ان اكثر العظماء والنوابغ كانوا معلمين، وهذا ما نتحققه اذا استعرضنا اسماء النحويين والعروضيين والفرضيين والحساب والخطاطين والرواة والقضاة والحكماء والولاة والقادة والرؤساء والكتاب والشعراء والوزراء والادباء.
ويخص بالذكر عبد الله بن المقفع الذي كان من المعلمين والبلغاء المتأدبين والمترجمين، ولكنه لم يفلح في الكلام كما يبدو من رسالة الهاشمية.
ثم إن جميع العلوم إنما تنتقل بين الاجيال بواسطة المعلمين، من حساب وفرائض وقرآن ونحو وعروض واشعار واخبار وآثار، ثم الفروسية والنجوم واللحون والطب والهندسة والنرد والشطرنج والفلاحة والتجارة والبناء والصياغة والخياطة والصباغة والحياكة، وترويض الحيوانات المختلفة من قرود ودببة وكلاب وظباء وببغاء وصقور ودواب.
ان الانسان عالم صغير لأنه ينطوي على جميع الطبائع الموجودة في الحيوانات من «ختل الذئب وروغان الثعلب ووثوب الاسد، وحقد البعير، وهدانة القطاة، وهذا كثير، وهذا بابه، ولأنه يحكي كل صوت بفيه ويصور كل صورة بيده، ثم فضله الله بالمنطق والروية وامكان التصرف» .
والمعلم يقوم بعملين هما التأديب والتعليم ومن هنا دعي ايضا بالمؤدب لأن الأدب يعني الخلق ويعني رواية العلم. ولكن العلم هو الاهم لأنه الأصل. ويلجأ المعلم في عمله التأديبي الى القصاص على التهاون او الكسل، والى الضرب على الفرار، كما يحمل الصبية على الصلاة في الجماعة وتدارس القرآن وحفظ الاشعار والارجاز.
ومع ذلك فان مهنة التأديب لا تدر على اصحابها المال الوفير، ولذا شكا الادباء والشعراء من الفاقة وطلبوا المساعدة.
1 / 28