حرف الثاء (شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا) في سورة مريم عند قوله تعالى (والباقيات الصالحات خير) على ضرب من التهكم، إذ لا ثواب لهم حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه، فهو على طريقة قولهم: الصيف أشد حرا من الشتاء، الشاعر يصف ناقة بسير دائم:
يعنى تسير إذا كان سائر المطايا لا تسير، فسيرها بمنزلة الاجترار لغيرها، جرة البعير بكسر الجيم: ما يخرجه من كرشه من العلف للاجترار، وكل ذي كرش يجتر، والشجع في الإبل: سرعة نقل القوائم. والذميل: سرعة السير، وجرتها الذميل من باب: فأعتبوا بالصيلم. وقوله تلوكه: أي الذميل تمضغه ترشيح، وأصلا جمع أصيل.
وقوله إذا راح المطي غراثا: أي صرن ضعافا من السير لا يقدرن عليه كأنها شبعى بأكل السير إذا كن غرثى لا يجدن ما يأكلن من السير زيادة ترشيح، وهذا على حد قول أبى تمام:
بسواهم لحق الأياطل شرب * تعليقها الإسراج والإلجام الساهمة: الناقة الضامرة. ولحق لحوقا: أي ضمر، تعليقها من العلاق كزنار: وهى البلغة، وهى ما يتبلغ به من العيش، العلوق: ما تعلقه الإبل أي ترعاه قال:
هو الواهب المائة المصطفاة * لاط العلوق بهن احمرارا لا من العلامة، ويروى تعليفها وهو ظاهر، والأياطل جمع أيطل: وهو الخاصرة، ولم يتفق في شواهد الكشاف من قافية الثاء غير هذا البيت وهى قافية ضيقة قل أن يتفق للشعراء نظم شئ منها، ولهذا يحكى أن ثلاثة أنفار من أهل الأدب جمعهم مكان منتزه في قرية تسمى طهياثا، فقالوا ليقل كل منكم قافية على حرف الثاء على اسم هذا المكان فقال الأول * لقد نزلنا اليوم في طيهاثا * وقال الثاني * لما حثثنا القدح احتثاثا * ثم أرتج على الثالث فقال * وأم عمرو طالق ثلاثا * فقال رفيقاه: ويحك ما ذنب المسكينة؟ فقال: والله ما لها ذنب إلا أنها وقفت في طريق القافية.
حرف الجيم (متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا) في البقرة عند قوله تعالى (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) على قراءة الأعمش بغير فاء مجزوما على البدل من يحاسبكم، والكلام مفسر في كتب الأعاريب فلينظر في محله، ومعنى البيت: أنهم يوقدون غلاظ الحطب لتقوى نارهم فتأتى إليها الضيفان من بعيد فيقصدونها، وقد استشهد بالبيت المذكور على قوله تعالى في سورة الفرقان (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف) حيث كان - يضاعف له العذاب - بدلا من - يلق - لاتحادهما في المعنى كما في البيت، وقرئ بالرفع على الاستئناف أو الحالية.
(بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه نهيق محشرج) في سورة هود عند قوله تعالى (لهم فيها زفير وشهيق) الزفير: إخراج النفس، والشهيق، رده، وأصله جبل
Страница 355