Биографии известных людей Востока в девятнадцатом веке (часть первая)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Жанры
وفي 20 محرم أرسل إلى الآستانة، وطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام ثم قتلوه، وخلع السلطان على إبراهيم باشا خلعة شرف مكافأة له، وسماه واليا على مكة، فاتصلت هذه الأخبار بدرعية فخاف أهلها، فهدموا المدينة وفروا من وجه الموت، فاحتلتها الجنود الظافرة وانتهى أمر الوهابيين. أما محمد علي باشا فإنه نال من إنعام السلطان محمود لقب خان مكافأة لإخلاصه وبسالته، وهو لقب لم يمنح لأحد من وزراء الدولة إلا حاكم القرم.
ولما انتهى هذا الرجل الخطير من محارباته في بلاد العرب فكر في افتتاح السودان على أمل أن يلاقي فيها الكنوز الثمينة من معادن الذهب بجوار البحر الأزرق، ناهيك بما هنالك من المحصولات والواردات العجيبة من الصمغ والريش والعاج والرقيق وغير ذلك، فجند خمسة آلاف من الجند النظامي، وبعض العربان، وثمانية مدافع، وجعل الجميع تحت قيادة إسماعيل باشا أحد أولاده، فسارت الحملة من القاهرة في شعبان عام 1235ه/يونيو (حزيران) 1820م في النيل، فقطعت الشلال الأول فالثاني فالثالث حتى السادس فأتت شندي والمتمة، وقد أخضعت كل ما مرت به من القرى والبلدان بدون مقاومة، ومن شندي سارت إلى سنار على البحر الأزرق وراء الخرطوم، ولم يكن من القبائل التي يعتد بها هناك إلا الشائقية فقاوموا قليلا ثم سلموا، ودخلت سنار وكردوفان في أملاك مصر، فسار إسماعيل باشا في جنوده إلى فزغل، وهناك ظن نفسه اكتشف معادن الذهب ، ثم فشا في رجاله الوباء فمات منهم كثيرون، ثم أتته نجدة من ثلاثة آلاف رجل تحت قيادة صهره أحمد بك الدفتردار فاشتد أزره، فأقام صهره هذا على كردوفان، وسار في جيش إلى المتمة على البر الغربي من النيل، ثم عدى إلى شندي في البر الشرقي لجباية المال وجمع الرجال، فاستدعى إليه ملكها واسمه النمر، وقال له: «أريد منك أن تأتي إلي قبل خمسة أيام بملء قاربي هذا من الذهب وألفين من العساكر.» فجعل الملك يستعطف إسماعيل باشا ليتنازل عن ذلك القدر، فقبل منه أخيرا عوضا عن الذهب مبلغ عشرين ألف ريال من الفضة، فأجابه إلى ما أراد، ولكنه لم يكن يستطيع جمعها في تلك المدة فطلب إليه تطويل الأجل فضربه إسماعيل بالشبق (الغليون) على وجهه قائلا: «لا. إن كنت لا تدفع المال فورا ليس لك غير الخازوق جزاء.» فسكت النمر، وقد أضمر له الشر وصمم على الانتقام، فطيب خاطره ووعده بإتمام ما يريد، وفي تلك الليلة جعل يرسل التبن الجاف أحمالا إلى معسكر إسماعيل علفا للجمال، ولكنه أقامه حول المعسكر كأنه يريد إشعاله، وفي المساء أتى إلى إسماعيل في سرب من الأهالي ينفخون بالمزمار ويرقصون رقصة خاصة بهم، فطرب إسماعيل ورجاله وضباطه، ثم أخذ عدد المتفرجين من الوطنيين يزداد شيئا فشيئا حتى أصبح كل أهل المدينة هناك، فلما تكامل العدد أمرهم ملكهم بالهجوم فهجموا بغتة على إسماعيل ورجاله ثم داروا بالنيران على التبن فأشعلوه، فمات إسماعيل باشا وكثيرون ممن كانوا معه بين قتل وحرق، وفي اليوم التالي أتموا على الباقين وساقوا سلبهم إلى المدينة.
فاتصل الخبر بأحمد بك الدفتردار فاشتعل غيظا، وأقسم أنه لا يقبل أقل من عشرين ألف رأس انتقاما لإسماعيل، فنزل بجيشه القليل، ولم ينفك حتى أنفذ قسمه فقتل ذلك العدد من الرجال متفننا في طرق قتلهم على أساليب مختلفة، فهدأت الأحوال بعد ذلك، وهكذا تم افتتاح السودان، وما زال أحمد بك على حكومة سنار وكردوفان إلى عام 1240ه/عام 1824م ثم أبدل برستم بك.
وفي عام 1239ه أرسل محمد علي باشا بأمر الباب العالي حملة مصرية تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا لمحاربة المورا في بلاد اليونان، فسار وحارب، وأظهرت العمارة المصرية في تلك الحروب شجاعة الأبطال، ولولا اتحاد الدول مثنى وثلاث على الجنود العثمانية والمصرية لما قامت لليونان قائمة في تلك الحرب، ولكننا نقول: إن إبراهيم باشا عاد عود الظافرين بعد أن بذل في سبيل ذلك عشرين مليون فرنك وثلاثين ألف مقاتل.
ثم كانت حملة إبراهيم باشا على سوريا لافتتاح عكا لأسباب تتضح للقارئ من مراجعة ترجمة الأمير بشير الشهابي الثاني في هذا الكتاب، فجرد محمد علي باشا سنة 1247ه/عام 1831م حملة في البر والبحر، فأرسل البيادة والطبجية عن طريق العريش برا، وسار إبراهيم باشا إلى يافا، وسار في جيشه إلى عكا فوصلها في 21 جمادي الأولى سنة 1247ه فحاصرها برا وبحرا إلى 26 ذي القعدة منها، فهجم عليها هجمة نهائية شفت عن تسليمها. ثم سار قاصدا دمشق فأخضعها، ولم تدافع إلا يسيرا، وبارحها إلى حمص حيث كانت تنتظره الجنود العثمانية تحت قيادة محمد باشا والي طرابلس، فوصلها في 8 يوليو (تموز) سنة 1822م، فهجم عليه محمد باشا، وبعد الأخذ والرد استولى إبراهيم باشا على حمص، فخافت سوريا سطوة هذا القائد العظيم، فسلمت له حلب وغيرها من مدن سوريا، فتغير وجه المسألة باعتبار الباب العالي، فبعث حسين باشا السرعسكر بجيش عثماني لإيقاف إبراهيم باشا عند حده، فجاء وعسكر في إسكندرونة، فلاقاه إبراهيم باشا وحاربه وانتصر عليه، ولم يعد يلاقي بعد ذلك مقاومة تستحق الذكر، ثم تقدم في آسيا الصغرى تاركا طورس وراءه، وكان الباب العالي قد أرسل رشيد باشا في جيش لملاقاته، فجند إبراهيم باشا جندا كبيرا من البلاد التي افتتحها، وسار نحو الآستانة لملاقاة رشيد باشا، فالتقى الجيشان في دسمبر (ك1) سنة 1832م في قونية جنوبي آسيا الصغرى، فتقهقر رشيد باشا برجاله، واخترق إبراهيم آسيا الصغرى حتي هدد الآستانة.
فتعرضت الدول وفي مقدمتهن الدولة الروسية فأنفذت إلى مصر البرنس مورافيل لمخاطبة محمد علي باشا بذلك وتهديده، فبعث إلى إبراهيم باشا أن يتوقف عن المسير، ثم عقدت بمساعي الدول معاهدة من مقتضاها أن تكون سوريا قسما من مملكة مصر وإبراهيم باشا حاكما عليها، وجابيا لخراج أدنة، وقد تم ذلك الوفاق في 24 ذي القعدة سنة 1248ه/14 مايو (أيار) سنة 1833م، وهو المدعو «وفاق كوتاهيا»، فعاد إبراهيم باشا إلى سوريا، واهتم بتدبير أحكامها وجعل مقامه والا في أنطاكية وابتنى فيها قصرا وقشلاقات وولى إسماعيل بك على حلب، وأحمد منكلي باشا على أدنة وطرسوس، أما الإجراءات العسكرية فلم يكن يسوغ لأحد أن يتولاها سواه.
وكان إبراهيم باشا سائرا بالأحكام بكل دراية وحكمة خشية سوء العقبى إلا أنه مع ذلك لم ينج من ثورة ظهرت في ضواحي السلط والكرك في أواخر سنة 1249ه/منتصف عام 1834م وامتدت إلى أورشليم، وبعد الأخذ والرد اضطر إبراهيم باشا إلى الاعتصام بأورشليم؛ لأنها ذات أسوار منيعة، ثم امتدت الثورة إلى السامرة وجبال نابلس.
وفي 16 يونيو (حزيران) منها هجم المسلمون على صفد وفيها جماهير من اليهود، فهدموا منازلهم، وقتلوا رجالهم، وفتكوا بنسائهم، وأصبحت تلك المدينة في حوزتهم، ثم أجروا مثل هذه التعديات على المسيحيين في الناصرة، وبيت لحم، وأورشليم، ولكنهم لم يتمكنوا مما تمكنوه بصفد، ويقال بالجملة: إن سوريا أصبحت بسبب ذلك شعلة ثورية، فاتصل الخبر بمحمد علي باشا فبرح الإسكندرية إلى يافا فتقربت منه وجهاء البلاد وسراتها، ثم عمدت الجيوش المصرية إلى قمع الثائرين، فتشتت العصاة إلا النابلسيين فإنهم قاوموا طويلا، لكنهم أذعنوا أخيرا، ثم هاجم المصريون السلط والكرك وهدموها، وبعد قليل عادت الثورة إلى جبال النصيرية، فاعترض أهلها فرقة من الجند كانت سائرة من اللاذقية إلى حلب وأعادوها إلى حيث أتت؛ فأرسل المصريون سبعة آلاف مقاتل اتحدوا بثمانية آلاف من الدروز والمارونيين تحت قيادة الأمير خليل ابن الأمير بشير أمير لبنان، وسار الجميع إلى النصيرية وأخضعوهم، ثم سعى إبراهيم باشا في تجريد السوريين من السلاح خوفا من عودتهم إلى الثورة ففعل، لكنه لم يستطع تجريد اللبنانيين، وكان الأمير بشير وإبراهيم باشا على وفاق تام وكأنهما خلقا ليتحدا.
وبعد أن أتم إبراهيم باشا جمع سلاح السوريين بمساعدة الأمير بشير هجم برجاله على أهالي الشوف والمتن من لبنان، وجمعوا ما استطاعوا جمعه من الأسلحة، وحملوا كل ما جمعوه منها إلى عكا، وكانوا يصنعون منها نعالا لخيولهم ، فاستتبت الراحة في سوريا وأذعنت البلاد، إلا أن محمد علي باشا لم يقف عند هذا الحد، فأحب استخدامها لتوسيع دائرة حكمه، فجعل يجمع منها الرجال والخيل بطرق زجرية فشق ذلك على الباب العالي، فعقد مجلسا في يناير سنة 1839 للنظر في مقاصد المصريين، فأقر المجلس على تجريد حملة من ثمانين ألف مقاتل منهم خمسة وعشرون ألفا من الباشبوزق طبقا لإرادة السلطان محمود الثاني، وأن تسير تحت قيادة حافظ باشا لمحاربة المصريين.
وكان محمد علي باشا قد سار إلى السودان تاركا القاهرة تحت قيادة حفيده عباس باشا، فلما عاد إليها علم بإعدادات الباب العالي فانذعر لها فكتب إلى ابنه يستحثه، فأخذ إبراهيم في الاستعداد للدفاع، فحشد جيوشه في حلب لدفع الجنود العثمانية القادمة برا، ثم علم أن معظم الأهالي راغبون في دولتهم الأصلية، ومستعدون للتسليم وعلى الخصوص الدروز تحت قيادة شبلي العريان أحد أبطالهم المعدودين، فحصلت مواقع شديدة بين الجيوش العثمانية والجيوش المصرية في نزيب انتهت بانهزام الأولى إلى مرعش، وكان السلطان محمود قد أرسل عمارة بحرية لمحاربة المصريين فجاءت الإسكندرية فأصابها ما أصاب الحملة البرية، ولكنه توفي قبل بلوغه خبر تلك الوقائع، فخلفه السلطان عبد الحميد سنة 1839.
Неизвестная страница