Очищение пророков
تنزيه الأنبياء
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله ومستحقه وصلى الله على خيرته من خلقه على عباده محمد وآله الأبرار الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا سألت أحسن الله توفيقك إملاء كتاب في تنزيه الأنبياء والأئمة ع- عن الذنوب والقبائح كلها ما سمي منها كبيرا أو صغيرا والرد على من خالف في ذلك على اختلافهم وضروب مذاهبهم وأنا أجيب إلى ما سألت على ضيق الوقت وتشعب الفكر وأبتدئ بذكر الخلاف في هذا الباب ثم بالدلالة على المذهب الصحيح من جملة ما أذكره من المذاهب ثم بتأويل ما تعلق به المخالف من الآيات والأخبار التي اشتبه عليه وجهها وظن أنها تقتضي وقوع كبيرة أو صغيرة من الأنبياء والأئمة (ع) ومن الله تعالى أستمد المعونة والتوفيق وإياه أسأل التأييد والتسديد اختلف الناس في الأنبياء (ع) فقالت الشيعة الإمامية لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب كبيرا كان أو صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها ويقولون في الأئمة مثل ذلك وجوز أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل
Страница 2
النبوة ومنهم من جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة ومنهم من جوزها كذلك في حال النبوة بشرط الاستسرار دون الإعلان ومنهم من جوزها على الأحوال كلها ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء (ع) قبل النبوة وفي حالها وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي (ص) الإقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد ومنهم من منع ذلك وقال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل وحكي عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممن تبعهما أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو والغفلة وأنهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعا عن أممهم بقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم وجوزوا كلهم ومن قدمنا ذكره من الحشوية وأصحاب الحديث على الأئمة الكبائر والصغائر إلا أنهم يقولون إن بوقوع الكبيرة من الإمام تفسد إمامته ويجب عزله والاستبدال به واعلم أن الخلاف بيننا وبين المعتزلة في تجويزهم الصغائر على الأنبياء (ص) يكاد يسقط عند التحقيق لأنهم إنما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب وإنما يكون حظه تنقيص الثواب على اختلافهم أيضا في ذلك لأن أبا علي الجبائي يقول إن الصغير يسقط عقابه بغير موازنة فكأنهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب وهذه موافقة للشيعة في المعنى لأن الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء (ع) جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق به فاعله الذم والعقاب لأن الإحباط باطل عندهم وإذا بطل الإحباط فلا معصية إلا ويستحق فاعلها الذم والعقاب فإذا كان استحقاق الذم والعقاب منفيا عن الأنبياء (ع) وجب أن ينفي عنهم سائر الذنوب ويصير الخلاف بين الشيعة والمعتزلة متعلقا بالإحباط فإذا بطل الإحباط فلا بد من الاتفاق على أن شيئا
Страница 3
من المعاصي لا يقع من الأنبياء (ع) من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب لكنه يجوز أن نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير ونفرض أن الأمر في الصغائر والكبائر على ما تقوله المعتزلة ومتى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر لما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى. واعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء (ع) عنه ونمنع من وقوعه منهم يستند إلى دلالة العلم المعجز إما بنفسه أو بواسطة وتفسير هذه الجملة أن العلم المعجز إذا كان واقعا موقع التصديق لمدعي النبوة والرسالة وجاريا مجرى قوله تعالى له صدقت في أنك رسولي ومؤد عني فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله سبحانه في ما يؤديه عنه لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب لأن تصديق الكذاب قبيح كما أن الكذب قبيح فأما الكذب في غير ما يؤديه عن الله وسائر الكبائر فإنما دل المعجز على نفيها من حيث كان دالا على وجوب اتباع الرسول وتصديقه فيما يؤديه وقبوله منه لأن الغرض في بعثة الأنبياء (ع) وتصديقهم بالإعلام المعجز هو أن يمتثل ما يأتون به فما قدح في الامتثال والقبول وأثر فيهما يجب أن يمنع المعجز منه فلهذا قلنا إنه يدل على نفي الكذب والكبائر عنهم في غير ما يؤدونه بواسطة وفي الأول يدل بنفسه فإن قيل لم يبق إلا أن تدلوا على أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول والامتثال قلنا لا شبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه الإقدام على الذنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلى من لا نجوز عليه شيئا من ذلك وهذا هو معنى قولنا إن وقوع الكبائر ينفر عن القبول والمرجع فيما ينفر وما لا ينفر إلى العادات واعتبار ما تقتضيه وليس ذلك مما يستخرج بالأدلة والمقاييس ومن رجع إلى العادة علم ما ذكرناه وأنه من أقوى ما ينفر عن قبول القول فإن حظ الكبائر في هذا الباب لم يزد على حظ السخف والمجون والخلاعة ولم ينقص منه فإن قيل أفليس
Страница 4
قد جوز كثير من الناس على الأنبياء (ع) الكبائر مع أنهم لم ينفروا عن قبول قولهم والعمل بما شرعوه من الشرائع وهذا ينقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا سؤال من لم يفهم ما أوردناه لأنا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق وأن لا يقع امتثال الأمر جملة وإنما أردنا ما فسرناه من أن سكون النفس إلى قبول قول من يجوز ذلك عليه لا يكون على حد سكونها إلى من لا يجوز ذلك عليه وإنا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول كما أنا مع الأمان من الكبائر نكون أقرب إلى القبول وقد يقرب من الشيء ما لا يحصل الشيء عنده كما يبعد عنه ما لا يرتفع عنده ألا ترى أن عبوس الداعي للناس إلى طعامه وتضجره وتبرمه منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع مع ما ذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من أن يكون منفرا وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسمه يقرب من حضور دعوته وتناول طعامه وقد يرتفع الحضور مع ما ذكرناه ولا يخرجه من أن يكون مقربا فدل على أن المعتبر في باب المنفر والمقرب ما ذكرناه دون وقوع الفعل المنفر عنه أو ارتفاعه فإن قيل فهذا يقتضي أن الكبائر لا تقع منهم في حال النبوة فمن أين أنها لا تقع منهم قبل النبوة وقد زال حكمها بالنبوة المسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنفير قلنا الطريقة في الأمرين واحدة لأنا نعلم أن من يجوز عليه الكفر والكبائر في حال من الأحوال وإن تاب منهما وخرج من استحقاق العقاب به لا نسكن إلى قبول قوله كسكوننا إلى من لا يجوز ذلك عليه في حال من الأحوال ولا على وجه من الوجوه ولهذا لا يكون حال الواعظ الداعي إلى الله تعالى ونحن نعرفه مقارفا للكبائر مرتكبا لعظيم الذنوب وإن كان قد فارق جميع ذلك وتاب منه عندنا وفي نفوسنا كحال من لم نعهد منه إلا النزاهة والطهارة ومعلوم ضرورة الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون والنفور ولهذا كثيرا
Страница 5
ما يعير الناس من يعهدون منه القبائح المتقدمة بها وإن وقعت التوبة منها ويجعلون ذلك عيبا ونقصا وقادحا ومؤثرا وليس إذا كان تجويز الكبائر قبل النبوة منخفضا عن تجويزها في حال النبوة وناقصا عن رتبته في باب التنفير وجب أن لا يكون فيه شيء من التنفير لأن الشيئين قد يشتركان في التنفير وإن كان أحدهما أقوى من صاحبه ألا ترى أن كثير السخف والمجون والاستمرار عليهما والانهماك فيهما منفر لا محالة وأن القليل من السخف الذي لا يقع إلا في الأحيان والأوقات المتباعدة منفر أيضا وأن فارق الأول في قوة التنفير ولم يخرجه نقصانه في هذا الباب من الأول من أن يكون منفرا في نفسه فإن قيل فمن أين قلتم إن الصغائر لا تجوز على الأنبياء في حال النبوة وقبلها قلنا الطريقة في نفي الصغائر في الحالتين هي الطريقة في نفي الكبائر في الحالتين عند التأمل لأنا كما نعلم أن من يجوز كونه فاعلا لكبيرة متقدمة قد تاب منها وأقلع عنها ولم يبق معه شيء من استحقاق عقابها وذمها لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من لا يجوز عليه ذلك وكذلك نعلم أن من يجوز عليه الصغائر من الأنبياء (ع) أن يكون مقدما على القبائح مرتكبا للمعاصي في حال نبوته أو قبلها وإن وقعت مكفرة لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من نأمن منه كل القبائح ولا نجوز عليه فعل شيء منها فأما الاعتذار في تجويز الصغائر بأن العقاب والذم عنها ساقطان فليس بشيء لأنه لا معتبر في باب التنفير بالذم والعقاب حتى يكون التنفير واقعا عليهما ألا ترى أن كثيرا من المباحات منفر ولا ذم عليه ولا عقاب وكثيرا من الخلق والهيئات منفر وهو خارج عن باب الذم على أن هذا القول يوجب على قائله تجويز الكبائر عليهم قبل البعثة لأن التوبة والإقلاع أزال الذم والعقاب الذين يقف التنفير على هذا القول عليهما فإن قيل كيف تنفر الصغائر وإنما حظها تقليل الثواب وتنقيصه لأنها
Страница 6
بكونها صغائر قد خرجت من اقتضاء الذم والعقاب ومعلوم أن قلة الثواب غير منفرة ألا ترون أن الأنبياء (ع) قد يتركون كثيرا من النوافل مما لو فعلوه لاستحقوا كثيرا من الثواب ولا يكون ذلك منفرا عنهم قلنا إن الصغائر لم تكن منفرة من حيث قلة الثواب معها بل إنما كانت كذلك من حيث كانت قبائح ومعاصي لله تعالى وقد بينا أن الملجأ في باب المنفر إلى العادة والشاهد وقد دللنا على أنهما يقضيان بتنفير جميع الذنوب والقبائح على الوجه الذي بيناه وبعد فإن الصغائر في هذا الباب بخلاف الامتناع من النوافل لأنها تنقص ثوابا مستحقا ثابتا وترك النوافل ليس كذلك وفرق واضح في العادة بين الانحطاط عن رتبة ثبتت واستحقت وبين فوتها وأن لا تكون حاصلة جملة ألا ترى أن من ولي ولاية جليلة وارتقى إلى رتبة عالية يؤثر في حاله العزل عن تلك الولاية والهبوط عن تلك الرتبة ولا يكون حاله هذه كحاله لو لم ينل تلك الولاية ولا ارتقى إلى تلك الرتبة وهذا الكلام الذي ذكرناه يبطل قول من جوز على الأنبياء (ع) الصغائر على اختلاف مذاهبهم في تجويز ذلك على سبيل العمد أو التأويل إلا أن أبا علي الجبائي ومن وافقه في قوله إن ذنوب الأنبياء لا تكون عمدا وإنما يقدمون عليها تأولا ويمثل ذلك بقصة آدم (ع) فإنه نهي عن جنس الشجرة دون عينها فتأول فظن أن النهي يتناول العين فلم يقدم على المعصية مع العلم بأنها معصية قد ناقض فإنه إنما ذهب إلى هذا المذهب تنزيها للأنبياء (ع) واعتقاد أن تعمد المعصية يوجب كبرها فنزهه عن معصية وأضاف إليه معصيتين لأنه مخطئ على مذهبه في الإعراض عن تأمل مقتضى النهي وهل يتناول الجنس أو العين لأن ذلك واجب عليه ومخطئ في التناول من الشجرة وهاتان معصيتان وبعد فإن تعمد المعصية ليس يجب أن يكون مقتضيا لكبرها لا محالة لأنه لا يمتنع أن يكون مع التعمد يصاحبه من الخوف والوجل
Страница 7
ما يوجب صغرها ويمنع من كبرها وليس له أن يقول إن النظر فيما كلفه من الامتناع من الجنس أو النوع لم يكن واجبا عليه لأن ذلك إن لم يكن واجبا عليه فكيف يكون مكلفا وكيف يكون تناوله معصية ولا بد على هذا من أن يخطر الله تعالى بباله ما يقتضي وجوب النظر في ذلك عليه وإذا وجب عليه النظر ولم يفعله فقد تعمد الإخلال بالواجب ولا فرق في باب التنفير بين الإقدام على المعصية والإخلال بالواجب فإذا جاز عنده أن يتعمد الإخلال بالواجب ولا يكون منه كبيرا جاز أن يتعمد منه نفس التناول ولا يكون منه كبيرا فأما ما حكيناه عن النظام وجعفر بن مبشر ومن وافقهما من أن ذنوب الأنبياء (ع) تقع منهم على سبيل السهو والغفلة وأنهم مع ذلك مؤاخذون بها فليس بشيء لأن السهو يزيل التكليف ويخرج الفعل من أن يكون ذنبا مؤاخذا به ولهذا لا يصح مؤاخذة المجنون والنائم وحصول السهو في أنه مؤثر في ارتفاع التكليف بمنزلة فقد القدرة والآلات والأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء (ع) في صحة تكليفهم مع السهو جاز أن يخالف حالهم لحال أمتهم في جواز التكليف مع فقد سائر ما ذكرنا وهذا واضح فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة (ع) لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة فهو أن الإمام إنما احتيج إليه لجهة معلومة وهي أن يكون المكلفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب على ما دللنا عليه في غير موضع فلو جازت عليه الكبائر لكانت علة الحاجة إليه ثابتة فيه وموجبة وجود إمام يكون إماما له والكلام في إمامته كالكلام فيه وهذا يؤدي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمة وهو باطل أو الانتهاء إلى إمام معصوم وهو المطلوب ومما يدل أيضا على أن الكبائر لا يجوز عليهم أن قولهم (ع) قد ثبت أنه حجة في الشرع كقول الأنبياء (ع) بل يجوز أن ينتهي الحال إلى أن الحق لا يعرف إلا من جهتهم ولا يكون الطريق إليه إلا من أقوالهم على ما بيناه
Страница 8
في مواضع كثيرة وإذا ثبت هذه الجملة جروا مجرى الأنبياء (ع) فيما يجوز عليهم وما لا يجوز فإذا كنا قد بينا أن الكبائر والصغائر لا يجوزان على الأنبياء (ع) قبل النبوة ولا بعدها لما في ذلك من التنفير عن قبول أقوالهم ولما في تنزيهم عن ذلك من السكون إليهم فكذلك يجب أن يكون الأئمة (ع) منزهين عن الكبائر والصغائر قبل الإمامة وبعدها لأن الحال واحدة وإذ قد قدمنا ما أردنا تقديمه في هذا الباب فنحن نبتدئ بذكر الكلام على ما تعلقوا به من جواز الكبائر على الأنبياء (ع) من الكتاب
في تنزيه آدم (ع)
مسألة فمما تعلقوا به قوله تعالى في قصة آدم (ع) وعصى آدم ربه فغوى @QUR@
فغوى @QUR@
الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالندب معا فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم (ع) مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة ويكون بمواقعتها تاركا نفلا وفضلا وغير فاعل قبيحا وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهرة ولهذا يقولون أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني وإن لم يكن ما أمره به واجبا وأما قوله فغوى @QUR@
لاستحق الثواب العظيم فإذا خالف الأمر ولم يصر إلى ما ندب إليه فقد خاب لا محالة من حيث إنه لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحق بالامتناع ولا شبهة في أن لفظة غوى يحتمل الخيبة قال الشاعر
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
فإن قيل كيف يجوز أن يكون ترك الندب
Страница 9
معصية أوليس هذا يوجب أن توصف الأنبياء (ع) بأنهم عصاة في كل حال وأنهم لا ينفكون من المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب قلنا وصف تارك الندب بأنه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدى به عن موضعه ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل لم يجز إطلاقه في الأنبياء (ع) إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في القبائح فإطلاقه بغير تقييد موهم لكنا نقول إن أردت بوصفهم أنهم عصاة أنهم فعلوا القبائح فلا يجوز ذلك وإن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وكان أولى فهم كذلك فإن قيل فأي معنى لقوله تعالى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى وأي معنى لقوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم وكيف يقبل توبة من لم يذنب أم كيف يتوب من لم يفعل القبيح قلنا أما التوبة عندنا وعلى أصولنا فغير موجبة لإسقاط العقاب وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضلا والذي توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب فقبولها على هذا الوجه إنما هو ضمان الثواب عليها فمعنى قوله تعالى فتاب عليه أنه قبل توبته وضمن له ثوابها ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم (ع) صغيرة من هذا الجواب لأنه إذا قيل له كيف تقبل توبته ويغفر له ومعصيته قد وقعت في الأصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه والتوبة قد يحسن أن تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه ويكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها وكونها لطفا كما يحسن أن تقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شيء يستحقه من العقاب ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم
Страница 10
تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب فإن قيل الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه لأنه أخبر أن آدم (ع) منهي عن أكل الشجرة بقوله ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وبقوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وهذا يوجب بأنه (ع) عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترك مأمورا به قلنا أما النهي والأمر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر وإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه فإذا قال تعالى لا تقربا هذه الشجرة ولم يكره قربها لم يكن في الحقيقة ناهيا كما أنه تعالى لما قال اعملوا ما شئتم وإذا حللتم فاصطادوا ولم يرد ذلك لم يكن أمرا فإذا كان قد صح قوله ولا تقربا هذه الشجرة إرادة لترك التناول فيجب أن يكون هذا القول أمرا وإنما سماه منهيا عنه وسمى أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل وتزهيدا في الفعل نفسه ولما كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه جاز أن يسمى نهيا وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا قد أمرت فلانا بأن لا يلقى الأمير وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه ويقول نهيتك عن هجر زيد وإنما معناه أمرتك بمواصلته فإن قيل ألا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح ومنهي غير قبيح بل يكون تركه أفضل من فعله كما جعلتم الأمر منقسما إلى واجب وغير واجب قلنا الفرق بين الأمرين ظاهر لأن انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع ولا خلاف وليس يمكن أحدا أن يدفع أن في الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب وفيها ما لا يكون كذلك فإذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الإرادة له واستحقاق الثواب والمدح به فليس يفارقه إلا بكراهة الترك لأن الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك فلو جعلنا
Страница 11
الكراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى وكذلك النهي كما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول فإن قيل فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما ربنا ظلمنا أنفسنا وقوله تعالى فتكونا من الظالمين قلنا معناه أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة وحرمناها الفائدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب وإن لم نكن مستحقا قبل أن نفعل الطاعة التي نستحق بها فهو في حكم المستحق فيجوز أن يوصف من فوت نفسه بأنه ظالم لها كما يوصف بذلك من فوت نفسه المنافع المستحقة وهذا هو معنى قوله تعالى فتكونا من الظالمين فإن قيل فإذا لم يقع من آدم (ع) على قولكم معصية فلم أخرج من الجنة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجهة ولو لا أن الإخراج من الجنة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب لما قال الله تعالى فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما وقال تعالى في موضع آخر فأخرجهما مما كانا فيه قلنا نفس الإخراج من الجنة لا يكون عقابا لأن سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة وإنما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة وكذلك نزع اللباس وإبداء السوءة ولو كانت هذه الأمور مما يجوز أن تكون عقابا ويجوز أن يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره بدلالة أن العقاب لا يجوز أن يستحقه الأنبياء (ع) فإذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة فهو أولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك فإن قيل فما وجه ذلك إن لم تكن عقوبة قلنا لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم (ع) في الجنة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة فمتى تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار
Страница 12
غيرها هو المصلحة وكذلك القول في سلب اللباس حتى يكون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة كما كانت المصلحة في تبقيته قبل ذلك وإنما وصف إبليس بأنه مخرج لهما من الجنة من حيث وسوس إليهما وزين عندهما الفعل الذي يكون عنده الإخراج وإن لم يكن على سبيل الجزاء عليه لكنه يتعلق به تعلق الشرط في المصلحة وكذلك وصف بأنه مبد لسوآتهما من حيث أغواهما حتى أقدما على ما سبق في علم الله تعالى بأن اللباس معه ينزع عنهما ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم (ع) صغيرة لا يستحق بها العقاب من مثل هذا التأويل وكيف يجوز أن يعاقب الله تعالى نبيه بالإخراج من الجنة أو غيره من العقاب والعقاب لا بد من أن يكون مقرونا بالاستخفاف والإهانة وكيف يكون من تعبد الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل مستحقا منا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة وأي نفس تسكن إلى مستخف بقدره مهان موبخ مبكت وما يجيز مثل ذلك على الأنبياء (ع) إلا من لا يعرف حقوقهم ولا يعلم ما تقضيه منازلهم مسألة فإن قال قائل فما قولكم في قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون أوليس ظاهر هذه الآية يقتضي وقوع المعصية من آدم (ع) لأنه لم يتقدم من يجوز صرف هذه الكناية في جميع الكلام إليه إلا ذكر آدم (ع) وزوجته لأن النفس الواحدة هي آدم وزوجها المخلوق منها هي حواء (ع) فالظاهر على ما ترون ينبئ عما ذكرناه على أنه قد روي في الحديث أن إبليس لعنه الله تعالى لما أن حملت حواء عرض لها وكانت ممن لا يعيش لها ولد فقال لها إن أردت أن يعيش ولدك فسميه عبد الحارث وكان إبليس قد يسمى بالحارث فلما ولدت
Страница 13
سمت ولدها بهذه التسمية فلهذا قال تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهم @QUR@
الأنبياء (ع) لا يجوز عليهم الكفر والشرك والمعاصي غير محتملة ولا يصح دخول المجاز فيها والكلام في الجملة يصح فيه الاحتمال وضروب المجاز فلا بد من بناء المحتمل على ما لا يحتمل فلو لم نعلم تأويل هذه الآية على سبيل التفصيل لكنا نعلم في الجملة أن تأويلها مطابق لدلالة العقل وقد قيل في تأويل هذه الآية مما يطابق دليل العقل ومما يشهد له اللغة وجوه منها أن الكناية في قوله سبحانه جعلا له شركاء فيما آتاهم @QUR@
جنسين ممن أشرك من نسلهما وإن كانت الكناية الأولى تتعلق بهما ويكون تقدير الكلام فلما آتى الله آدم وحواء الولد الصالح الذي تمنياه وطلباه جعل كفار أولادهما ذلك مضافا إلى غير الله تعالى ويقوي هذا التأويل قوله سبحانه فتعالى الله عما يشركون @QUR@
يجب من حيث كانت الكناية المتقدمة راجعة إلى آدم (ع) وحواء أن يكون جميع ما في الكلام راجعا إليهما لأن الفصيح قد ينتقل من خطاب مخاطب إلى خطاب غيره ومن كناية إلى خلافها قال الله تعالى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله @QUR@
وتعزروه وتوقروه @QUR@
وقال الهذلي
يا لهف نفسي كان جدة خالد
وبياض وجهك للتراب الأعفر
ولم يقل بياض وجهه وقال كثير
أسيئي بنا أو حسني لا ملومة
لدينا ولا مقلية إن ثقلت
فخاطب ثم ترك الخطاب وقال الآخر
فدى لك ناقتي وجميع أهلي
ومالي أنه منه أتاني
Страница 14
ولم يقل منك أتاني فإن قيل كيف يكنى عمن لمن يتقدم له ذكر قلنا لا يمتنع ذلك قال الله تعالى حتى توارت بالحجاب @QUR@
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا
حشرجت يوما وضاق بي الصدر
ولم يتقدم للنفس ذكر والشواهد على هذا المعنى كثيرة جدا على أنه قد تقدم ذكر ولد آدم (ع) وتقدم أيضا ذكرهم في قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة ومعلوم أن المراد بذلك جميع ولد آدم (ع) وتقدم أيضا ذكرهم في قوله تعالى فلما آتاهما صالحا لأن المعنى أنه لما آتاهما ولدا صالحا والمراد بذلك الجنس وإن كان اللفظ لفظ وحده وإذا تقدم مذكوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما وجب أن يضاف إلى من يليق به والشرك لا يليق بآدم (ع) فيجب أن ننفيه عنه وإن تقدم ذكره وهو يليق بكفار ولده ونسله فيجب أن نعلقه بهم ومنها ما ذكره أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني فإنه يحمل الآية على أن الكناية في جميعها غير متعلقة بآدم (ع) وحواء ويجعل الهاء في تغشاها والكناية في دعوا الله ربهما و آتاهما صالحا راجعين إلى من أشرك ولم يتعلق بآدم (ع) من الخطاب إلا قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة قال والإشارة في قوله خلقكم من نفس واحدة إلى الخلق عامة وكذلك قوله وجعل منها زوجها ثم خص منها بعضهم كما قال الله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فخاطب الجماعة بالتسيير ثم خص راكب البحر وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها وهما آدم وحواء ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه إياه ادعى له الشركاء في عطيته قال وجايز أن يكون عنى بقوله هو الذي خلقكم من نفس واحدة المشركين خصوصا إذا كان كل بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها ويكون المعنى في قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة
Страница 15
وهذا قد يجيء كثيرا في القرآن وفي كلام العرب قال الله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة والمعنى فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة وهذا الوجه يقارب الوجه الأول في المعنى وإن خالفه في الترتيب ومنها أن يكون الهاء في قوله جعلا له شركاء راجعة إلى الوالد لا إلى الله تعالى ويكون المعنى أنهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح فشركا بين الطلبتين ويجري هذا القول مجرى قول القائل طلبت مني درهما فلما أعطيتك شركته بآخر أي طلبت آخر مضافا إليه وعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحواء (ع) فإن قيل فأي معنى على هذا الوجه لقوله فتعالى الله عما يشركون وكيف يتعالى الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر قلنا لم ينزه الله تعالى نفسه عن هذا الإشراك وإنما نزهها عن الإشراك به وليس يمتنع أن ينقطع هذا الكلام عن حكم الأول ويكون غير متعلق به لأنه تعالى قال أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون فنزه نفسه تعالى عن هذا الشرك دون ما تقدم وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحكم عما يتصل به في الصورة وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب لأن من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أكثر من مراعاة المعاني فكأنه تعالى لما قال جعلا له شركاء فيما آتاهما وأراد الإشراك في طلب الولد جاء بقوله تعالى عما يشركون على مطابقة اللفظ الأول وإن كان الثاني راجعا إلى الله تعالى لأنه يتعالى عن اتخاذ الولد وما أشبهه ومثله
قول النبي (ص) وقد سئل عن العقيقة فقال لا أحب العقيقة ومن شاء منكم أن يعق عن ولده فليعق
فطابق اللفظ وإن اختلف المعنيان وهذا كثير في كلامهم فأما ما يدعى في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت
Страница 16
إليه لأن الأخبار يجب أن تبنى على أدلة العقول ولا تقبل في خلاف ما تقتضيه العقول ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه ونردها أو نؤولها إن كان لها مخرج سهل وكل هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعونا على سنده مقدوحا في طريقه فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما
رواه خلف بن سالم عن إسحاق بن يوسف عن عوف عن الحسن في قوله تعالى فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما @HAD@ قال هم المشركون
وبإزاء هذا الحديث ما
روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم من أن الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته وأن المراد به غيرهما
وهذه جملة واضحة
تنزيه نوح (ع)
مسألة فإن سأل سائل عن قوله تعالى ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين فقال ظاهر قوله تعالى إنه ليس من أهلك فيه تكذيب لقوله (ع) إن ابني من أهلي وإذا كان النبي (ص) لا يجوز عليه الكذب فما الوجه في ذلك قيل له في هذه الآية وجوه كل واحد منها صحيح مطابق لأدلة العقل أولها أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول نفي النسب وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله تعالى بنجاتهم لأنه عز وجل كان وعد نوحا (ع) بأنه ينجي أهله في قوله احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول فاستثنى من أهله من أراد إهلاكه بالغرق ويدل على
Страница 17
صحة هذا التأويل قول نوح (ع) إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وعلى هذا الوجه يتطابق الخبران ولا يتنافيان وقد روي هذا التأويل بعينه عن ابن عباس وجماعة من المفسرين والوجه الثاني أن يكون المراد بقوله تعالى ليس من أهلك أي أنه ليس على دينك وأراد أنه كان كافرا مخالفا لأبيه فكان كفره أخرجه من أن يكون له أحكام أهله ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى على طريق التعليل إنه عمل غير صالح فتبين أنه إنما خرج عن أحكام أهله بكفره وقبح عمله وقد حكي هذا الوجه أيضا عن جماعة من أهل التأويل والوجه الثالث أنه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه فقال (ع) إن ابني على ظاهر الأمر فأعلمه الله تعالى أن الأمر بخلاف الظاهر ونبهه على خيانة امرأته وليس في ذلك تكذيب خبره لأنه إنما أخبره عن ظنه وعما يقتضيه الحكم الشرعي فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره وقد روي هذا الوجه عن الحسن ومجاهد وابن جريح وفي هذا الوجه بعد إذ فيه منافاة للقرآن لأنه تعالى قال ونادى نوح ابنه فأطلق عليه اسم البنوة ولأنه أيضا استثناه من جملة أهله بقوله تعالى وأهلك إلا من سبق عليه القول ولأن الأنبياء (ع) يجب أن ينزهوا عن هذه الحال لأنها تعيير وتشيين ونقص من القدر وقد جنبهم الله تعالى ما دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا ونفيا لكل ما ينفر عن القبول منهم وقد حمل ابن عباس قوة ما ذكرناه من الدلالة على أن تأويل قوله تعالى في امرأة نوح (ع) وامرأة لوط (ع) فخانتاهما أن الخيانة لم تكن منهما بالزنى بل كانت إحداهما تخبر الناس بأنه مجنون والأخرى تدل على الأضياف والوجهان الأولان هما المعتمدان في الآية فإن قيل أليس قد قال جماعة من المفسرين إن الهاء في قوله تعالى إنه عمل غير صالح راجعة إلى السؤال والمعنى أن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير
Страница 18
صالح راجعة إلى السؤال بل إلى الابن ويكون تقدير الكلام أن ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ويشهد لصحة هذا التأويل قول الخنساء
ما أم سقب على بو تطيف به قد
ساعدتها على التحنان أطيار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
وإنما أراد أنها ذات إقبال وإدبار وقد قال قوم في هذا الوجه أن المعنى في قوله إنه عمل غير صالح @QUR@
يكن ابنه على الحقيقة والذي اخترناه خلاف ذلك وقد قرئت هذه الآية بنصب اللام وكسر الميم ونصب غير ومع هذه القراءة لا شبهة في رجوع معنى الكلام إلى الابن دون سؤال نوح (ع) وقد ضعف قوم هذه القراءة فقالوا كان يجب أن يقول إنه عمل عملا غير صالح لأن العرب لا تكاد تقول هو يعمل غير حسن حتى يقولوا عملا غير حسن وليس هذا الوجه بضعيف لأن من مذهبهم الظاهر إقامة الصفة مقام الموصوف عند انكشاف المعنى وزوال اللبس فيقول القائل قد فعلت صوابا وقلت حسنا بمعنى فعلت فعلا صوابا وقلت قولا حسنا وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي
أيها القائل غير الصواب
أخر النصح وأقلل عتابي
وقال أيضا
وكم من قتيل ما يباء به دم
ومن علق رهنا إذا لفه الدما
ومن مالي عينيه من شيء غيره
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدما
أراد وكم إنسان قتيل وقال رجل من بحيلة
كم من ضعيف العقل منتكث القوى
ما إن له نقض ولا إبرام
أراد كم من إنسان ضعيف العقل والقوى فإن قيل إن كان الأمر على ما ذكرتم فلم قال الله تعالى فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين وكيف قال نوح (ع) من بعد رب إني أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قلنا ليس يمتنع أن يكون نوح (ع) نهي عن سؤال ما ليس له
Страница 19
به علم وإن لم يقع منه وأن يكون هو (ع) تعوذ من ذلك وإن لم يواقعه ألا ترى أن نبينا (ص) قد نهي عن الشرك والكفر وإن لم يقعا منه في قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك وإنما سأل نوح (ع) نجاة ابنه باشتراط المصلحة لا على سبيل القطع فلما بين الله تعالى أن المصلحة في غير نجاته لم يكن ذلك خارجا عما تضمنه السؤال وأما قوله تعالى إني أعظك أن تكون من الجاهلين فمعناه لأن لا تكون منهم ولا شك في أن وعظه تعالى هو الذي يصرف عن الجهل وينزه عن فعله وكل هذا واضح
في تنزيه إبراهيم (ع)
فإن قال قائل فما معنى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم (ع) فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون أوليس ظاهر هذا الكلام يقتضي أنه (ع) كان يعتقد في وقت من الأوقات إلهية الكواكب وهذا مما قلتم إنه لا يجوز على الأنبياء (ع) الجواب قيل له في هذه الآية جوابان أحدهما أن إبراهيم (ع) إنما قال ذلك في زمان مهلة النظر وعند كمال عقله وحضور ما يوجب عليه النظر بقلبه وتحريك الدواعي على الفكر والتأمل له لأن إبراهيم (ع) لم يخلق عارفا بالله تعالى وإنما اكتسب المعرفة لما أكمل الله تعالى عقله وخوفه من ترك النظر بالخواطر والدواعي فلما رأى الكواكب وقد روي في التفسير أنه الزهرة وأعظمه ما رأى عليه من النور وعجيب الخلق وقد كان قومه يعبدون الكواكب ويزعمون أنها آلهة قال هذا ربي على سبيل الفكر والتأمل لذلك فلما غابت وأفلت وعلم أن الأفول لا يجوز على الإله علم أنها محدثة متغيرة منتقلة وكذلك
Страница 20
كانت حاله في رؤية القمر والشمس وإنه لما رأى أفولهما قطع على حدوثهما واستحالة إلهيتهما وقال في آخر الكلام يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وكان هذا القول عقيب معرفة بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لا يجوز عليه تعالى فإن قيل كيف يجوز أن يقول (ع) هذا ربي مخبرا وهو غير عالم بما يخبر به والأخبار بما لا يأمن المخبر أن يكون كاذبا فيه قبيح وفي حال كمال عقله ولزوم النظر له لا بد من أن يلزمه التحرز من الكذب وما جرى مجراه من القبح قلنا عن هذا جوابان أحدهما أنه لم يقل ذلك مخبرا وإنما قال فارضا ومقدرا على سبيل الفكر والتأمل ألا ترى أنه قد يحسن من أحدنا إذا كان ناظرا في شيء وممتثلا بين كونه على إحدى صفتيه أن يفرضه على إحداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد ولا يكون بذلك مخبرا في الحقيقة ولهذا يصح من أحدنا إذا نظر في الأجسام وقدمها أن يفرض كونها قديمة ليتبين ما يؤدي إليه ذلك الفرض من الفساد والجواب الآخر أنه أخبر عن ظنه وقد يجوز أن يظن المفكر المتأمل في حال نظره وفكره ما لا أصل له ثم يرجع عنه بالأدلة والعقل ولا يكون ذلك منه قبيحا فإن قيل الآية تدل على أن إبراهيم (ع) ما كان رأى هذه الكواكب قبل ذلك لأن تعجبه منها تعجب من لم يكن رآها فكيف يجوز أن يكون إلى مدة كمال عقله لم يشاهد السماء وما فيها من النجوم قلنا لا يمتنع أن يكون ما رأى السماء إلا في ذلك الوقت لأنه على ما روي كان قد ولدته أمه في مغارة خوفا من أن يقتله النمرود ومن يكون في المغارة لا يرى السماء فلما قارب البلوغ وبلغ حد التكليف خرج من المغارة ورأى السماء وفكر فيها وقد يجوز أيضا أن يكون قد رأى السماء قبل ذلك إلا أنه لم يفكر في أعلامها
Страница 21