Биографии известных людей Востока в девятнадцатом веке (часть первая)

Журджи Зайдан d. 1331 AH
137

Биографии известных людей Востока в девятнадцатом веке (часть первая)

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

Жанры

ومن هذا القبيل المرحوم السيد عبد الرحمن الكواكبي الحلبي، فقد جاء مصر سنة 1318ه وأقام في قلب العاصمة، ومع سعة علمه وغزارة مادته لم يسمع بذكره أحد، ولا عرفه إلا الأصدقاء والأخصاء، وهناك أناس يقصرون عن إدراك بعض منزلته علما وفضلا ، ولكنهم لا تطأ أقدامهم مصر حتى تتناقل الصحف أخبارهم بما ينشرونه فيها من نفثات أقلامهم أو ثمار قرائحهم، وقد لا تكون تلك الثمار شهية، وإنما يعمدون إلى نشرها رغبة في الشهرة. فالكواكبي رحمه الله لم يكن من أولئك، ولكن همه كان منصرفا إلى خدمة الوطن، ونشر المبادئ الصحيحة فيه بالتأليف والتلقين بعد أن قضى معظم العمر في خدمة الحكومة العثمانية في حلب، وقاسى أمورا صعابا من وشايات ذوي الأغراض، فلم يلق تربة تصلح لغرس مبادئه، فجاء مصر ونشر بعض كتبه، فعاجله الأجل فمضى ومضت معه أمانيه، وهي شبيهة بأماني المرحوم السيد جمال الدين الأفغاني، وقد استهلك في سبيلها كما استهلك ذاك من قبله. (1) ترجمته

آل الكواكبي أسرة قديمة في حلب هاجر إليها أجدادهم منذ أربعة قرون، ولهم شهرة واسعة ومقام رفيع في حلب والآستانة. يرجعون بأنسابهم إلى السيد إبراهيم الصفوي أحد أمراء أردبيل العظماء، ولهم آثار مشهورة، منها المدرسة الكواكبية في حلب، ونبغ منهم جماعة كبيرة من العلماء ورجال الإدارة، ومنهم فقيد الأمس السيد عبد الرحمن، وقد ولد في حلب سنة 1265ه، وأبوه الشيخ أحمد الكواكبي أحد مدرسي الجامع الأموي الكبير.

تلقى السيد عبد الرحمن مبادئ العلم في بعض المدارس الأهلية، ودرس العلوم الشرعية في المدرسة الكواكبية، وأتقن العربية والتركية وبعض الفارسية، ووقف على العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة، وكان ميالا من حداثته إلى صناعة القلم، فاشتغل في تحرير جريدة «فرات» التي كانت تصدر في حلب باسم الحكومة وهو في السابعة والعشرين من عمره. حررها خمس سنوات، وأنشأ في أثناء ذلك جريدة سماها «الشهباء» واشتغل بخدمة الحكومة، فتقلب في عدة مناصب علمية وإدارية وحقوقية، وأهل النقد يذكرون فضله في كل واحدة منها كبيرها وصغيرها؛ لأن اقتدار الرجل يظهر في الصغائر كما يظهر في الكبائر، وكان حب الإصلاح وحرية القول والفكر باديتين في كل عمل من أعماله، فلم يرق ذلك لبعض أرباب المناصب العليا فوشوا به، فتعمدت الحكومة حبسه ثم جردوه من أملاكه، فلم يقلل ذلك شيئا من علو همته ، فغادر الوطن وطلب بلاد الله، فجاء مصر ثم خرج منها سائحا فطاف زنجبار والحبشة وأكثر شطوط شرق آسيا وغربيها ثم رجع إلى مصر.

ومما يذكر له ونأسف لضياع ثماره أنه رحل رحلة لم يسبقه أحد إليها ويندر أن يستطيعها أحد غيره، وذلك أنه أوغل في أواسط جزيرة العرب فأقام على متون الجمال نيفا وثلاثين يوما، فقطع صحراء الدهناء في اليمن، ولا ندري ما استطلعه من الآثار التاريخية أو الفوائد الاجتماعية، فعسى أن يكون ذلك محفوظا في جملة متخلفاته. وتحول من هذه الرحلة إلى الهند، فشرقي أفريقيا أيضا وعاد إلى مصر وكان أجله ينتظره فيها.

كان الكواكبي واسع الصدر، طويل الأناة، معتدلا في كل شيء، وكان عطوفا على الضعفاء حتى سماه الحلبيون «أبا الضعفاء»، وجاء في الرائد المصري أنه كان له في بلده مكتب للمحاماة يصرف فيه معظم نهاره لرؤية مصالح الناس، ويبعث إلى المحاكم من يأمنهم من أصحابه ليدافعوا عن المظلومين والمستضعفين.

وكان واسع الاطلاع في تاريخ المشرق على العموم، وتاريخ الممالك العثمانية على الخصوص، وله ولع في علم العمران، وألف كتبا لم ينشر منها إلا كتاب «طبائع الاستبداد» وهو فريد في بابه، قرظناه في الهلال، وكتاب «أم القرى»، ومع تمسكه بالإسلامية والمطالبة بحقوقها والاستهلاك في سبيل نصرتها، فقد كان بعيدا عن التعصب يستأنس بمجلسه المسلم والمسيحي واليهودي على السواء؛ لأنه كان يرى رابطة الوطن فوق كل رابطة.

ومن يقرأ ترجمة الكواكبي والأفغاني وغيرهما من رجال هذه النهضة ويدرس أعمالهم والأحوال المحيطة بهم يعترف بفضلهم في نصرة الحقيقة وتأييد الحق والحرية.

تابع رجال الإدارة والسياسة

الفصل الثالث والأربعون

مدحت باشا

Неизвестная страница