Воспитание и образование в исламе
التربية والتعليم في الإسلام
Жанры
وإنه لمن المؤسف المؤلم أن يكون عددهم بيننا أضحى يزداد يوما بعد يوم لغزو المؤلفات الغربية ديارنا بكثرة، ولانحطاط الأخلاق المستمر وتدهور الوازع الديني، وفشو الرجعية العقلية، وانعدام المناهج التربوية المفيدة التي تعتمد على خلق الروح القومية في الشاب العربي المسلم.
ونحن نرى أن النقطة التي يجب على القوميين العرب الاهتمام بها في هذه الآونة من تاريخنا، للتخلص من ربقة الذل، وطرد المستعمر المسيطر على بعض ديار العروبة من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي، بعد الاستعداد العسكري الكامل؛ هي دراسة أسس التربية العربية القومية والإسلامية، وبحثها من جديد للعمل على خلق جيل صالح مؤمن خير من هذا الجيل الحاضر المنحل في علمه ودينه وخلقه، وعلى قواعد علمية متينة.
فما هي هذه الأسس؟ وما هي تلك القواعد؟ وأين يجب البحث عنها للتعرف على أسرار التربية النفسية التي بها قامت الدولة العربية، وعلى مناهجها شيدت الحضارة الإسلامية؟
لقد فكرت في هذا الأمر طويلا، واهتممت بالبحث فيه منذ زمن بعيد، وعنيت بدراسة التربية العربية وقواعدها وأسسها؛ تلك التربية التي ساهمت مساهمة فعالة في بناء الحضارة العربية، والتي تعتبر بحق نقطة تطور هامة في تاريخ التربية في العالم. وقد ألفت في ذلك رسالتي التي قدمتها إلى السربون في فرنسة لنيل شهادة الدكتوراه في سنة 1939م، وأنا منذ ذلك الحين أبحث وأدرس، وأدأب على التنقيب عن المناهج التربوية القويمة التي سار عليها العرب في خلق أطفالهم وتكوين شبانهم، وإنشاء رجالهم وتثقيف بناتهم، حتى استطاعوا أن يخلقوا تلك الحضارة العربية الخالدة.
لقد كتب في هذه الموضوع جمهرة من علمائنا القدامى الأفذاذ، وبحثوا فيه بحوثا مفيدة لا تقل عن بحوثهم في سائر فروع العلم، أمثال: الإمام محمد بن سحفون، والقابسي، وابن العربي، وابن سينا، وابن رشد، والغزالي، وابن خلدون، والعلموي، والزرنوحي، وغيرهم ممن لا مجال للبحث عنهم وعرض بحوثهم هنا.
أما البحاثون المحدثون من أبناء الضاد فلم يؤتوا هذا البحث صفة من العناية، ولم أر حتى الآن أحدا من رجالات العرب وعلمائهم القوميين الصادقين اهتم بهذا الأمر ووفاه ما يستحق من جهد.
وأما البحاثون من المستشرقين، والغربيين بصورة عامة، ممن عنوا بهذه النواحي، فإنهم على قلتهم أصحاب أغراض - في الغالب - يدسون السم في الدسم، ومهما يزعموا من أنهم مخلصون في أبحاثهم، وأنهم يكتبون ما يكتبون بروح علمية خالصة، فإنهم غير صادقين، اللهم إلا نفرا قليلا منهم يعد على أصابع اليد الواحدة.
ثم إن فيما خلف لنا آباؤنا من تراث علمي في بحوث التربية، التي نشر قسم قليل جدا منها، والتي ما يزال أكثرها مخطوطا ينتظر الناشر؛ لنظريات وبحوثا وآراء يجدر بالباحثين درسها ومناقشتها والوقوف عندها طويلا للإفادة منها في توجيه حركاتنا الثقافية والعلمية والتربوية، والاهتداء بنورها في نهضتنا العربية المتوخاة، فإن أمة استطاعت أن تخرج من جزيرتها وتسيطر على العالم المتمدن إذ ذاك، وتفرض عليه لغتها ودينها وقوانينها، وتطبعه بطابعها لأمة جديرة بالبحث. ولا شك في أنه قد كانت لها أساليب ومناهج تربوية صالحة استطاعت بها أن تخلق أجيالا صالحة تبدع ذلك الإبداع الذي خلفته في آثارها في السياسة والتشريع والعلم والفن والعمران.
إن الإمبراطورية التي شادها أسلافنا العرب بحضارتها وآثارها الباقية لم تكن أمرا مرتجلا، ولا أخبارها ملفقة مكذوبة، بل هي حقائق ثابتة تتبعت سنن النشوء والارتقاء، وسار عليها العرب متدرجين منذ أقصى عصور التاريخ حتى وصلوا إليها في فجر الإسلام، وإن تلك النهضة التي ظهرت يوم قيام الرسول الكريم كانت نتيجة طبيعية لحركات حضارية سابقة، ونتيجة لمقدمات حضارية متسقة تعتمد على التربية والأسس العلمية التي تدرج عليها العرب في دولهم قبل الإسلام. فلما جاء الإسلام اشتد ساعدها، واكتملت مقوماتها فوزعوها على العالم، وفرضوها على سكان إمبراطوريتهم المترامية الأطراف، فقبلها سكان تلك الديار طواعية لما اعتنقوا الدين الجديد، فما هي تلك التربية؟ وما هي أسسها؟ وما هي الأدوار الرئيسية التي مرت بها؟
إن تلك التربية التي قامت بها حضارتنا العربية هي تربية كانت تعتمد على المواطن المتعلم المؤمن القوي المهذب المضحي. أما أسسها فثلاثة، وهي: التعاون، والحرية، والمساواة.
Неизвестная страница