Биографии известных людей Востока в девятнадцатом веке (часть первая)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Жанры
امتازت مصر عن سائر ممالك الأرض بتعدد الجنسيات، واختلاط أهلها بسائر أصناف الناس، وقد خدم حكومتها رجال من أمم شتى وفيهم الفرنساويون والإنكليز والألمان وغيرهم من أمم أوروبا، والأتراك والأرناءوط والأرمن والشركس والسوريون وغيرهم من رعايا الدولة العلية.
وقد تناوب رئاسة وزارتها من أول عهد العائلة الخديوية إلى أمد غير بعيد ثلاثة من كبار الوزراء؛ اثنان تركيان هما: المرحوم شريف باشا، وصاحب الدولة رياض باشا، وواحد أرمني هو نوبار باشا صاحب الترجمة، وقد اشتهر الأرمن بالإقدام وعلو الهمة والذكاء والثبات، وقضت عليهم بيئتهم بالاغتراب، وتجشم الأسفار التماسا للرزق بعرق الجبين والصبر والمواظبة، فلم يعدموا حيثما حلوا نصيبا حسنا من ثمار أتعابهم، فنبغ بينهم رجال اشتهروا بالسياسة، وآخرون بالثروة، ومنهم في الآستانة جماعة كبيرة من أهل اليسار، وجاء بعضهم مصر على عهد المغفور له محمد علي باشا، فتولوا أعظم المناصب الإدارية وخدموا الحكومة المصرية خدمات تستحق الاعتبار، أشهرهم بوغوص بك، وأرتين بك، ونوبار باشا.
ولد نوبار باشا في أزمير من أعمال آسيا الصغرى سنة 1825، وتلقى العلم في مدارس سويسرا ثم فرنسا، فخرج من المدرسة وهو في السابعة عشرة من عمره، ونفسه تتطلب المعالي، فقدم الديار المصرية سنة 1841، وقد حبب إليه الإقامة فيها بوغوص بك وكان ناظرا للتجارة والأمور الخارجية فيها على عهد المغفور له محمد علي باشا، وكان من ذوي قرابته فقدمه إلى محمد علي فعينه سكرتيرا للأمور الأجنبية، ثم صار سنة 1844 سكرتيرا ثانيا، ومترجما في مجلس محمد علي، ولم يمض قليل حتى ظهرت نجابته، وعرف قدره فارتقى إلى رتبة سكرتير أول ومترجم للمغفور له إبراهيم باشا، ولما شخص هذا القائد العظيم إلى أوروبا لتبديل الهواء سنة 1845 سار نوبار في معيته، وشهد ما لاقاه إبراهيم هناك من الحفاوة والإكرام.
وفي سنة 1848 توفي محمد علي وإبراهيم، وارتقى عباس باشا الأول إلى منصة الأحكام، فأدخل نوبار في خدمته كما كان عند عمه إبراهيم، ورقاه إلى الرتبة الثانية مع لقب بك، وحدث خلاف يتعلق بحقوق ورثة الأريكة المصرية فأنفذه عباس باشا إلى لندرة سنة 1850 لإثبات تلك الحقوق، فعاد منها ظافرا، فعرف عباس باشا له ذلك، فلم يصبر على مكافأته فسماه وزيرا وهو في فينا، وما زال في هذا المنصب حتى توفي هذا الوالي سنة 1854 وتولى عمه سعيد، فأسرع هذا إلى خلعه، ولم تمض سنتان حتى استقدمه وعهد إليه إنشاء مصلحة تتولى شئون البضائع الصادرة إلى الهند، فقام بتلك المهمة قياما دل على ذكائه وحكمته.
فلما تولى إسماعيل باشا الخديوي الأسبق سنة 1863 انتدبه للمسير إلى الآستانة لهذا الشأن، وللمفاوضة بأمور أخرى هامة، فلما عاد أنعم عليه إسماعيل باشا بالرتبة المتمايزة، وبعد قليل نال رتبة اللواء من السلطان عبد العزيز أثناء مروره بالإسكندرية في سياحته إلى أوروبا، ولم يزدد إسماعيل باشا إلا ثقة في نوبار واعتمادا عليه، فلما نشأت مشكلة قنال السويس بين الحكومة المصرية وشركة القنال سنة 1864 عهد إليه السعي في حلها فسوى ذلك على أسلوب رضي به الفريقان، فعينه إسماعيل باشا عند عودته ناظرا للأشغال العمومية. وفي سنة 1866 وكل إليه وزارة الخارجية.
وفي السنة التالية دارت المخابرات بين الباب العالي وإسماعيل باشا بشأن وراثة الحكم، وكانت لا تزال في أكبر أعضاء العائلة وإسماعيل يريد حصرها في نسله، فأنفذ نوبار باشا إلى الآستانة لتسوية ذلك، فعاد إليه بالفرمان القاضي بترقيته إلى رتبة الخديوية مع توسيع دائرة استقلاله، وحصر الحكومة في نسله.
وفي تلك السنة شخص نوبار باشا إلى أوروبا مندوبا مفوضا من إسماعيل باشا لمخابرة الدول العظمى في إنشاء محاكم مختلطة تقوم مقام المحاكم القنصلية التي كانت مرجع محاكمة الأجانب في ذلك الحين فقضى في سعيه هذا سبع سنوات يتردد في أثنائها بين ممالك أوروبا، ويفاوض عظماءهما وملوكها والخزينة المصرية مفتوحة بين يديه، فأنفق أموالا طائلة، ولكنه عاد مظفرا غانما، وكان قد عهد إليه سنة 1867 أيضا النيابة عن الحكومة المصرية في مؤتمر النقود في باريس فحضره.
ولما قضى مهمته في إنشاء المحاكم المختلطة عام 1874 اعتزل الأعمال مدة ثم عاد إليها.
وأصاب مصر في أثناء ذلك أزمة مالية مما تراكم عليها من الديون لما أتاه إسماعيل من النفقات في سبيل عمارة القاهرة وغيرها كما هو مشهور، حتى أفضى الأمر إلى مراقبة الدول والسعي في غل يديه وضبط الميزانية والاقتصاد فيها، ورأت الدول أن تقيد حكومته بالشورى، فاقترحت عليه تشكيل مجلس النظار على ما هو عليه الآن، فلم ير إسماعيل خيرا من نوبار لتشكيل ذلك المجلس، فاستقدمه إليه وكلفه بذلك سنة 1878، فألفه وجعل في جملة أعضائه عضوين أجنبيين: أحدهما إنكليزي، وهو المستر ولسن، والآخر فرنساوي، وهو المسيو دي بليفير يراقبان سير الأعمال بالنيابة عن إنكلترا وفرنسا، ولكن ذلك لم يكن ليرضي إسماعيل باشا، فلم تمض على تلك الوزارة الشورية سبعة أشهر حتى حلها إسماعيل فحدثت ثورة عسكرية نسبها إلى الوزيرين الأجنبيين، وحمل نوبار على خلعهما ليلقي تبعة الأمر عليه، فاستعفى نوبار، وكان ما كان على أثر ذلك من تداخل الدول في خلع الخديوي، فصدر الأمر الشاهاني في 26 يونيو سنة 1879 بخلع إسماعيل باشا وتولية نجله المغفور له توفيق باشا الخديوي السابق، وسافر نوبار باشا من مصر، على أنه كان يتردد إليها حينا بعد آخر، فحدثت الثورة العرابية وعقبتها الحوادث السودانية، فظهر المهدي وفتح كردوفان، ونوبار باشا معتزل الأعمال مشتغل بأحواله الشخصية، ثم استفحل أمر المهدي وأشارت إنكلترا إلى الحكومة المصرية سنة 1884 بإخلاء السودان والتخلي عنه للدراويش، وكانت الوزارة المصرية إذ ذاك برئاسة المرحوم الطيب الذكر شريف باشا، فلم يوافق إنكلترا على مشورتها فألحت عليه ففضل الاستقالة على ركوب ذلك الخطأ، فاستقدم الخديوي نوبار باشا وعهد إليه بتشكيل وزارة جديدة فشكلها وتولى هو أيضا نظارة الخارجية، ووافق إنكلترا على إخلاء السودان، وما زال في ذلك المنصب إلى 7 يونيو سنة 1888 فاستقال منه، وانقطع إلى خصوصياته حتى أصابه المرض الأخير فسافر إلى أوروبا للاستفتاء، فأدركه القدر المحتوم هناك، فنقلت جثته إلى مصر، ودفنت فيها بما لاق بمقامه من الإكرام والوقار.
فترى مما تقدم أن صاحب الترجمة خدم الحكومة المصرية خدمات ذات بال، فعاصر كل ولاتها من محمد علي باشا إلى الخديوي الحالي عباس باشا الثاني، وهو يعمل بنشاط وحكمة، فلم يقم فيها مشروع عظيم إلا كانت له فيه باع طولى، وقد نال من رتب الدولة العلية إلى رتبة المشيرية، وحاز نياشين شتى منها: نيشان أوفيسيه دي لجيون دونور من الحكومة الفرنساوية وغير ذلك.
Неизвестная страница