(إخوتي لا تبعدوا أبدا * وبلى والله قد بعدوا) من أبيات الحماسة وبعده:
ما أمر العيش بعدكم * كل عيش بعدكم نكد ليت شعري كيف شربكم * إن شربي بعدكم ثمد في سورة هود عند قوله تعالى (ألا بعدا لعاد قوم هود) وهو دعاء عليهم بالهلاك بعد هلاكهم، ومعناه أنهم كانوا مستأهلين له كما في قوله: إخوتي لا تبعدوا الخ: أي كانوا في حال حياتهم مستأهلين لأن يقال لهم هذا القول، وقد جرت العادة على استعماله عند المصائب، وليس فيه طلب ولا سؤال وإنما هو تنبيه على شدة الأمر وتفاقم الجزع وهيعة وتوجع، وقريب من هذا المعنى بيت الحماسة أيضا:
فإنك لم تبعد على متعهد * بل كل من تحت التراب بعيد قال ابن النحاس: المعروف في اللغة بعد يبعد بعدا وبعدا إذا هلك، والبعد ضد القرب، وفعلهما ككرم وفرح بعدا وبعدا، والعرب تفرق بين المعنيين بتغير البناء فقالوا بعد بالضم ضد قرب هو في الواحد والجمع سواء، تقول: ما أنت عنا ببعيد وما أنتم عنا ببعيد. وبعد بالكسر ضد السلامة، والمصدر البعد بفتح العين. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة المرسلات عند قوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) يقال لهم في الآخرة ذلك إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ذلك وكانوا من أهله، مذكرا بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع على النعيم والملك المخلد، وقد ذكرنا هذا البيت بالمناسبة عند قوله:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونه * ولا بعد إلا ما توارى الصفائح واستطردنا القول هناك إلى النوع البديعي المسمى بالاستطراد فراجعه.
(ومشهد قد كفيت الغائبين به * في محفل من نواصي الناس مشهود) من أبيات الحماسة. في سورة هود، عند قوله تعالى (وذلك يوم مشهود) المراد بالمشهود الذي كثرت شهوده، ومنه قولهم لفلان مجلس مشهود وطعام محضور كما في قوله: في محفل الخ. والمراد أنه مشهود فيه لا مشهود في نفسه لأن سائر الأيام مشهودات كلها، وكذلك قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) الشهر منتصب ظرفا لا مفعولا به، وكذلك الضمير في فليصمه أي فليصم فيه وكان من حقه أن يؤتى بما أسند إليه لكن حذف وجعل كالمفعول به وحذف مفعول المشهود تفخيما وتعظيما أن يجرى على اللسان، وذهابا إلى أنه لا مجال لالتفات الذهن إلى غيره وفى ذلك دليل على أن اسم المفعول من الفعل المتعدى بحرف الجر يجوز أن يجرد عنه ومنه قوله تعالى (إن العهد كان مسؤولا) وقد أخذ على بعض المصنفين قوله المفهوم والمنطوق. وقيل يجب أن يقال المنطوق به، وهذا يدل على جواز ذلك . ومعنى البيت: رب مشهد قد كفيت الغائبين بالنطق عنهم، أو الناطقين الحاضرين أن ينطقوا في محفل ملتئم من أشراف الناس كثير مشاهدوه، وكشفت الغمة وأثبت الحجة ونطقت بالصواب وطبقت المفصل في الجواب وجواب رب الثاني.
فرجته بلسان غير ملتبس * عند الحفاظ وقلب غير مزءود أي مذعور * وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الشعراء عند قوله تعالى (فظلت أعناقهم لها خاضعين)
Страница 376