Египетские и западные переводы
تراجم مصرية وغربية
Жанры
أما إسماعيل فأيقن أن لا مفر له من الانحناء لعاصفة لم يكن يستطيع مواجهتها، وإن لم ينقطع رجاؤه في العود يوما ما إلى هذا العرش الذي انتزع منه اغتصابا؛ لذلك قابل الصدمة بكل ما يستطيع رجل في عظمته وفي قوته أن يواجهها به، وأظهر من العطف على ولي عهده ما لم يكن له من قبل به عهد، وفي الأيام التي انقضت ما بين تبوؤ توفيق عرش أبيه وسفر إسماعيل من بلاد عزيزة عليه كانت عواطف الأبوة والبنوة بينهما كخير ما يمكن أن تكون في مثل هذا الظرف العصيب.
اطمأن توفيق إذا من هذه الناحية، ولقد أظهر من عواطف البنوة ما دفعه للتنازل عن عشرين ألف جنيه من مرتباته السنوية لأبيه كي تبلغ مرتباته خمسين ألف جنيه، ولمناسبة رفع مرتبات البيت الخديو إليه أراد في نفس الوقت أن يظهر للأمة حرصه على مصلحتها ومشاركته إياها في متاعبها المالية، فأمر بإلغاء الراتب المعين لوالدته وحرمه وقدرهما خمسة وخمسون ألف جنيه.
بعد ارتقاء توفيق العرش جعلت تركيا تفكر في الاستفادة من الانقلاب بأن تسترد ما كسبته مصر بفرمان سنة 1873 الذي جعلها مستقلة استقلالا داخليا تاما فيما عدا سك العملة ودفع الجزية، وقد أثار هذا الخبر في مصر قلقا غير قليل، على أن فرنسا وإنجلترا عارضتا الباب العالي فيما أظهره من عزمه وأنبأتا ممثليهما في مصر بأنهما معتزمتان فيما إذا لم يكرر السلطان أحكام فرمان سنة 1873 في الفرمان الذي يوجهه إلى الخديو توفيق أن تطلبا الاستقلال التام لمصر، وقد اختلف في الأسباب التي دعت تركيا إلى هذا التصرف: أهي كانت تريد بالفعل إلغاء الحقوق والامتيازات التي حصلت عليها مصر في أثناء ولاية إسماعيل باشا؟ أم هي كانت تتذرع بالمطل والتسويف للحصول على مبلغ من المال بدليل أنها قطعت في ذلك الوقت حوالة على مصر أبت الحكومة المصرية قبولها بسبب ارتباكها المالي، على أن هذا التسويف طوع لفرنسا ولإنجلترا أن تتدخلا وأن تطالبا الباب العالي بإبلاغهما فرمان تولية الخديو كوثيقة دولية، وأن تثبتا بذلك حقوقهما في التدخل في شئون مصر للمحافظة على حقوقها بإزاء تركيا استنادا على ما كان من تدخلهما للمحافظة على مصالح رعاياهما الدائنين للحكومة المصرية، وكان من أثر ذلك أن شعر توفيق بما للدولتين من فضل عليه بسبب محافظتهما على حقوقه وحقوق البلاد التي ولي عرشها.
ولم يصل الفرمان بتولية الخديو الجديد إلا بعد شهرين من ارتقائه عرش أبيه، أي في 14 أغسطس سنة 1879.
خلال هذين الشهرين كانت خطة توفيق غامضة ما تزال، فهو حين ارتقى العرش كان في زمرة الماسون الذين يناصرون الحرية والعدالة؛ لذلك وجه خطابه إلى شريف باشا لتشكيل الوزارة الأولى في عهده مقدرا للأمة معتمدا عليها ذاكرا «إني عظيم الميل لبلادي، شديد الرغبة في تحقيق آمال الأمة التي أظهرت السرور بولايتي، عازم عزما أكيدا على التماس أحسن الوسائل لإزالة الاختلال المفسد لكثير من المصالح، إلا أن إدراكي لهذه الغاية التي هي موضوع آمالي يتوقف على مساعدة الأمة بجملتها.»
وتحقيقا لهذه السياسة تألفت لجان من الأوربيين غايتها تقديم العرائض إلى قناصلهم يلتمسون بها من دولهم منع تدخل الأجانب في أحوال مصر وقصر النظر فيها على الوطنيين، ثم إن توفيق باشا تحدث في ذلك الظرف إلى مكاتب التيمس، فأشار بادئ ذي بدء إلى أنه لا يبرح مقيد اليد في العمل حتى يرد الفرمان بتعيينه، لكنه مع ذلك صرح للمكاتب بأنه لا يريد الرجوع إلى تعيين وزراء أوربيين، بل ينبغي أن تكون الوزارة مصرية وطنية يصح أن يعاونها رجال من الأوربيين في الإدارات على أن يكونوا موظفين مصريين لا أكثر، أما سير ريفرس ولسن ومسيو دبلنيير شخصيا فقد صرح توفيق بأنه يعارض أشد المعارضة في رجوعهما أيا كانت صفتهما؛ لأن رجوعهما يكون مخالفا لمصلحة مصر على خط مستقيم، وطلب الخديو إلى الدول في حديثه هذا أن تمهله بضعة أعوام «فنحن في مقام الامتحان فلا يحسن بأوربا أن تمسك علي وعلى مصر طريق النجاح».
وكان من أثر هذه الخطة وتلك التصريحات أن هدأت أعصاب المصريين التي كانت متوترة في الأيام الأخيرة من عهد إسماعيل، فعلى الرغم من عزل الحكومة عشرة آلاف من الجند المجتمعين تحت السلاح وإنقاص الجيش العامل إلى اثني عشر ألفا وتأخير صرف مرتبات الكثيرين، أمسك الرجاء بالناس عن أن يلجأوا للهياج، لكن نيات توفيق باشا الديموقراطية لم تلبث إلى أكثر من وصول الفرمان بتثبيته على عرشه، ففي مساء اليوم الذي عاد فيه مندوب السلطان الذي كان يحمل هذا الفرمان قافلا إلى تركيا بعد حفلة تلاوته أقيلت وزارة شريف باشا وألف توفيق باشا وزارة تحت رئاسته مباشرة، والحجة التي روجت تبريرا لهذا التصرف إنما هي إرادة الخديو تعجيل الإصلاح، أما الحقيقة فعدم رضا توفيق عن ميول شريف باشا الدستورية، ففي الخطاب الذي أرسل به الخديو إلى كل من وزرائه الجدد معنى قصده العودة إلى حكومة الفرد، فيه تكليف لكل من النظار أن يحضر أوراق شئون وزارته ومعلوماتها عند حضوره إلى المجلس لعرضها، على أن توفيق كان يشعر بأن الأمة لا يمكن أن ترضى عن هذه الحال؛ لذلك بعث بتلغراف إلى رياض باشا الذي كان متغيبا هو ونوبار باشا، أو قل منفيين في أوربا، يستقدمه إليه لعلمه بعدم ميل هذا الوزير إلى حياة الشورى، فلما حضر في أوائل سبتمبر عهد إليه بتشكيل الوزارة وقطع على نفسه العهد باحترام إرادة 28 أغسطس سنة 1879 التي قررت مبدأ مسئولية الوزارة وتضامنها، وبعد ثلاثة أشهر من استقرار هذه الوزارة في مناصبها زار توفيق - جريا على سنة أسلافه - أنحاء ملكه في الوجهين القبلي والبحري وقضى فيهما أشهرا وعاد منهما في أوائل مايو سنة 1880.
وكان الهدوء شاملا أنحاء مصر في هذه الفترة، لكنه كان هدوء تربص وانتظار، ذلك بأن المسألة الشائكة التي انتهت بعزل إسماعيل كانت تحت البحث منذ أول ولاية توفيق، وكانت لا تؤذن بخير كثير، فعلى الرغم مما أعلنه الخديو لمكاتب التيمس من المعارضة في عودة ولسن ودبلنيير بعد فشل سياستهما المالية في مصر لم تر الحكومة الفرنسية بعد اتفاقها مع حكومة مصر على إعادة المراقبين أن يعين أحد غير مسيو دبلنيير، أما الحكومة البريطانية فأشارت بتعيين السير بارنج (لورد كرومر) وتم تعيين المراقبين في 4 سبتمبر سنة 1879 وباشرا عمليهما، وانتهيا بتقديم تقرير إلى الخديو في أواخر عام تعيينهما يقترحان فيه تعيين لجنة تصفية للدين المصري كله، وبعد محادثات بين الدول صاحبات الشأن تعينت اللجنة في 31 مارس برئاسة السير ريفرس ولسن وتعهدت الدول بقبول قراراتها، وإذا فقد رأى توفيق نفسه بإزاء حالة كان يراها أول جلوسه على العرش مخالفة لمصلحة مصر على خط مستقيم من غير أن يستطيع لها نقضا.
وقدمت لجنة التصفية تقريرها في 17 يوليو سنة 1880 فأصدره الخديو فورا وأطلق عليه اسم قانون التصفية، وعلى موجب هذا القانون بلغ دين مصر 98748930 جنيها، وقد روعيت في هذا القانون، كما روعيت في كل تصرفات ممثلي الدول الأجنبية، مصالح الدائنين الأجانب على حساب نظام الحكم في مصر، وبالرغم مما كان يعلمه المراقبون وغير المراقبين من أن أكثر من نصف هذا الدين لم يدفع إلى مصر لم يفكر أحد في إلزام الدائنين بالتنزل عن شيء من الديون الاسمية التي كانوا يقتضونها من مال المصريين ومن دمائهم، ولما كان تدخل الأجانب مثيرا لعواطف المصريين في عهد إسماعيل فقد بدأت هذه العواطف تثور من جديد بعد هدأة التربص، وبدأت العاصفة تتكور في الجو لتؤذن بالانفجار عما قريب.
وبدأت نذر الانفجار بما كان من تبرم رجال الجيش تبرما سببه امتهان العنصر المصري فيه لمصلحة الأجانب من الأتراك والجراكسة، فلما سرح إسماعيل باشا في أواخر أيامه ألفين وخمسمائة من الضباط أكثرهم مصريون كان إخوانهم يشعرون بالألم من أجلهم ويخشون أن يصيبهم مثل نصيبهم، على أن ارتقاء توفيق إلى العرش واستيزاره شريف باشا هدأ الحالة زمنا، فقد ظن الناس أنهم حاصلون على هيئة نيابية خير من شورى النواب القديم تراقب الحكومة وتمنع تدخل الأجانب وتعيد العدل إلى نصابه، فلما عين رياض باشا وعين معه في وزارة الحربية شركسي قح هو عثمان رفقي، يمقت المصريين ويمتهنهم، ولما تكشفت نيات الخديو ووزارته عن العدول عن الحكم النيابي بل عن شورى النواب نفسه، ثم لما بدئ بتنفيذ قانون التصفية وتبين أن حال مصر المالية لم تفد منه خيرا - لما حدث ذلك كله كان المدنيون وكان رجال الجيش تغلي في صدورهم مراجل الحقد وتأجج نفوسهم بنيران الثورة.
Неизвестная страница