فجيش جيوشه وخرج لقتال بلأدان فاستعرت بينهما الحرب، واتفق في تضاعيف ذلك أن توفي بلأدان وتوفي آدار بلأسر أيضا دون أن يتوجه الفوز لأحدهما، فخلف بلأدان نبوخذرصر وقام مكان آدار بلأسر آشور زيسي وقامت معهما الشرور والفتن، وما زال دأبهما ذلك حتى هلكا كلاهما في حديث قد ذهبت عنا تفاصيله فاقتصرنا منه على ما أوردناه.
Неизвестная страница