Египетские и западные переводы
تراجم مصرية وغربية
Жанры
لكن ذلك كله لم يوهن من عزيمة إسماعيل الصلب ولم يثن من إرادته، يجب أن يوجد المال للقيام بمشروعاته ولمضاعفة هذا البذخ الذي كان يعيش فيه، والذي اضطره لنثر الذهب من الأبواب والنوافذ نثرا، وهل تراه يرضى أن يقول لرجل من أتباعه الذين يتولون تسليته أو لجارية من مئات الجواري اللاتي كانت تترنم بأصواتهن قصوره: إن سيدكم قد عرف أخيرا كلمة المستحيل، كلا، ليس هذا من خلق إسماعيل، فليعقد إذا قرضا ترهن أملاكه الخاصة لسداده، وعقد بالفعل قرضا خاصا في سنة 1870 قيمته الاسمية 7142860 جنيه والمبلغ المتحصل منه بالفعل خمسة ملايين جنيه.
من سنة 1870 بدأ يرمي بنظره إلى التوسع الاستعماري، ولقد أصاب من ذلك حظا من النجاح غير قليل، ففيما بين هذه السنة وسنة 1875 استصفى لمصر كل الشواطئ الشرقية من السويس إلى رأس غردفوي وحاصر بربر وزيلع، وفي سنة 1874 ضم دارفور إلى مصر واحتل هرر، وقد أدى احتلال هرر إلى حروب مع الحبشة قتل فيها ابنه، ولم يكن النصر فيها حليف جيوشه، على أن ذلك لم يصدها عن التوغل جنوبا إلى حدود الأوغندة، وكان من أكبر رجال إسماعيل المسئولين في السودان صمويل بيكر والكولونيل جوردون، ولعل ذلك كان أول ما دعا إنجلترا لتفكر في هذا القطر النائي، وكان السبب في السياسة التي رسمتها لنفسها فيه والتي أدت إلى مركز السودان الحاضر.
1
وكانت هذه الأعمال، وكان إسراف الحكومة في مصر، وكانت نفقات إسماعيل ومن حوله، تجعل كل مبلغ ضئيلا لا يقوى على سدادها، لكن إسماعيل باشا بدأ يرى هول الديون التي استدانها وبدأ يشعر بأن من الواجب التفكير في السعي للتخلص منها، ولعله كان مخلصا في سعيه، وإن كانت كل الوسائل التي ابتدعت لجلب المال لم تنجح في أكثر من أن زادت الخديو مطامع وسرفا، وأول ما أبدع من الوسائل قانون المقابلة، وخلاصته: أن ديون مصر إلى يومئذ كانت تبلغ ستة أمثال الضريبة العقارية، فإذا دفع الملاك ضعف الضريبة المضاعفة يعفى الملاك أبدا من نصف الضريبة التي عليهم، وقد دفع كثير من كبار الملاك والباشوات الضريبة المضاعفة بطلب ولي الأمر، وبدأت الحكومة فعلا تسدد الدين السائر، لكنها لم تمض عليها سنة واحدة حتى كانت قد استدانت من جديد بسندات أصدرتها مكفولة بضريبة المقابلة ما قيمته اثنا عشر مليونا من الجنيهات.
ولما كان موعد الخمس السنوات المحدد في عقد قرض سنة 1868 قارب الانتهاء رأى إسماعيل أن يستأذن الباب العالي في قرض جديد يوحد به ديونه، واتفق فعلا مع بيت أوبنهيم الذي أصدر قرض سنة 1868 على أن يصدر قرضا جديدا قيمته اثنان وثلاثون مليونا من الجنيهات لهذا التوحيد، على أن كل ما حصلته الحكومة المصرية من هذا المبلغ كان 20840077 جنيه، وكان الدين السائر وحده قد بلغ يومئذ ثمانية وعشرين مليونا.
ثم إن الخديو كان قد اضطر إلى إنفاق مبلغ ضخم في الأستانة للحصول على فرمان سنة 1873 الذي وطد الوراثة في بكر الأبناء على نحو ما صدر به فرمان سنة 1866، والذي أتم لمصر استقلالها الداخلي حتى لم يبق لتركيا إلا أن تسك العملة باسم سلطانها وتتقاضى الجزية آخر كل سنة، وزاد هذا المبلغ في مقدار الديون السائرة زيادة جعلتها تجاوز مقدار القرض الجديد بما يوازي نصفه؛ لذلك لم يفلح القرض في سداد الدين السائر، واستمر إسماعيل على طريقته يصدر سندات جديدة أسماها في هذه المرة سندات الرزنامة، وقد حصلت الحكومة من هذه السندات 3337210 جنيه فلم تكف هي الأخرى مضافة إلى الدين الجديد لسداد الديون السائرة، ولم يبق أمام إسماعيل إلا بيع أسهم الحكومة في قنال السويس، ولقد عرضها للبيع في السوق العالمي، لكن إنجلترا جعلت المسألة ماسة بسياستها ووقفت في وجه فرنسا واشترت الأسهم من إسماعيل بمبلغ أربعة ملايين من الجنيهات وتمت الصفقة في عام 1875.
وفي هذا العام الذي أطل فيه الخراب محدقا بعينيه البشعتين في وجه إسماعيل تم تنظيم المحاكم المختلطة بعد معارضة غير قليلة من جانب فرنسا، وافتتحها إسماعيل وهو ما يزال يأمل في أن أعمال الحضارة التي قام ويقوم بها في مصر تسمح له أبدا بأن يجد من الدائنين من يثق به، ناسيا أنه كان قد رهن كل إيرادات الدولة وكل أملاكه الخاصة، وأن الثقة به تزعزعت في كل مكان؛ لذلك ما بزغت شمس سنة 1876 حتى كان وقت الحساب قد آن، وحتى أطفئت أنوار هذه الأعياد الدائمة وهذا النشاط العجيب الذي نشره إسماعيل لا في مصر وحدها بل في أرجاء كثيرة قريبة من مصر ونائية عنها: في السودان وفي تركيا وفي فرنسا وفي إنجلترا وفي كل بلد حلت به رحاله أو كان له دائنون فيه.
سنة 1876، نعم هي السنة العصيبة في حياة إسماعيل لأنها السنة التي بدأ فيها الصراع العنيف بينه وبين أوربا مجتمعة، والعجيب أنه واصل هذا الصراع وما يزال واثقا من نفسه ومن حيلته؛ لذلك كان إذا اضطر إلى الإذعان يوما لم يكن ذلك منه حرصا على الوفاء ولكن انتظارا لفرصة النكث والأخذ بالثأر، لكن خصومه كانوا أقوى منه أضعافا برغم أنه كان في داره، وعلى الرغم من كل الوسائل التي لجأ إليها فقد انتهى آخر الأمر فأسلم نفسه للمقادير التي قضت بخلعه وإبعاده عن بلاده بقية حياته.
ومن عجيب سخر القدر من الناس أن إسماعيل هو الذي ألقى لأوربا بأول فكرة للتدخل في شئونه وشئون مصر تدخلا ينتهي في أمره هو إلى الخلع، وفي أمر مصر إلى الخضوع لنير أوربا أولا وإنجلترا أخيرا، ذلك بأنه لما ثقل حمله وأيقن أن لا وسيلة إلى الاقتراض من جديد إلا أن تثق به أوربا أجال نظره صوب صديقته الصدوق فرنسا فألفاها ما تزال مهيضة الجناح من أثر هزيمتها سنة 1870، عند ذلك فكر في مصادقة إنجلترا وانتهز فرصة مرور ولي عهدها بمصر فطلب إليه أن يعين إنجليزيا مستشارا للمالية المصرية، وكان جواب ولي العهد أن ذلك من شأن القنصل الإنجليزي، فبعث القنصل بخطاب إلى حكومته كطلب إسماعيل، وأهملت إنجلترا الخطاب حتى اشترت أسهم القناة، يومئذ ذكرت الخطاب من جديد فأرسلت إلى مصر ببعثة لفحص شئونها المالية وعلى رأسها المستر ستيفن كيف.
ولم يترك إسماعيل باشا وسيلة لاسترضاء المستر كيف ولجنته إلا بذلها، وقدمت اللجنة تقريرها إلى الحكومة الإنجليزية فامتنعت عن نشره بحجة أن النشر يزيد مركز الخديو حرجا، ولقد نشر التقرير من بعد فتبين أنه لا يزيد المركز سوءا، وأنه على العكس من ذلك يبين للناس أن ما اقترضته مصر إنما أنفق أكثره في أعمال مثمرة إن لم تظهر نتائجها بعد، فهي على كل حال ضمان يمكن أن يعتمد الدائنون عليه، على أن التقرير استظهر دقة حال مصر وأشار بأن لا بد من توحيد ديونها على قاعدة جعل الفائدة لها جميعا 7 في المائة، ولم يعجب إسماعيل هذا الرأي وأراد المقاومة بتأجيل الدفع ولو كان من نتيجة ذلك إشهار إفلاسه أسوة بمتبوعه الأعظم سلطان تركيا، لكن سرعان ما أدرك خطر ما اندفع إليه فتلافاه بأن أصدر قانونا في 2 و7 مايو سنة 1876 بتوحيد الدين وبإنشاء صندوق خاص بعملياته، وصندوق الدين تعين الحكومة المصرية أعضاءه من الأجانب بالاتفاق مع دولهم، وهذه أول خطوة من خطى التسليم والخضوع لأوربا ولتدخلها في شئون مصر الداخلية.
Неизвестная страница