ترامى الرجلان على الأرض، وبكيا طويلا، ثم نهضا وأخذا يقفزان بين الخرائب من شدة السرور.
لا تسل عن دهشة الجمهور عندما وقع نظرهم على ذينك الكسيحين.
أما الناسك فقد كان نائما في تلك الساعة، فاستفاق على الهتاف الشديد، فأبصر شبحا من النور منتصبا أمام عينه، وبعد ثانية سمع شبح النور يقول له: أيها الناسك لا يجمل بك أن تبقى طويلا في هذه الأنحاء المنفردة، ولا يجدر بك أن تبقي نبوغك في مطاوي النسيان، ذلك النبوغ الذي منحته في سبيل كثيرين من أبناء الله ...
فلم يجب الناسك، وظل منقبض القلب، فقال شبح النور: انظر الجماهير الغفيرة تحت قدميك، فالصحراء قد ملئت بالضجيج والعالم أجمع يتحدث بك.
ماذا يكون من أمرك لو امتزجت بالبشر ... وسكبت العزاء في النفوس؟ ... ستصبح أسقفا عظيما، وتقود شعب الله.
بقي الناسك صامتا لا يبدي حركة.
فقال شبح النور: لقد اكتشف الشعب مقرك، فلا سبيل إلى احتجابك بعد الآن؛ لأنك ملئت بمجد لا مجد بعده.
فدهش الناسك عند هذا الكلام، فقال: ماذا؟ ... أي مجد؟ ... ما تعني بهذا الكلام؟ ...
فقال شبح النور: لقد جوزيت جزاء حسنا بتقشفاتك وصلواتك ... حتى إن العمود الذي يحملك أصبح مقدسا بك، فهو يملك فضيلة إلهية، إذ إنه شفى كسيحين من الفقراء في هذه الساعة، إن عجائبك لتفوق عجائب الكتاب المقدس، فأنت قديس لا مثيل له.
فاضطرب الناسك وضرب صدره بكلتا يديه وقال: لا، بل أنا خاطئ، أنا رماد وتراب! ولا مجد إلا لله! ...
Неизвестная страница