Египетские и западные переводы
تراجم مصرية وغربية
Жанры
إذا فالدين والعقيدة الاجتماعية والنظام الذي يحصرنا في دائرة هذا الحب الواحد والتفكير الواحد والغاية الواحدة والخلق الواحد، يبني لنا قبر خلدنا، وهو لذلك يفسد أمر الجماعة ويقضي على خير ما فيها من عواطف وأسمى ما فيها من إلهام، فعلى الذين أوتوا ما أوتي شلي من هبة أن يقوموا في وجه هذا الضيق في القلب والعقل والذهن وأن يصلوها من حربهم نارا حامية.
وعاد شلي إلى أكسفورد كئيب النفس حزين الفؤاد ثائر القلب والعقل معتزما أن يشن الغارة على التعصب وأن يفسح الطريق للتسامح والحب والمغفرة والجمال، وكان أول ما صنع من هذا أن أذاع نشرته (الحاجة إلى الإلحاد) موقعا إياها باسم غير اسمه وموزعا لها على كل من ضيق التعصب دائرة قلبه وعقله، فقد بعث بها إلى رجال الدين وإلى المعلمين وإلى المشتغلين بالسياسة، ثم عرضها في مكتبة بأكسفورد لم تلبث أن اعتذرت عن عرضها لأول ما احتج أحد رجال الدين عليها، وقد افتتح هذه الرسالة بقوله «الحس أساس كل معرفة»، وسار فيها بلهجة ملتهبة يطعن كل قيود الدين ويحطمها ، وأبلغت الجامعة أن شلي هو ناشرها، فسألته فأبى أن يجيب فقررت فصله، واحتج صديقه هوج على هذا التصرف من إدارة أكسفورد، فتقرر فصله هو أيضا، وترك الصديقان الجامعة عائدين إلى لندن منتظرين فيها تطور الحوادث وتصاريف الزمن، مكتفين فيها بغرفة اعتبرها شلي مأواهما الأخير.
ولما علم مستر تموذي شلي بفصل ابنه من أكسفورد ثار ثائره واستشاط غيظا وبعث له برسالة يخبره فيها أنه لن يمده بمعونة أو مدد إلا إذا هو رجع إلى فيلدبليس وتلقى فيها الدروس على من يختارهم هو له من الأستاذة، فرد شلي على أبيه يرفض في أدب شروطه، ولم يقنع الأب بهذا الرفض فذهب إلى لندن وقابل برسي وصاحبه هوج وحاول إقناعهما بالحجة ليعدل شلي عما كتب في رسالته عن الإلحاد، ومع ما سلكه من طرق التلطف والمجاملة فقد لقي من ابنه صخرة لا تتزحزح وألفى فيه إباء وقوة عزيمة لم يستطع التغلب عليهما، فتركه عائدا إلى فيلدبليس من غير أن يعطيه درهما، ولعله كان يرجو أن تضطر الحاجة الابن إلى أبيه فينتهي إلى الإذعان، أو لعله كان أشد حرصا على سمعته منه على فتاه، وعلى أي الحالين فقد ظل شلي مصرا على رأيه مرتفعا عن أن ينزل عنه مستخفا بما يتهدده من ضيق ذات اليد، فما كان المال ليوازي عنده يوما شيئا إذا هو تعارض مع إيمانه برأيه، وبقي معه هوج أياما في لندن ثم غادرها إطاعة لأبيه الذي ألحقه بمكتب محام يتعلم الحقوق فيه، وأقام شلي من بعده في العاصمة الإنجليزية وحيدا ليواجه الحياة وزعازعها وليستعد لنضال الجمعية التي اضطرته إلى عزلته، مؤمنا بأنه سينتهي إلى الظفر بها والتغلب عليها. (2) هاريت وستبروك
أقام شلي في العاصمة الإنجليزية وهو أقل تألما لاختلافه مع أبيه ولمغادرته الجامعة وانقطاعه عن الدراسة المنتظمة منه لتنكر ابنة عمه هاريت جروف له وازدرائها حبه وانفصالها عنه؛ لذلك كان أكثر تفكيرا في هذا الحب المحطم منه فيما يقيم به أود حياته، وفيم عسى يفكر من شئون العيش وقد كان قانعا بما دون الكفاف حتى لتكفيه بضعة بنسات طعام يومه؟! فأما هاته التي عقت الحب وعقت آراء جدوين وعقت المبادئ السامية جميعا، فهي اللغز الذي يوجب العناية، وهي الداء الذي يتطلب للبرء منه علاجا حاسما.
وأكب يقلب هذه المسألة على مختلف وجوهها حتى خيل إليه يوما أنه عثر في حجة منطقية على الدواء الناجع لها والحل الصريح للغزها، هو لم يكن يحب من هاريت جسمها ولا كان يقف إعجابه عند جمالها، بل لئن أعجب بحسنها على أنه بعض صور الجمال الذي زينت به الطبيعة الوجود، فإنما كان حبه منصبا كله على سمو ذهنها لإدراك نظرياته ونظريات جدوين في الحياة ونظامها والتسامح وضرورته والحرية وتقديسها والجمال وعبادته، وهذا هو ذهنها قد فتر عن إدراك ذلك كله وهبط إلى مستوى الأذهان العامة وأصبح شيئا آخر غير جدير بأي حب أو تقدير.
فماذا بقي بعد ذلك منها جديرا بالحب أو دافعا للتشبث بها والحرص عليها؟ أو لو عشق إنسان في فتاة جمالها تراه عاشقا الدود الذي يحول إليه جسمها بعد انتقالها إلى قبرها! وقد دفن من هاريت ذلك الذهن الوضاء المرتفع إلى مراقي ذروة التفكير والذي اتصل من قبل بذهن شلي وروحه، وقد اندست إلى قبره ديدان الأوهام والأباطيل، فلينس شلي هذه العاقة إذا، وليسلكها في سلك البائسات الحقيقات بعطفه ورحمته، لكن، لكن هذه الحجة القاطعة التي أرضت عقل شلي لم تطفئ في قلبه جذوة زادها عقوق البائسة ضراما، ولعل مرجع السبب في هذا إلى غدر هاريت لما كان يرجو في صحبتها من تعاون على محاربة الأوهام المفسدة المندسة إلى نفس الجماعة أكثر مما يرجع إلى شيء آخر، فالصحيح أنه لم تكن بينه وبينها صلة حب على نحو ما يفهم هو الحب؛ ولذلك لم يطل في قلبه لاعج الهم ولا ظلت جذوته مستعرة إلا ريثما وجد في هاريت أخرى، لا تقل عن الأولى جمالا ولا ذكاء، ذلك الاستعداد للسمو معه في سماوات الجمال والإلحاد والتسامح وكل ما دعا كتاب الثورة الفرنسية وتابعهم جدوين في الدعوة إليه.
فلقد كانت أخواته البنات يتعلمن في مدرسة للبنات بحي كلابهام، وكانت رشيدتهن هلن شلي تتناول من أختها الكبرى إليزابث رسائل تبعث فيها بما لديها من نقد كي تعطيه هلن لبرسي لتعوضه بعض الشيء عن إهمال أبيه إياه، وكان برسي يذهب إلى مدرسة البنات هذه يحمل بعض الهدايا لأخواته لأنه كان يأبى أن يستأثر بما تبعث به إليه أخته، وما لبث أن تعرف إلى بنات المدرسة حتى بدأ يفكر في إقناعهن برأيه وحملهن على اعتناق نظرياته ومبادئه، وكانت هاريت وستبروك من أكثر أولئك الفتيات رقة وأحلاهن ابتسامة وأغردهن صوتا، وكان جمالها يضيء مزدانا بشعرها الذهبي وخدودها المتوردة وشبابها الضاحك إلى ورود ربيعه، وكانت - على أنها في السادسة عشرة من عمرها - صغيرة القد طفلة النظرة يفيض المرح من وجودها كله ويضوع منها سرور طرب يجعل كل ما حولها طروبا ضحوكا، وقد أتقنت القراءة والإلقاء فزادت عذوبة صوتها وتغريده حياة وروحا، وعني أبوها مستر وليم وستبروك بأن يجعل منها ضريبة لبنات النبلاء ليجزي الحظ بذلك عما كان هو مفتتح حياته حين كان يعمل في الفنادق؛ لذلك كانت شديدة الحرص على الاتصال ببنات النبلاء زميلاتها في المدرسة، وكانت أشد بأخوات شلي اتصالا، فلما رأت الشاب النبيل الجميل برسي يتردد على أخواته وقع من نفسها وتوددت إليه وأظهرت أساها لإلحاده وحاولت أن تصده عنه وأن تقنعه بمثل إيمانها وإيمان الجمعية كلها، لكنها ما لبثت أن اتصلت به حتى تأثرت بروحه وحتى رأت فيما يدعو إليه بهاء وجمالا لا شيء مثلهما أو يقاربهما في تعاليم الكنيسة ورجال الدين، فالحرية الأثيرية الأجنحة الطائرة في فضاء طلق تسبح منه في جمال الوجود ناهلة ورد كل ما فيه من صور هذا الجمال الذي يحمل إليها شذى الحب وعبقه، فيملأ بهما قلب المستمتع بنعيمها من غير أن يثقله بقيد من زواج أو من تملك أو توارث، ومن غير أن يرهقه بالقوانين أو التكاليف، هذه صورة جذابة ليس لها فيما حفظت من تعاليم الدين نظير، إلا أن يكون ذلك في العالم الآخر وبعد انتقالنا من هاته الحياة التي نحسها ونلمسها، ولو أننا تابعنا شلي لاستطعنا أن ننعم بها في الحياة نعيم المؤمنين بها بعد الموت، فما لهذا العصفور الجميل هاريت والتفكير في الموت، وما لها وإكراه خيالها على اقتحام صورة الموت المرعبة إلى ما بعدها لترى ما يخيلون لها من نعيم وهناء وجمال؟! ما لهذا العصفور وهذا الإجهاد ما دام رسول الجمال والحب شلي يضع له الجنة في يديه، جنة لا تقف حدودها عندما يزين من تعاليم ويصقل من صور وآراء، بل تبدو حقيقة ملموسة في جمال صورته، وفي نبله وثروته الواسعة وعذوبة نفسه وطيبة قلبه وحبه الإنسانية كلها حبا جما؟ أوليس خيرا لها أن ترفعها هذه الأيدي الرقيقة الحنون - أيدي شلي - إلى جنات النعيم؛ لذلك ما لبثت أن آمنت بكل ما يقول وأن أصبحت مثله تلميذة لجدوين ولمن أخذ عنهم جدوين حتى أفلاطون، وأصبحت لا تجد سعادة في لحظة أكثر من تلك التي ترى فيها شلي في المدرسة أو التي تذهب له فيها ببيته في شارع بولونيا تحمل إليه ما تعطيها أخته هلن من مال، فقد كانت هلن تبيت بالمدرسة ولا تستطيع الخروج منها في حين كانت هاريت تذهب كل يوم إلى بيت أبيها فتجد الفرصة للمرور بصديقها ووليها وأستاذها ومحبوبها.
وكان لهاريت أخت متقدمة في السن إلى ما فوق الثلاثين اسمها إليزا تقوم منها مقام أمها المتوفاة، وقد سرها ما عرفت من صلة هاريت بشلي، كما سر بذلك أبوها واعتبره خطوة أولى يرقى بها إلى مصاف النبلاء؛ لذلك لم يسؤه يوما مرضت فيه هاريت أن دعت إليزا بشلي إلى مخدع نوم أختها وأن جلس عند أقدامها إلى ما بعد منتصف الليل، وكان من أثر جلوسه إليها أن برئت من مرضها وأن عادت اليوم التالي إلى صحتها وإلى تغريدها، وأن تزايد من بعد ذلك وجدها به حتى صار هياما وتدلها، لكن شلي لم يكن ينظر إليها نظرتها إليه، بل كان يرى فيها حياة الروح وسمو الذهن إلى الاقتناع بآرائه ومبادئه مما يعزيه عن روح ابنة عمه هاريت جروف التي دفنت في قبر الأباطيل ونخر فيها سوس الأوهام، كان يرى فيها ضياء جديدا غير هذا النور الذي خبا، وشريكة فيما يسميه هو الإلحاد في حين هو الإيمان بالعدل والحق والجمال، وإذا هي لم تكن من طائفة النبلاء فلعل في تحررها من قيود هذه الطائفة ما يكفل بقاءها على عقيدتها الجديدة وثباتها في إيمانها الذي أوحاه هو إليها، وما أجمله إيمانا يتحلى به رأس جميل كله الحياة وكله المحبة وكله العواطف المتأججة.
واطمأنت نفس شلي إلى تلميذته وإلى الحياة وعاوده الرجاء في صلاح الإنسانية كلها، وإن كانت هذه الصلة قد أدت إلى فصلها من المدرسة كما فصل هو من أكسفورد من قبل، وزادته طمأنينته هذه شوقا إلى أخته إليزابث أشد من عرف من تلاميذه إيمانا به وحبا له، وفيما كان يفكر في الطريقة التي يعود بها إلى فيلد بليس مر خاله الكبتن بلفولد بلندن وتقابل وإياه، وكان الكبتن رجلا كثير التجوال في مختلف أنحاء العالم، فكان لذلك واسع الصدر متسامحا لا يطيق أن يفهم كيف يؤدي اختلاف أب وابنه في الرأي إلى تعصب الأب وتصميمه على أن يميت ابنه جوعا، فأخذ شلي معه إلى داره بككفلد ليعيد الصلة المقطوعة وليكفل للابن عيشه، وكانت في ككفلد مربية هي مس هتشنر رومانية الجمال تتخطى في طمأنينة إلى الثلاثين من عمرها وتدين بالمبادئ الحرة ولكنها تؤمن بالله، فأخذ الشاب نفسه بأن يشفيها مما سماه «هذا المرض» وقبلت هي أن تتلمذ له، مدفوعة أغلب الأمر بسحر جماله وعذوبة روحه أكثر من اقتناعها بآرائه ومبادئه، واستعان الكبتن بلفولد الدوق نورفلك على التوفيق بين شلي وأبيه، فلم يحتج المستر تموذي لأكثر من كلمة الدوق كي يعود برسي إلى أهله وكي يرى أخته إليزابث، وارتضى الأب أن يرتب لابنه مائتي جنيه سنويا لا يقيدها شرط ولا يؤثر ترتيبها في حرية شلي بأية صورة من الصور.
ولقد فاضت السعادة بشلي في أثناء سيره من بيت خاله لبيت أبيه لغير شيء إلا إطفاء شوقه لإليزابث، لكنه لم يلبث إلا قليلا بعدما رآها حتى بهت وعلاه الذهول، هل هذه هي إليزابث التي يعرفها؟ لقد كانت تؤمن بإيمانه وتدين بمبادئه، وكانت عونه على هاريت جروف حين تنكرت له وعقت مبادئه وعادت إلى مثل أوهام العامة وعقائدها، فكيف بها هي الأخرى تفعل فعلة هاريت وتثور به وبمبادئه وتجعل كل همها أن تجيل الطرف فيمن حولها من الشبان وأكبر رجائها أن تجد منهم زوجا صالحا؟ أفترى أولئك الفتيات وبنات جنسهن جميعا ضعيفات غاية الضعف متى تحركت الأمومة في أحشائهن حتى ينزلن خاضعات لسلطانها عن كل شخصيتهن، ويتجهن بوجودهن كله تلبية لرغبات هذه الغريزة فيهن باحثات في أقرب ما يجاورهن عن مستقبل وادع مطمئن للنسل الذي تحمل أرحامهن؟ وهل ينسين ساعة بحثهن هذا كل ما يسمو إليه الحب من معان وما يطمئن المحب إليه راضيا من تضحيات في سبيل تحقيق هذه المعاني؟ ألا تعسا لنظام الجمعية الزائف القائم على الكذب والوهم المدعم بالقسوة والدماء! فهو الذي يقضي على أذهان بنات حواء هذا القضاء القاسي.
Неизвестная страница