وأحسست الإهمال بل الإهانة . وقصدت إلى موظف كبير بهذه الجريدة - صار وزيرا بعد ذلك - وقصصت عليه ما حدث. فابتسم وهو يقول: إنه - أي صاحب الجريدة - لا يعين موظفا في جريدته إلا بعد استشارة السراي. وإنه بالطبع قد عرض اسمي، فوجد الرفض البات المنتظر. فسكت، وأهمل الموضوع.
وهذا كان شأن كثيرين غيره. كانوا يتظاهرون بمعارضة السراي في استبدادها ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يحرصون على الولاء لها فلا يخالفون لها رأيا بل يستشيرونها.
وتسكعت جملة سنوات في الصحافة بسبب هذه المقاطعة؛ حتى لقد مرت علي شهور لم أكن أكسب منها سوى خمسة جنيهات في الشهر كنت أتناولها ثمنا لمقال في «مسامرات الجيب». ومن ذلك: المقال الذي دعوت فيه إلى تأميم قناة السويس.
وفيما بين 1947 و1952 كان «البوليس السياسي» أو «القلم المخصوص»، كانت كل هذه الهيئات تعربد وتعمل للتخريب في السياسة والصحافة والتفكير. وكانت جميع هذه الهيئات أيضا على اتصال بالسلطات الإنجليزية الاستعمارية بدعوى مكافحة الشيوعية وتبادل المعلومات عن نشاط الشيوعيين.
ولم يكن بعيدا على بعض هؤلاء الجواسيس - بحكم هذا الاتصال وطبيعته - أن يخدموا الإنجليز في خططهم الاستعمارية، بل إن هذا هو ما يرجح ما دام هناك اشتراك وتبادل في المعلومات ...
وطغى هذا البوليس طغيانا عظيما حتى لقد كان «يخطف» مؤلفاتي من مكتبة كادموس بلا أدنى حرج. فكان يدخل أحدهم ويضع يده على عشرة وعشرين مجلدا ويخرج بها دون أن يدفع الثمن بدعوى أنها محرمة. وكانت هذه المكتبة في شارع 26 يوليو (فؤاد سابقا). ولا تزال صاحبتها حية أما المكتبة فقد أقفلت.
والذي يجب أن أعترف به في ألم أن أدباءنا الكبار - إلى بداية الثورة في 1952 - لم يعملوا قط للثورة على الأوضاع الخسيسة التي كان يستند إليها نظام الحكم. فلم يكن بينهم إلا من أيد فاروق أسفل تأييد وأحطه. ولي الحق بأن أفخر بأني لم أكن كذلك. وقد نالوا بهذا التأييد كل ما أرادوا من مال وجاه، حتى لقد عيروني بأني أحسدهم على ما نالوه هم وحرمته أنا من يدي فاروق الملوثتين.
وها أنذا في 1957 أجد الجمهورية التي اتهمت بالدعوة إليها وحبست من أجل ذلك في 1946، وأجد نجاح دعوتي للصناعة وهي دعوة أمضيت فيها أكثر من ثلاثين سنة، وأجد دعوتي للعلم كما أجد الإيمان بنظرية التطور، وأخيرا أجد تهمتي بأني أحب دولة الاتحاد السوفيتي، هذه التهمة قد أصبحت فخرا، بعد إذ عرفنا وعاينا موقفها الأبي الكريم نحونا في هجوم فرنسا وبريطانيا وإسرائيل علينا في 1956. وأجد مصريا صميما على رأس حكومتنا هو جمال عبد الناصر الذي نشأ في عائلة فلاحين وتشمم تربة «خيم».
ولذلك أستطيع أن أقول: إني انتصرت. •••
من وقت لآخر أتساءل: ما هو القصد العام في حياتي الفكرية؟
Неизвестная страница